الرواية ديوان العرب الجديد

الرواية تعد الشكل الأدبي الأكثر حيوية في اتصالها بالأنماط المعاصرة من الخطاب مع الصحافة والإعلانات والتاريخ وعلم الاجتماع ومع السينما أساسا.
ما الذي أوصل الشعر إلى هذا المأزق الوجودي؟
"قصيدة النثر" قصيدة بلا متلق، وستحتل مكانا هامشيا في تاريخ الشعر العربي
أزمة الشعر بدأت مع نهايات العصر الأموي حين أصبح الحصول على الورق يسيرا

لعلي أبدأ عرض هذا الموضوع بموقف شخصي يمكن أن يكون دالا على أمور كثيرة تتصل به. يوما ما كنت واقفا في طابور في مكتبة جرير لأحاسب على رواية أشتريها. كان يسبقني شاب يحمل هو أيضا كتابا، مصادفة، بدأ الشاب في تصفح الكتاب وهو في انتظار من يسبقه. لفت نظري أن الكتاب كان ديوان شعر جديد متوسط الحجم. سألت الشاب عن الديوان وعن الشاعر، فأجاب، ثم فجأة سألته: هل تسمح لي بأن أصورك؟ التفت الشاب لي وهو ينظر باستغراب وتساؤل، فعاجلته بالتبرير: لأني أول مرة أرى إنسانا يذهب إلى مكتبة ويشتري طواعية ديوان شعر، ثم أريته ما في يدي، وأضفت: أنت إنسان نادر الوجود، فهم الشاب المعنى المزدوج في عبارتي وابتسم، وشكرني.
سبب هذا الحوار الموجز أني لا أكاد ألمح الركن المخصص لبيع دواوين الشعر في أي مكتبة أدخلها، بينما تتمدد أركان الروايات، وتحتل أماكن مميزة في أي مكتبة، ولا فرق في هذا إن دخلت مكتبة في مكة أو الرياض أو القاهرة أو ميونخ أو نيويورك. مثلا في مكتبة جرير بمكة هنا، رف واحد لدواوين الشعر، أكثر من نصفه من الشعر القديم، وتحتل الروايات تسعة أرفف، وتأخذ الإصدارات الجديدة منها أماكن عرض مميزة.
الرواية تتمدد وتكسب في كل يوم أنصارا جددا، والشعر ينكمش، ولا يجد من يشتريه، وأصحاب المكتبات تجّار في المقام الأول، يهمهم الربح، ومن ثم يعرضون ما يلفت نظر القراء، وما يدفعهم إلى الشراء.
ما الذي أوصل الشعر إلى هذا المأزق الوجودي حتى أن هناك من يتساءل عن مستقبله؟ وما الذي جعل للرواية مثل هذه الحظوظ؟ لا تعين اللحظة الحاضرة في الإجابة عن هذين السؤالين، بل لا بد من العودة إلى التراث، ففيه جذور الأزمة التي عليها الشعر الآن.
والأزمة بدأت مع نهايات العصر الأموي حين أصبح الحصول على الورق يسيرا، ثم اشتدت أوائل العصر العباسي لما أنشأ أبو جعفر المنصور أول مصنع للورق في بغداد. في هذا الوقت بدأ التحول الكامل للمجتمع الإسلامي من مرحلة الشفاهية إلى المرحلة الكتابية، وهو تحول كانت له آثار هائلة في تنظيم الدولة وإحكام قبضة المركز على الهوامش التي تمددت في كل اتجاه حتى وصلت إلى حدود الصين شرقا وإلى الأندلس غربا. كما أحدث الورق تغييرا نوعيا كبيرا في الجماعات التي تتصل بالسلطة سواء تمثلت في خليفة أو أمير أو حتى والٍ صغير في مقاطعة نائية. بدأ الشاعر يتراجع، والكاتب يتقدم. وهو أمر لاحظه كثيرون ممن ناقشوا هذا الموضوع. 

novel
لم يكن صعود الرواية إلى الذروة مصادفة

لكن تراجع الشعر وتقدم الكتابة كان إيذانا بتحول نوعي في وظيفة الشعر الاجتماعية، فقد كفّ الشعر منذ ذلك الوقت عن أن يكون علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه كما قال عمر بن الخطاب فيه قبل قرن ونيف من هذا التحول النوعي. وبدأ يُنظر إلى العبارة التي تنسب لابن عباس "الشعر ديوان العرب" نظرة جديدة. فالكتابة صارت هي ديوان العرب الجديد، وأصبحت مقولة ابن قتيبة في الشعر تحتاج إلى تأويل جديد. يقول ابن قتيبة: "الشعر معدن علم العرب، وسفر حكمتها، وديوان أخبارها، ومستودع أيامها، والسور المضروب على مآثرها، والخندق المحفور على مفاخرها، والشاهد العدل يوم النِّفار، والحجة القاطعة عند الخصام، ومن لم يقم عندهم على شرفه وما يدعيه لسلفه من المناقب الكريمة والفعال الحميدة بيتٌ منه ـ شذّت مساعيه وإن كانت مشهورة، ودرست على مرور الأيام وإن كانت جساماً. ومن قيّدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه... أخلدها على الدهر." 
يشير ابن قتيبة إلى دور الشعر في نقل أيام العرب وأخبارها، وهو دور صحيح جزئيا، فقد أشارت القصائد الجاهلية إلى هذه الأيام، لكن تفاصيلها نقلت عن طريق الرواية الشفوية النثرية صدقا أو كذبا، مبالغة أو تمثيلا واقعيا لهذه الأيام. لم يكن الشعر في أي وقت وثيقة تاريخية بالمعنى الذي يشير إليه ابن قتيبة، وهو بهذا المعنى لم يكن ديوان العرب. مع ذلك ظلت للشعر قيمته الكبرى في التعبير عن الروح العربية وعن القيم الخلقية، وعن رؤية الحياة وما بعد الحياة خاصة في الفترة الجاهلية. وهو الأمر الذي يؤكده العقاد في الفصل الذي عقده في كتابه "اللغة الشاعرة" عن "الشعر ديوان العرب". وظل هذا الجانب في الشعر قويا وما زال. وظل أصحاب السلطة في العصر العباسي يدركون قوة الشعر في هذه المنطقة، فاحتفظوا بالشعراء، واحتفوا بهم. والوقائع على ذلك كثيرة.
في هذه الفترة ظهر الجدل الكبير بين الشعر والنثر، وتكون فريقان؛ كل فريق يناصر أحد الفنين بكل ما أوتي من حجج، ودخلت حجج دينية وأخلاقية واجتماعية تناصر هذا الفريق أو ذاك، لكن كل القضية كانت تعبيرا عن مرحلة جديدة في الثقافة العربية، لم تكن أبدا لتظهر لولا شيوع الورق بين الناس، وانتقال المجتمع، من ثم، إلى الاستقرار والتحضر المقرون بالكتابة، والذي أشاع معه أنواعا جديدة من الأشكال الأدبية مثل المقامات وكتب المسامرات والحكايات وتدوين التاريخ والسير التي اقترنت كثيرا بحكايات خرافية وأساطير كانت تحقق متعة نافست المتعة التي تأتي من الشعر.
كان بدء ظهور الرواية في العصر الحديث خافتا وعلى استحياء، ولم تكن تلفت نظر كثيرين. بين جماعة المهجر التي اشتهرت بالشعر ظهرت روائية أوائل القرن العشرين اسمها عفيفة كرم. كتبت روايات مثل "بديعة وفؤاد" التي ظهرت في العام 1906، ثم كتبت رواية غادة عمشيت وفاطمة البدوية، وكليوبترا، وترجمت رواية ابنة نائب الملك لإلكسندر توماس، ومحمد علي باشا الكبير للويزا مولباخ، برغم ذلك لم يهتم بها أحد، وظل الأدب المهجري أغلبه شعر. 
بعد ظهور "بديعة وفؤاد" بسبعة أعوام في العام 1913 نشر محمد حسين هيكل روايته الأولى والأخيرة "زينب" والتي يعدها كثيرون أول رواية عربية على غير الحقيقة. اللافت للنظر أن هيكل لم يضع عليها اسمه، بل وضع على الغلاف اسم "فلاح مصري". وقد كان هذا الاسم المستعار دالا على معان كثيرة ترتبط بهذا الشكل الإبداعي الجديد الذي لم يكن يحظى بالقبول في هذه الفترة على عكس الشعر الذي كانت تفرد له الصفحات الأولى من جرائد ذلك العصر.
حوالي ثلاثة أرباع القرن بعد هذه البداية الخجولة التي لم تحظ باهتمام كثيرين، تحصل الرواية على أكبر جائزة عالمية في الأدب؛ جائزة نوبل التي حصل عليها الروائي المصري نجيب محفوظ في العام 1988. لم يكن صعود الرواية إلى هذه الذروة مصادفة، ولم يكن أمرا هينا، فالشعر الذي استعاد بعض قوته مع مرحلة الإحياء كان يجدد نفسه، ويحاول في ظل كل القيود المرتبطة به أن يكون حضوره قويا ومؤثرا، لكن القوة التي بدا عليها في أول القرن ما لبثت أن تضعضعت لعوامل محيطة بالشعر، وعوامل أخرى تتصل به. وأما العوامل المحيطة به فقد تمثلت في ظهور أشكال فنية جديدة ووسائط لم يستطع الشعر أن يتكيف معها تكيفا كاملا، مثل الإذاعة والمسرح والسينما، ثم بعد ذلك التلفزيون. أما الرواية، فإنها، وبعد أن استقرت قواعدها، أظهرت تكيفا منقطع النظير مع هذه الوسائط، ولا أدل على ذلك من أن الأعمال السينمائية التي أخذت من روايات نجيب محفوظ أو اشترك في كتابتها بلغت تسعة وأربعين فيلما. 

لا توجد إحصاءات موثقة للروايات العربية الأكثر مبيعا، ولا يمكن الاعتماد على عدد الطبعات لأي رواية في غياب عدد النسخ لكل طبعة

لا بد أن أشير هنا إلى أن صعود الرواية واكب تغيرات كبيرة حدثت في المجتمع العربي، فقد بدأت تتكون طبقة برجوازية هي المستهلك الأكبر للروايات، وانتشر التعليم المدني في أجزاء كثيرة من العالم العربي، وكثرت دور النشر والمطابع، وبدأ شكل جديد من أشكال المثاقفة مع الغرب لم يكن متاحا في القرون السابقة، فقد زادت الرحلات والبعثات إلى الغرب، وانتشرت حركة الترجمة إلى العربية من لغات أوربية رئيسية مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، ومن خلالها اطلع القراء العرب على تجارب إبداعية في السرد حفزت المبدعين منهم إلى أن يكتبوا روايات على منوالها.
لم يكن الشعر بمنأى عن هذه التغيرات، لكن ما كان مفيدا للرواية، لم يكن كذلك للشعر. فبعد أن كان المجددون الأوائل في الشعر على وعي ونضج كاف لإدراك ما يمكن أخذه عن الغرب، وما ينبغي تجاهله، - وأقصد هنا جماعة الديوان وأبوللو والمهجر - وبعد أن أظهرت الموجة الثانية في التجديد النضج نفسه الذي ظهر عند الأوائل، وأقصد بهم شعراء العراق الذين بشروا بما يسمى الشعر الحر أو شعر التفعيلة؛ نازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وشاذل طاقة، جاءت الموجة الثالثة لتضع الشعر العربي في مأزق وجودي لم يخرج منه حتى الآن، وأقصد موجة "قصيدة النثر". هؤلاء لم يستطيعوا استيعاب أنك لا تستطيع أن تخلخل بنية الذائقة الشعرية العربية التي تكونت عبر مئات السنين، ثم تضمن لشكلك الشعري الجديد البقاء والصمود والخلود. والنتيجة أن الناس انصرفت عن كل إنتاج جديد من الشعر، وبدأت تستعيد شعرها القديم سواء من الفترة العباسية وما قبلها، أو من شعر الخمسينيات والستينيات وما قبلهما بقليل. وقد ظهر هذا الانصراف في أمرين لافتين؛ الأول تدني مبيعات دواوين الشعر الجديد إلى الحدود الدنيا، وليس لدينا أي إحصائية موثوق فيها بمبيعات دواوين الشعر، والثاني أن جمهور الأمسيات الشعرية للشعر الفصيح لا يقارن بجمهور الشعر النبطي هنا في المملكة، أو جمهور العامية في أي بلد عربي آخر. وما يمكن تأكيده هو أن "قصيدة النثر" هي قصيدة بلا متلق، وأنها ستحتل مكانا هامشيا في تاريخ الشعر العربي، لكن الأثر السلبي لها هو أنها أحدثت ندوبا هائلة في الشعر، وأنها، إضافة لعوامل أخرى أدخلت الشعر في أزمة وجودية لم يبرأ منها حتى اليوم.
في أوروبا، بدأ صعود الرواية مبكرا، ربما منذ ما يزيد على مئتي عام، أوائل القرن التاسع عشر، فقد أصبحت هي الشكل المسيطر على الكتابة الأدبية في معظم المجتمعات المتحضرة، كما يقول روجر فاولر في كتابه "اللسانيات والرواية". يقول: "من ناحية الكم، تنشر آلاف الروايات كل عام في أميركا وأووربا، ومن زاوية استهلاك القراءة، يحقق الشعر والمسرح الآن متعة للأقلية. ومن زاوية الحساسية الثقافية، تعكس الروايات الحقائق الاقتصادية والاجتماعية انعكاسا سريعا وذا أهمية. كذلك تعد الرواية الشكل الأدبي الأكثر حيوية في اتصالها بالأنماط المعاصرة من الخطاب مع الصحافة والإعلانات والتاريخ وعلم الاجتماع ومع السينما أساسا."
إن عدد الروايات التي تطبع ليس وحده المؤشر على الصعود الدرامي للرواية، بل إن عدد النسخ التي تطبع من الروايات مؤشر آخر على هذا الصعود. فحكايات جريم مثلا الألمانية بيعت منها مئتا مليون نسخة، وسيد الخواتم مئة وخمسين مليون نسخة، وهاري بوتر 120 مليون نسخة، وشفرة دافنشي ثمانون مليون نسخة، والخيميائي 65 مليون نسخة، واسم الوردة لامبرتو إيكو 50 مليون نسخة. وهي بعض أسماء الروايات المعروفة للقارئ العربي سواء مباشرة، أو عن طريق الأفلام التي أخذت عنها.
في المقابل، لا توجد إحصاءات موثقة للروايات العربية الأكثر مبيعا، ولا يمكن الاعتماد على عدد الطبعات لأي رواية في غياب عدد النسخ لكل طبعة. لكن الأرقام التي تعلنها الصحف والمواقع المهتمة بالروايات تتحدث عن ملايين من النسخ حظيت بها بعض الروايات العربية، وهي إشارة، بعيدا عن مدى صدقها، إلى الحضور الطاغي لجنس الرواية في دائرة التلقي العربي.
قد يقال إن مؤشر التوزيع ليس دالا على القيمة الأدبية، ومع أن مفهوم القيمة فضفاض، وقد يحيل إلى عبارات انطباعية قد تجد نقيضها عند آخرين، ومع أننا قد نتفق على أن مؤشر التوزيع ليس دالا على القيمة أحيانا، فإن مؤشر التوزيع لا يمكن تجاهله. لأنه يعكس وجود طبقة واسعة من المتلقين تدفع إلى ظهور أعمال أكثر قيمة وأصالة. وهذا ما نجده في الحالة العربية، فروايات مثل "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، و"بنات الرياض"، لرجاء الصانع وسأتحدث عن سياقها بعد قليل لا يمكن عدهما من الروايات عالية القيمة، لكنهما، مع ذلك، حققا أرقام توزيع هائلة.
ماذا تفعل أرقام التوزيع؟ هي تساعد ببساطة على توسيع نطاق التلقي لجنس الرواية، ومن ثم تنشأ حاجة مستمرة لإمداد المتلقين بمزيد من الإنتاج الروائي الذي قد يكون غثا في كثير من الأحيان، لكن قد يخرج من بين هذا الإنتاج المستمر روائيون يحققون جانبي القيمة والذيوع في الوقت نفسه. وهذا ما تمثله الحالة السعودية أصدق تمثيل. 

novel
رواية متواضعة فنيا

الرواية السعودية سارت في منعرجات كثيرة، والرواد الأوائل لها مثل عبدالقدوس الأنصاري الذي أصدر أول رواية سعودية "التوأمان" في العام 1930، ومحمد علي مغربي الذي أصدر رواية "البعث"، وأحمد السباعي وحامد دمنهوري وغيرهم، هؤلاء الرواد كانوا أبطالا. فقد كانوا ينحتون جنسا أدبيا لا يتقبله الوسط المحيط بهم قبولا حسنا. فالمجتمع السعودي ذائقته شعرية في المقام الأول، واحتفاؤه بالشعر لا يدنو منه أي احتفاء في المجتمعات العربية المجاورة، فأن يكتب أديب رواية في هذا السياق، فكأنه يغامر بأن يظل هامشيا ولا يجد من يهتم به. مع ذلك واصل الأدباء السعوديون كتابة الرواية، وظهرت أسماء أخرى لافتة للنظر مثل عبدالعزيز مشري وعبده خال ورجاء عالم، والقائمة تطول. وبرغم جودة الإنتاج الروائي لهذه الأسماء، فقد كانت أرقام التوزيع الخاصة بهم متدنية داخل المملكة، وبخاصة أن أغلب هذه الأعمال كان ينشر في الخارج. ومن ثم لم تساعد أعمالهم على اتساع طبقة المتلقين، وكان لا بد من انتظار عمل استثنائي يقوم بهذه المهمة، وكان هو ظهور رواية "بنات الرياض" في العام 2005 لرجاء الصانع.
رأيي الشخصي أن الرواية متواضعة فنيا، وأن رجاء الصانع التي لم تكتب غير هذه الرواية لا تقارن بأسماء أخرى سبقتها في الإبداع ولا بأسماء تالية لها. مع ذلك، فإن فضل "بنات الرياض" على الرواية السعودية بعيد الأثر. فقد خرجت الرواية مصحوبة بتقريظ واسع النطاق من أسماء مهمة على الساحة السعودية مثل غازي القصيبي وعبدالله الغذامي. ولفت عنوانها أنظار جماعات كثيرة، فقرئت الرواية قراءة اجتماعية، ودافع عنها كثيرون، وهاجمها كثيرون، واستضيفت رجاء الصانع في كثير من البرامج الحوارية العربية والأجنبية، وأجريت معها لقاءات صحفية كثيرة. والنتيجة أنه في العام التالي لصدور الرواية، أي 2006 خرجت من المملكة 60 رواية، بينما خرجت في العام 2005 وهو عام صدور الرواية 26 رواية فقط، كما يقول د. حسن النعمي أستاذ السرديات بجامعة الملك عبدالعزيز.
في الأعوام التالية، قل الاهتمام بالرواية وبالروائية نفسها، وتوارت رجاء الصانع لأسباب عائلية بعد أن ألقت حجرا ضخما في محيط التلقي الأدبي. لكن الإنتاج الروائي السعودي بدأ يتصاعد، ويأخذ مكانة معتبرة بين المتلقين في المملكة وخارجها. اللافت للنظر أن رواية "بنات الرياض" ألهمت كاتبة إيرانية هي ناهيد رشلان، فكتبت هي أيضا رواية في عام 2008 بعنوان "بنات إيران"، لكنها استخدمت سيرتها الذاتية لتعرض من خلالها الحياة الأخرى لفئة من البنات الإيرانيات.
ثم بدأ هذا الإنتاج يجمع بين التوزيع واسع الانتشار والجودة الفنية، ولا أدل على ذلك من أن جائزة البوكر العربية، وهي أهم جائزة للرواية في العالم العربي، حين بدأت كانت من نصيب الروائيين المصريين في دورتين متتاليتين، وكان الظن أن المراكز العربية الثقيلة ذات التقاليد الممتدة في كتابة الرواية ستحتكر الجائزة لسنوات طويلة تالية، لكن الروائيين السعوديين تقدموا بقوة، وحصل منهم ثلاثة على جائزة البوكر وهم عبده خال عن رواية "ترمي بشرر"، ورجاء عالم عن رواية "طوق الحمام"، ومحمد حسن علوان عن روايته "موت صغير"، ودخلت روايته البديعة الأخرى "القندس" قائمة البوكر القصيرة، وكادت أن تفوز بها. وهذا العدد لم يتحقق لأي دولة أخرى. وهو مؤشر أظنه كافيا لدلالة على أن الرواية بوصفها جنسا أدبيا أصبح مهيمنا الآن، وأظنه أيضا يقدم تفسيرا للموقف الذي بدأت به هذه المداخلة.

نص المحاضرة العامة التي ألقاها د. أحمد حسن صبرة مؤخرا ضمن فعاليات منتدى اللغة والإبداع في كلية اللغة العربية- جامعة أم القرى، بمكة المكرمة.