
قطر تجرب الوساطة في الأزمة بين لبنان والسعودية
غلاسكو/بيروت - تعتزم الدوحة إرسال وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى بيروت "للبحث في السبل الكفيلة بدعم لبنان ولا سيما معالجة الأزمة اللبنانية ـ الخليجية"، وفق ما أعلن الاثنين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال لقائه برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش قمة المناخ التي تستضيفها مدينة غلاسكو في اسكتلندا.
ولا تلوح في الأفق أي بوادر لحلحلة الأزمة الدبلوماسية مع رفض وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الاعتذار عن إساءاته للسعودية والإمارات ومجلس التعاون الخليجي التي جاءت في تصريحات له حول حرب اليمن وقبل أن يتم تعيينه في منصبه الحالي في حكومة ميقاتي.
وكان واضحا أن الأزمة نتيجة تراكمات وليس فقط بسبب إساءات قرداحي التي جاءت في الوقت الذي كانت تعمل فيه الرياض من خلال سفيرها لدى بيروت عن كل السبل الكفيلة بدعم لبنان في أزمته السياسية والاقتصادية.
ويبدو أيضا أن ميقاتي لا يملك التأثير والقوة المطلوبة للجم التصريحات المسيئة للمملكة ودورها الإقليمي وذلك بدفع من حزب الله الذي بدأ في تجييش الشارع اللبناني ضد السعودية مع بروز حشود تحمل لافتات كتبت عليها عبارات تهاجم القيادة السعودية.
وقد تتدخل الدوحة بعد عودة الدفء للعلاقات بينها وبين الرياض وأبوظبي لترطيب الأجواء واحتواء الغضب الخليجي، لكن أي وساطة من هذا النوع قد تصل إلى طريق مسدود في ظل هيمنة حزب الله على سلطة القرار في لبنان.
والأزمة الراهنة تشكل فرصة لحزب الله لإبعاد لبنان عن الحضن والعمق العربي فيما يدفع بقوة لفتح المنافذ للحاضنة الإيرانية.
وشكلت قمة المناخ في غلاسكو فرصة أيضا لميقاتي للقاء عدد من المسؤولين العرب والغربيين لطلب الدعم بينما يواجه مأزقا سياسيا بعد تصريحات قرداحي وآخر اقتصاديا وهو نتاج صراعات داخلية وتراكمات سياسات منظومة الحكم التي يتهمها خصومها بـ"الفساد".
فعلى هامش القمة ذاتها، اجتمع ميقاتي مع نظيره الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، وفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء اللبناني.
وخلال اللقاء، أكد ميقاتي "حرص لبنان على العلاقة الوطيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي والعمل على معالجة أي ثغرة تعتريها بروح الأخوّة والتعاون"، فيما أكد رئيس وزراء الكويت حرص بلاده على لبنان "وسعيها المستمر لدعمه في كل المجالات وفي الوقت ذاته حرصها على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي".
وشدد على أن "لبنان قادر بحكمته على معالجة أي مشكلة أو ثغرة وسيجد كل الدعم المطلوب من الكويت وسائر الدول العربية".وعقد ميقاتي لقاءات ثنائية مع كل من رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا.
وتشمل لقاءات ميقاتي الاثنين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبدالفتاح السيسي.
وبحسب المصدر ذاته ركز رئيس الوزراء اللبناني في تلك اللقاءات على سبل دعم الاتحاد الأوروبي للبنان الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية على الإطلاق.
وأكدت كريستالينا جورجييفا أن "صندوق النقد الدولي عازم على مساعدة لبنان للنهوض من أزمته الحالية".
ومنذ عامين يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية.
دعوة لبنانية للحوار
ودعا وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب الاثنين الرياض إلى الحوار لحلّ الأزمة الدبلوماسية الآخذة في التصاعد، غداة اعتبار نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أنه لا جدوى من التعامل مع لبنان في ظل ما وصفه بـ"هيمنة" حزب الله على المشهد السياسي.
وبدأت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين على خلفية تصريحات قرداحي الذي قال في مقابلة تلفزيونية تم بثّها الأسبوع الماضي وأجريت قبل توليه حقيبة الإعلام إنّ المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن "يدافعون عن أنفسهم" في وجه "اعتداء خارجي" من السعودية والإمارات.
واستدعت السعودية الجمعة بشكل مفاجئ سفيرها لدى بيروت وطلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض وقرّرت وقف كل الواردات اللبنانية إليها. وليس هناك منذ ذلك الحين بحسب مسؤولين لبنانيين أي تواصل مباشر بين الطرفين.
وتضامنا مع المملكة، قامت البحرين بالخطوة ذاتها، ولحقت بهما الكويت السبت قبل أن تقرّر الإمارات سحب دبلوماسييها ومنع مواطنيها من السفر إلى لبنان.
وقال بوحبيب إن "المشاكل بين الدول الصديقة والشقيقة لا يمكن حلّها إلا بالحوار والتواصل والثقة ولكن ليس بإرادة الفرض"، مضيفا "لبنان يدعو السعودية إلى حوار لنحل كل المشاكل العالقة وليس الإشكال الأخير فقط لكي لا تتكرر الأزمة ذاتها في كل مرة".
وتشهد العلاقة بين البلدين فتورا منذ سنوات على خلفية تزايد دور حزب الله الذي تعتبره الرياض منظمة "إرهابية" تنفذ سياسة إيران، خصمها الإقليمي الأبرز. وتأخذ على المسؤولين اللبنانيين عدم تصديهم له.
واعتبر بوحبيب أنه "إذا لم يجر أي حوار وتواصل، فإن ما يحصل لا يمتّ بصلة إلى منطق الأخوة والصداقة"، مؤكدا حرص لبنان على "معالجة القضية بالحوار، أما أن يطلب أي طرف منا إزاحة حزب الله من المشهد، فكيف لنا أن نفعل ذلك وهو مكون لبناني شئنا أم أبينا؟".

وأضاف "نحن نتعاطى مع حزب الله اللبناني، أما كل ما يخص حضوره في الإقليم وفي أي ساحة خارجية فهذا يجعل القضية تتجاوز قدرة لبنان" على حلّها.
ويتخطى دور حزب الله العدو اللدود لإسرائيل، لبنان. ويُعد لاعبا أساسيا في سوريا والعراق مرورا باليمن، وتصفه السعودية بأنه "وكيل" لإيران في المنطقة، كما تتهمه بدعم وتدريب وتسليح المتمردين الحوثيين.
في مقابلة بثتها قناة "العربية" مساء الأحد، أوضح وزير الخارجية السعودي أن الأزمة الأخيرة لا يمكن اختصارها بتصريحات قرداحي. وقال "لا أود اختزال الموضوع في تصريحات شخص معين فالإشكالية أكبر من ذلك" وهي "في استمرار هيمنة حزب الله على النظام السياسي".
ويرى محللون أن الأزمة الراهنة تعكس صراعا سعوديا إيرانيا يدفع ثمنه لبنان مجددا.
وقال وزير الخارجية اللبناني "قناعتي أنّ أي تفاهم أميركي-إيراني وأي اتفاق سعودي إيراني، يساعد على حلّ هذه القضية، لكننا وحدنا هنا لا نستطيع حلها"، مضيفا "فليتعاون السعوديون مع الدول الإقليمية الأخرى لحل قضية حزب الله الإقليمية ونحن من جهتنا لن نتردد في الدفع لأجل حلها لكن ليس بالفرض أبدا".
تأتي الأزمة فيما كانت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي تعمل على إعادة ترتيب علاقاتها السياسية مع دول الخليج، خصوصاً السعودية، وتعوّل على دعمها المالي في المرحلة المقبلة للمساهمة في إخراج البلاد من أسوأ أزماتها الاقتصادية.
وأعربت الحكومة عن "رفضها" لتصريحات قرداحي، مؤكدة أنها لا تعبّر عن موقفها الحكومة.
وهذه المرة الثانية التي تثير فيها تصريحات وزير لبناني غضبا خليجيا وتحديدا سعوديا. وكان وزير الخارجية السابق شربل وهبة تقدم باستقالته من حكومة تصريف الأعمال في 19 مايو/ايار على خلفية تصريحات صحافية اعتبرتها الرياض "مشينة".
وفي أبريل/نيسان، أعلنت السعودية تعليق استيراد الفواكه والخضار من لبنان أو السماح بمرورها على أراضيها بعد ضبط أكثر من 5.3 ملايين حبة كبتاغون مُخبأة ضمن شحنة من الرمان.
ويثير قرار السعودية الأخير وقف الواردات من لبنان الخشية من تداعياته على البلد الغارق في أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وتشكل السعودية ثالث أكبر سوق تصدير للبنان، إذ استحوذت على ستة بالمئة من صادرات البلاد في العام 2020، بقيمة بنحو 217 مليون دولار، وفق غرفة الصناعة والتجارة.