من الملحق الثقافي إلى المجلة الشاملة
لقد لعبت الملاحق الثقافية وظيفتها الثقافية والتنويرية منذ ظهورها في الجرائد العربية وترسيخ ثقافة الكتابة الأدبية والإبداعية ونشرها في الجرائد أسوة بالمجلات والدوريات؛ حيث استطاعت أن تجد مساحات مهمة بين صفحاتها سواء كانت عبارة عن ملاحق خاصة أسبوعية أو شهرية أو فصلية، أم كانت صفحات يومية تهتم بالخبر الثقافي والأدبي والنشاط المعرفي بكل تجلياته.
لكن ما يمكن الحديث عنه هو مدى احترام هاته الملاحق الثقافية للحد الأدنى من التنوع والتعدد في نشر النصوص والمقالات، وعدم الانجرار فيها إلى تكريس نوع من النشر الذي يثير حفيظة القارئ كما هو الشأن مع أبواب أخرى كالرياضة وحوادث المجتمع والسياسة... ففي بعض الأحيان نرى أن هناك العديد من الملاحق في بعض الجرائد العربية تذهب إلى نشر مساهمات لأسماء معينة سواء كانت لها علاقة بالمسؤول عن الملحق، أم كانت تتفق مع توجهات الجريدة وخطها التحريري.
تساهم الملاحق الثقافية في الجرائد العربية في الرفع من الوعي الثقافي لدى القارئ العربي عامة، بل إنها من أهم الملاحق التي يمكن لهذه الجرائد أن تفتخر بها. لكن، ومنذ تراجع العديد من الجرائد العربية كبعض الجرائد المغربية واللبنانية والمصرية عن هذا الأمر، وعدم إيلاء العناية لها، برزت في الأفق الصحفي والإعلامي العربي العديد من الجرائد الإماراتية، كجريدة "الاتحاد" مثلاً، والتي تحملت هذه المسؤولية بكل اقتدار وعمل متقن ومهني، حيث تصدى لهذا الملحق العديد من الإعلاميين الإماراتيين والعرب الذين أغنوه بملفاتهم الثقافية والفكرية وبمقالات نقدية وثقافية ونصوص أدبية جيدة ورفيعة.
إن مثل هذه الملاحق لم تكن من أجل الترف الإعلامي أو من أجل تنافي الانتقادات التي قد تُوجَّه إليها، بل إنها مسؤولية جسيمة تحملتها 'الاتحاد" وغيرها من الجرائد الإماراتية، نظراً لأن الثقافة في حاجة إلى الاهتمام الإعلامي، في زمن بدأت تغزوه الرداءة الفنية والإعلامية. أما على صعيد المجلات الإماراتية فالأمر يكاد يكون أمراً يدعو إلى الفخر والاعتزاز بكون دولة عربية تصدر العشرات من المجلات الثقافية والفكرية والعلمية التي تعنى بالثقافة العربية وبالموروث الثقافي والفكري والأدبي العربي والإسلامي، فتستدعي المئات من المثقفين والكتاب العرب الذين وجدوا متنفساً لهم من خلالها للتعبير والكتابة دون قيد أو شرط بعدما شعروا بانسداد الآفاق في بلدانهم الأصلية.
إن مجرد إلقاء نظرة سريعة على أسماء مساهمين في الأعداد الشهرية والفصلية لهذه المجلات المتميزة يمكننا أن نلاحظ تنوع جنسياتهم العربية وتنوع توجهاتهم وإيديولوجياتهم الفكرية والسياسية لأن الثقافة لا حدود لها، ولا إمكانية لوضع شروط أو قيود على الكاتب والمبدع حتى يكتب ويعبر.
إن مثل هذا الاهتمام الكبير بالثقافة العربية عموماً وبالتراث العربي الإسلامي والإنساني من طرف مسؤولي الإمارات وحكامها الذين تجدهم في الصف الأول في الدعم والمساندة والاهتمام والإبداع والإبداع، لا يمكنه أن ينتج إلا مجالاً رحباً من الحرية والإنتاج الفكري والثقافي الجيد والمتميز الذي يمثل هذه الأمة المظلومة.