لقاء عبدالعزيز بن باز بالحاخام اليهودي
على هامش المؤتمر الثالث لحوار الأديان المنعقد في الرياض عام 1415هـــ/1995م، التقى عبدالعزيز بن باز مفتى عام المملكة العربية السعودية بموشيه دانيال كبير حاخامات القدس. جرى اللقاء بعيدًا عن الاضواء، لكن بعض الصور تسربت للصحافة ووسائل الاعلام.
بعد نحو 25 سنة من هذا الحدث، التقى اسماعيل هنية زعيم حركة حماس الفلسطينية، بحسن نصرالله امين عام حزب الله اللبناني في بيروت، وتابعت وسائل الاعلام هذا اللقاء والذي تصدر صفحات الجرائد ونشرات الاخبار المرئية.
من المعلوم أن الحدث الأول مفتعل لا وجود له. بينما الحدث الثاني لا شك في وجوده، والمهم في حديثنا هو في طريقة تفاعل العقل العربي والاسلامي مع هذين المشهدين.
لا شك أن صورة تجمع بين ابن باز وحاخام يهودي مستفزة ومستنكرة ولها دلالات كثيرة في العقلية العربية والاسلامية المعاصرة: منها أنها دعوة للتطبيع، أو تمهيد له أو الترويج لسياسة سعودية في المستقبل القريب تسعى للتقارب مع اسرائيل، وأن علماء السلفية أصبحوا يروجون للتعايش مع اليهود بعد أن دافعوا كثيراً عن تعايش الشعوب مع الحكام الطغاة ووجوب السمع والطاعة لهم وعدم معارضتهم، وربما اشتط بعض الموتورين لاستعادة الافك القديم عن دور اليهود والانكليز في صناعة الوهابية وتأسيس المملكة السعودية.
على الجانب الآخر، فإن صورة تجمع بين اسماعيل هنية وحسن نصرالله لم تستفز إلا قلة لا يكاد صوتها يسمع في عالمنا الذي ملأه ضجيج الحديث عن التطبيع مع اسرائيل وصفقة القرن.
لقد شاهد الملايين هذا الحدث ومر بكل برود وكأن شيئاً لم يحدث، وأصبح الجلوس مع قاتل سفاح طائفي متورط بدماء الآلاف من العرب السنة في سوريا وغيرها أمر لا يستدعي اي نوع من انواع الاستنكار والاستهجان، وهذا يدل على تشوه كبير ليس في آلية التفكير والنظر الشرعي والسياسي بل هو عطب في قيم الرجولة واخلاق العرب كرفض الذل والضيم، إذ لا ذل فوق التودد والتقرب ممن أهلك الحرث والنسل ودنس كل المحرمات والمقدسات.
والسبب في هذا التناقض ان التفكير الثوري العربي - وخاصة عند الاسلاميين - لم يعترف بعد بمشكلة كبرى تسمى التطبيع مع ايران؛ ليس جهلاً بخطر هذا النوع من التطبيع أو سوء تقدير لعواقبه وآثاره، ولكنها الأهواء والمصالح الحزبية والتي تأبى على أهلها التضحية بمكاسبهم المادية والسياسية من أجل قول الحق والاعتراف به
فالذي يبسط لسانه بالسوء ضد السعودية والإمارات، ويسكت عن التطبيع مع ايران ويتعامى عمن تورط به من انظمة سياسية (قطر- تركيا) وقوى اسلامية (الاخوان) وحركات مسلحة (داعش -القاعدة) = شيطان أخرس أعور، لأنه يدين التطبيع مع اسرائيل ويغض الطرف عن تطبيع أشد خطراً على الدين واهله، وهذا يعني إخضاع مبدأ الولاء والبراء لمعايير واعتبارات حزبية وسياسية، وبالتالي إفراغه من محتواه وحقيقته، وإعادة تفصيله بطريقة تلائم المصالح السياسية وتوظيفه ضد الخصوم
فالمنطق الذي يجرّم التعامل والتطبيع مع اليهود ينبغي ان يجرم كافة اشكال التعاون والتعامل والتطبيع مع ايران وحلفائها من الدول والحركات الاسلامية والمسلحة، وهذا في اقل الأحوال، وإلا فالمقارنة بين خطر اسرائيل وخطر ايران غير منصفة من كافة الوجوه، فما فعلته اسرائيل منذ النكبة يتصاغر أمام جرائم المشروع الخميني منذ 1979 وحتى اليوم.
ينبغي التأكيد مجددا الى ان الحدث واللقاء المزعوم والشخصية اليهودية كلها من نسيج الخيال، فلم يحصل اللقاء ولا المؤتمر ولا وجود لشخصية يهودية بهذا الاسم شغلت هذا المنصب في تاريخ اسرائيل.