الأسباب الموجبة للمؤتمر الدولي عن لبنان

نريد المؤتمر الدولي للمصالحة التاريخية مع شركائنا في لبنان وأصدقائنا في محيطنا الطبيعي.
نحن مع التدويل بكل ما أوتينا من وطنية وجرأة
حزب الله يرفض تدويل الحل اللبناني لأن المؤتمر الدولي سينعقد بعيدا عن ضغط سلاحه
وضع لبنان أسوأ من وضع الدول العربية التي تعيش حالة حروب عسكرية مفتوحة منذ عشر سنين

صحيح أن إقفال منافذ حل لبناني أو عربي يفتح الباب أمام حل دولي للقضية اللبنانية. لكن هذا ليس السبب الموجب الوحيد لتدويلها. نحن في قلب تدويل جميع قضايا الشرق الأوسط. مؤتمرات دولية على مد النظر. من ملف الصحراء الغربية في المغرب، إلى الـملف النووي الإيراني، مرورا بتسويات ليبيا واليمن والعراق وسوريا وفلسطين. فلم استثناء لبنان من مؤتمر دولي، وجميع قضايا الـمنطقة تستوطنه؟ لا يجوز أن ينأى لبنان بنفسه عن الحل فتبقى أزمته بين الأزمات المؤجل حلها. واجبه أن يكون شريكا في حركة التدويل وديناميتها ليفك ارتباطه بجميع هذه الأزمات ولا تتم حلولها مرة أخرى في غيابه وعلى حسابه. في السابق كانت صراعات الآخرين وحلولهم تجري على حساب حكم لبنان وسيادته. اليوم، الخوف أن تحصل على حساب أرضه وكيانه وشعبه. الأمر يتوقف على من يرفع الستارة أولا عن دويلته وحدوده.

إذا كانت حروب تلك الدول أملت على المجتمع الدولي عقد مؤتمرات دولية لوقفها، فلبنان، الذي دمرته حروب على مدى ثلاثين سنة (1975/2006)، يعاني حاليا من كل أنواع الحروب باستثناء العسكرية منها. وضع لبنان أسوأ من وضع الدول العربية التي تعيش حالة حروب عسكرية مفتوحة منذ عشر سنين، ويحتاج، تاليا، إلى عناية دولية مباشرة. وأصلا وضع لبنان مدول من دون مؤتمر، وآخر تجلياته الاستدعاءات الروسية. هنا، في لبنان، تقصف الدولة والدستور والميثاق والنظام. هنا يقصف الشعب ويفقر ويذل لإخضاعه. هنا يقصف المرفأ والنظام الـمصرفي والاقتصاد الحر ونمط الحياة. هنا تقصف التعددية المتوازنة وهوية لبنان الخاصة. هنا تقصف ديمغرافيا الأمة بإضافة شعبين آخرين: اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. بكلمة، هنا يقصف لبنان.

حلفاء سوريا وإيران في لبنان يعارضون تدويل القضية اللبنانية، ويسكتون عن تدويل الـملف النووي الإيراني، وعن تدويل تسوية الحرب السورية. الحلال هناك حرام هنا. أكثر من ذلك: حزب الله "شريك بالعدوى" في المؤتمر الدولي (5+1) الخاص بالـملف النووي الإيراني لأنه يتأثر بمصير الحالة الإيرانية، و"شريك بالـمردود" في المؤتمرين الدوليين الخاصين بسوريا في آستانة وجنيف لأنه يساهم في حربها ومعني بمصير النظام السوري. ولا ننس أن حزب الله هو "الشريك الملك" في القرار الدولي 1701، وهو "الشريك الحاضن" المفاوضات الدولية لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية ورعاية الأمم المتحدة. حبذا لو يشرح لنا حزب الله وسوريا وإيران هذه الازدواجية، ويفسرون لنا منطقية التعامل مع لبنان القائم على "مبدأ": لا يحق للبنان ما يحق لهم. يذكرنا هذا الـمنطق زمن كانت سوريا تحرص على السلام التام في الجولان وتشعل جبهة الجنوب ضد إسرائيل عبر المنظمات الفلسطينية والأحزاب اللبنانية التابعة لها. كأن السلام لسوريا، والحرب للبنان.

اللامنطقي لا يتحول منطقا ولو طال الزمن. الأوراق صارت مكشوفة والنيات والمخططات. حزب الله يرفض تدويل الحل اللبناني لأن المؤتمر الدولي سينعقد بعيدا عن ضغط سلاحه ويتعذر عليه، تاليا، التحكم بالمقررات. والمحور الإيراني/السوري يرفض تدويل الحل اللبناني ليستفرد بلبنان ويتمم وضع اليد عليه. لكن، عن بالهم جميعا سها أن لبنان ليس وطنا من دون شعب، وعن بالهم غاب أن هذا الشعب هو مقاومة قبل المقاومة. زمن الاستفراد انتهى. سلام للجميع أو حرب على الجميع. تدويل للجميع أو لا تدويل لأحد. لبنان أولى بالسلام فهو رسالته، ولبنان أولى بالتدويل فأزمته تحتوي عناصر لا تحل إلا بمؤتمر دولي وأبرزها: إعلان الحياد، مصير اللاجئين الفلسطينيين، عودة النازحين السوريين، استكمال تنفيذ القرارات الدولية السابقة الخاصة بلبنان، حل معضلة سلاح حزب الله، وتثبيت الحدود مع إسرائيل وسوريا، إلخ... ولا يخفى أن اللبنانيين يرفضون تسوية مشكلتي اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على حساب كيان لبنان وصيغته، وتسوية معضلة سلاح حزب الله على حساب نظام لبنان وجيشه.

نريد المؤتمر الدولي أيضا مدخلا للمصالحة التاريخية مع شركائنا في لبنان وأصدقائنا في محيطنا الطبيعي. نوعية المواقف الدولية ترجح الحلول السلمية وإن لم تستبعد تعبيدها بمقدمات عسكرية. ونوعية الأحداث في لبنان والمنطقة طوت الحلول الصغيرة، فجميع التسويات الجاري إعدادها لدول المنطقة كبيرة بمستوى ثوراتـها السابقة وحروبـها الراهنة. لا يقتصر دور المؤتمرات الدولية في نيويورك وفيينا وجنيف وأستانة على مصالحة عابرة بين الأطراف المتنازعين، بل يشمل البحث إعادة تكوين الدول والسلطات والأنظمة والحدود.

لذا يتطلع اللبنانيون إلى مؤتمر دولي يقر حلا نهائيا وثابتا للقضية اللبنانية لأن التسويات الجزئية والسطحية السابقة استهلكت وفشلت في حماية المئوية الأولى من الحروب والانقسامات والاحتلالات. لبنان لامس الخطر الوجودي ولا ينقذه سوى حل بمستوى هذا الخطر. منذ سنة 1969 واللبنانيون يضطرون إلى قبول الحروب الخطأ، والحلفاء الخطأ، والأعداء الخطأ، والاتفاقات الخطأ، والتسويات الخطأ إلى أن انفجرت التركيبة اللبنانية. في الربع الأخير من القرن الماضي رفض المسيحيون المس بالدستور فطار الدستور والميثاق وقبلوا محبطين باتفاق الطائف ودستوره. ومنذ ثلاثة عقود والسنة يرفضون المس بدستور الطائف فطار من دون بديل أفضل منه. واليوم يرفض الشيعة المس بسلاحهم ويعتبرونه دستورهم وميثاقهم. لكن طبيعة التطورات ستفرض إعادة النظر بهذا السلاح. هذا المنطق سيبقى منطقا ولو طال الزمن...

نعم نحن مع التدويل. نحن مع مؤتمر دولي خاص بلبنان. ومن يمنع التدويل، ويعطل الحلول الأخرى، يسعى لإبقاء لبنان ساحة حروب، وموقد أزمات، ووطن الشك بنهائيته، والحل الاحتياطي لمشاكل الآخرين. نحن مع التدويل بكل ما أوتينا من وطنية وجرأة. فلا حياء ولا مواربة ولا حسابات رئاسية. عقد مؤتمر دولي ممكن. الإمبراطور الروماني مارك أوريل (121/180م.) كان يردد: "أعطني القوة لتحمل ما لا يمكن تغييره، والشجاعة لتغيير ما يمكن تغييره، وأعطني الحكمة للتمييز بين الاثنين". نحن: ميزنا، قررنا، وسرنا بقوة وشجاعة وحكمة. سقوط لبنان مستحيل وإنقاذه ممكن.