حرب على الارهاب أم مطاردة العملاء
فيما بدت فرنسا جادة في محاربة التطرف ومطاردة دعاته في أوكارهم حتى لو كانت تلك الأوكار مساجد أظهرت بريطانيا شللا في القيام بما يمكن أن يضمها إلى الدول المحاربة لتلك الظاهرة التي هي مصدر الارهاب من جهة ما تتضمنه من حث على الكراهية والتمييز وضيق الأفق الذي أدى في حالات كثيرة إلى الصدام مع القيم الاجتماعية السائدة.
وإذا كان التطرف ينحصر في فرنسا بين المهاجرين القادمين من دول المغرب العربي فإنه يكاد يكون في بريطانيا متجذرا بين أفراد جاليات قادمة من مختلف انحاء العالم وتتوزع بين لندن وضواحيها ومدن أخرى كانت قد احتضنت برحابة صدر الجيل الثالث من أولئك المهاجرين وهو جيل أثبت هو الآخر أنه لا يحترم القيم البريطانية ويميل إلى التفكير بطريقة متطرفة.
وليست حوادث الطعن التي تعرضت لها الشرطة البريطانية سببا وحيدا في الشعور بأن بريطانيا تمثل أكبر خزان للتطرف في أوروبا بل أن هناك الكثير من مظاهر التطرف التي يعجب المرء كيف تغض السلطات المعنية النظر عنها وهو أمر يدعو إلى الحيرة فعلا.
وإذا ما كان المعنيون بالأمر قد توصلوا إلى تعريف للتطرف يمكنه أن يحل اشكالية التعرف عليه قانونيا حيث تم حصره بـ"معارضة القيم البريطانية الأساسية" فإن ما لم يتم اماطة اللثام عنه هو "ما هي تلك القيم التي يمثل اختراقها تطرفا؟"
تلك إشكالية لم تنج منها أجهزة الشرطة البريطانية التي أثبتت عجزها عن القيام بشيء نافع قبل وقوع العمليات الارهابية. كل ما فعلته هو عبارة عن ردود أفعال جرت بعد أن نفذ الارهابيون عملياتهم. ما يعني أن تلك الأجهزة لم تكن مستعدة لمنع وقوع تلك العمليات. فهل علينا أن نصدق أنها لا تملك عيونا داخل المجتمعات التي تسود فيها لغة التطرف؟
لقد رعت بريطانيا منذ عقود تيارات الإسلام السياسي التي تمتع أفرادها عبر عقود بضمان معيشتهم على حساب الدولة من غير أن يضطروا للعمل وإن عملوا فإنهم كانوا يعملون في السوق السوداء.
على مستوى آخر فإن التمويل القادم من جهات مختلفة في العالم يتم تمريره من خلال دكاكين كانت وارداتها المالية المسجلة في دائرة الضرائب أكبر بكثير مما يمكن أن تحصل عليه واقعيا وكان واضحا أن هناك عمليات غسيل أموال تُجرى تحت أعين السلطات.
لذلك يمكن القول إن بريطانيا كانت هي النقطة الأشد خطورة في انتشار الفكر المتطرف الذي يحث على الارهاب ويعتمده ثمرة لوجوده. وهو ما أعتقد أن البريطانيين كانوا على معرفة به فهل اعتقدوا أن المتطرفين سيحترمون قيمهم الأساسية الغامضة ويؤجلون تنفيذ عملياتهم الارهابية إلى أن يغادروا بريطانيا؟
لقد أحاطت بريطانيا علاقتها بالشرق الأوسط بالأسرار. غير أن جزءا من أسرار علاقتها التخابرية مع جماعة الاخوان المسلمين صار معروفا. لن يكون مفاجئا أن نكتشف يوما ما أن تكون بريطانيا هي الجهة التي وقفت وراء أحداث الربيع العربي.
لقد هيأت بريطانيا جماعة الاخوان المسلمين لحكم أجزاء مهمة من العالم العربي. وحين فشل المشروع لم يغادر دعاة التطرف الأراضي البريطانية فيما غادرها في وقت سابق أتباع إيران من المنتمين إلى الأحزاب الشيعية بعد أن احتلت الولايات المتحدة العراق واسقطت نظامه السياسي. ومنها غادر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة هو الآخر إلى تونس.
بالنسبة لبريطانيا فإن المشكلة لن تكون محصورة بالقادمين من العالم العربي. ذلك لأن مدارس التطرف خرجت عن النطاق الإخواني لتذهب في اتجاه إسلامي شامل.
ذلك لا يعني أن شيئا ما يقع خارج السيطرة. غير أن تلك المعلومة تبدو مضللة حين يطيح بها أي عمل ارهابي. ولكن لمَ لا تقتدي بريطانيا بفرنسا وتهاجم أوكار الارهابيين قبل أن ينفذوا عملياتهم؟
هناك تعارض بين الأجهزة وهو ما يضفي نوعا من التردد الحذر على كل عمل يقع على تماس مع الجماعات المتطرفة المعروفة سلفا. سيكون من الصعب تخيل بريطانيا من غير عملائها في الشرق الأوسط وبما أن الاخوان عملاء مضمونون فإن السكوت على نشاطاتهم داخل الجالية المسلمة سيكون ممكنا من أجل مصلحة أكبر.
تلك الفكرة هي التي تقف وراء شلل أجهزة الشرطة في التعامل جديا مع ظاهرة التطرف. ولن تتحرر تلك الأجهزة من القيود التي فرضت عليها إلا إذا شعرت بريطانيا أن لا مستقبل لجماعة الاخوان المسلمين في الشرق الأوسط وأن موضوعها صار شأنا بريطانيا خالصا.