عالمنا المجنون سيكون أجمل في السنة المقبلة
لن يكون العام المقبل أفضل من هذا العام. سأكون متشائما من أجل أن أخفف من وقع الصدمة ولكي لا أشعر بالإحباط. خيبتنا بعام 2020 كان مصدرها التفاؤل لذلك ينبغي علينا أن نستقبل عام 2021 بشيء من التشاؤم بالرغم من أن هناك وقائع كثيرة يمكنها أن تسد ثغرات الحيرة التي سيطرت على العالم وهو يواجه عدو غير مرئي.
دول كثيرة بدأت بتلقيح مواطنيها ضد الفايروس. هل في ذلك وقاية كافية؟ سيكون علينا أن ننتظر بالرغم من أن العلماء يؤكدون أن كل شيء جرى التأكد منه. ولكن السلالة الجديدة فاجئتنا في خضم الاستعداد لاحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة. أعجبتني جملة من بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني في خطاب الإغلاق الأخير "من أجل أن تحتفلوا بأعياد الميلاد في السنوات القادمة لا تحتفلوا بها هذه السنة".
جونسون رجل متشائم وهو الذي صدم مواطنيه في بداية الأزمة بجملته الشهيرة "ودعوا أحبابكم". هل كتب الرجل رواية واحدة فاشلة؟ أعتقد أن فشله في إدارة الأزمة لم يكن مسموحا الاعلان عنه. كان تبنيه نظرية "مناعة القطيع" في البدء قد تسبب في انتشار الوباء وهو اليوم يبدو أكثر تشددا من أجل أن لا يُلام في مسألة السلالة الجديدة.
ربما فاجأه توقيت ظهور السلالة الجديدة في الساعات الأخيرة التي يسعى فيها إلى الحاق الهزيمة بأوروبا من خلال بريكست من غير اتفاق. وهي هزيمة ستقابلها بريطانيا مهزومة هي الأخرى. هل أقامت أوروبا وبالأخص فرنسا لمناسبة الأزمة عرضا أوليا لما ستكون عليه أحوال بريطانيا لو خرجت من الاتحاد الأوروبي من غير اتفاق؟
من حق السياسيين أن يمارسوا تمرينات قاسية في الهواء الطلق.
ما أن أعلنت فرنسا اغلاق الحدود حتى حدثت فوضى عند الحدود البريطانية وكان من الممكن أن تؤثر على أحوال الأسواق الداخلية. ذلك ما كان من الممكن أن يحدث في الأول من يناير من السنة المقبلة أي بعد أيام لو أن بريطانيا خرجت من الاتحاد الاوروبي من غير اتفاق كما كان جونسون يهدد باعتباره رجلا وطنيا.
ولكن سياسة جونسون الخاصة ببريكست لم تكن لها علاقة بالانتشار غير المفهوم لكورونا بالرغم من اجراءات الحظر. لقد تم الكشف عن السبب فتم التضييق أكثر على الحركة وصارت بريطانيا جزيرة منبوذة. لا مسافرون، فلا طائرات ولا قطارات ولا سفن. أما المواد الغذائية فإنها ستصل إليها بما يُذكر بعمليات الاغاثة.
هذه دولة عظمى ولكن يمكن استصغارها حين يتعلق الامر بالسلامة العامة. فكيف يمكننا أن نتوقع أن يكون عام 2021 أفضل من العام الذي سبقه؟
لن تخرج بريطانيا من أزمتها في أيام قليلة. هناك مَن يتحدث عن شهور من الاغلاق العالمي. متى يمكن أن يُلقح البشر المرشحون للإصابة بكورونا وهم الضعفاء أمام الفايروس؟
سيكون العام المقبل مختبريا.
الفايروس الأصلي، ذلك العدو غير المرئي لا يزال يعمل. سلالته الجديدة ستصل. أعداد هائلة من البشر لن يصل اللقاح إليها. هناك حراك شعبي ضد التلقيح بطريقة اجبارية وهناك في المقابل قوانين ستفرض التلقيح لكن بطريقة مهذبة.
هل ستشهد السنة المقبلة اضطرابات من نوع مختلف، نوع لم تشهده البشرية من قبل؟ بشر تُفرض عليهم الوقاية من الوباء وهم في الوقت نفسه لا يثقون في اللقاح الذي قيل إن العلماء قد توصلوا إليه.
من اليسير القول "لتذهبوا إلى الجحيم".
ولكن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا لا يمكنها القيام بذلك. فهي مسؤولة في كل الأحوال. ذلك هو ما جعل الحكومة البريطانية تشعر بالفجيعة وهي تعلن عن اكتشاف السلالة الجديدة للفايروس.
لا أفهم كيف ستكون السنة المقبلة أفضل من هذه السنة؟
ربما لن تكون أسوأ لكنها لن تكون أحسن.
ولكن ما الذي دفع الكثيرين إلى الاعتقاد أن عام 2020 قد تم تخصيصه وحده لكورونا؟ الرقم جميل. ألا نثق بالجميل؟
التشاؤم مطلوب من أجل أن لا يكون الشعور بالإحباط صادما وأيضا من أجل أن تكون السعادة بنهاية الأزمة عظيمة. يومها سنقول شيئا مختلفا. لم نكن متشائمين غير أننا صبرنا. كان علينا أن نصبر لنثبت إخلاصنا لإنسانيتنا. سيكون العالم جميلا كما حلمناه.
تعلم بوريس جونسون درسا من أجلنا. عرفت أوروبا الموحدة كيف تدافع عن نفسها في لحظة لم تكن تتوقعها. العالم مجنون غير أنه سيكون أجمل في السنة المقبلة.