عام ذكوري عصيب على الأفغان منذ عودة طالبان للسلطة
بعد مرور عام على عودة حركة طالبان لحكم أفغانستان تفاقمت الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالبلاد وتراجع منسوب الحريات والحقوق الفردية ولم تتمكن الحركة من الاندماج في المجتمع الدولي بسبب نكثها للوعود التي قطعتها على نفسها فور سيطرتها من جديد على البلاد.
وأعلنت طالبان اليوم الاثنين يوم عطلة رسمية احتفالا بمرور عام على سيطرتها على أفغانستان إثر هجوم خاطف على القوات الحكومية في جميع أنحاء البلاد دون أن تواجه أي مقاومة، في ظل الانسحاب المتسرع للقوات الأميركية والأطلسية بعد 20 عاما من الوجود العسكري في أفغانستان.
واستمر الانسحاب الفوضوي للقوات الأجنبية حتى 31 آب / أغسطس الماضي، فيما كان عشرات آلاف المدنيين يندفعون مذعورين إلى المطار الوحيد في العاصمة كابول هربا من حكم طالبان.
وأعرب مقاتلو طالبان عن سرورهم لرؤية حركتهم في السلطة، بينما تحذر وكالات المساعدة الإنسانية من فقر مدقع يطال نصف سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة.
وأفادت تقارير أممية أن معدل أعمال العنف انخفض بشكل ملحوظ بالبلاد إلا أن الأزمة الإنسانية آخذة في التمدد إذ يعيش أكثر من نصف سكان البلاد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات الإغاثة الدولية.
وتقدر الأمم المتحدة أنه لا يزال هناك حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون نازح داخلي يعيشون في أوضاع مزرية ازدادت سوءا بعد سيطرة طالبان.
شكوك دولية حول وجود علاقات قوية بين الجماعات الجهادية وبعض فروع طالبان المتطرفة الموالية لفكرة الجهاد الشامل
ولا يزال المجتمع الدولي ينظر بعيون الريبة لتحول طالبان لحركة سياسية مدنية لم تعد تمارس الجهاد إذ تظل الشكوك قائمة حول وجود علاقات قوية بين الجماعات الجهادية وبعض فروع طالبان المتطرفة والموالية لفكرة الجهاد الشامل.
وغذّى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أواخر الشهر الماضي تلك الشكوك بعد أن كشفت الحادثة أن طالبان ظلت تؤوي الظواهري على أراضي أفغانستان، على الرغم من نفي الحركة علمها بوجوده في البلاد.
وكشفت شبكة سي إن إن الإخبارية عن تقييم استخباري أميركي جديد تم إعداده بعد مقتل الظواهري، يظهر أن التنظيم الإرهابي "لم يعد تشكيل وجوده في أفغانستان" منذ مغادرة القوات الأميركية العام الماضي.
وأضاف التقييم أنه لا يزال أقل من عشرة من "الأعضاء الأساسيين" للقاعدة في أفغانستان.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، إن "الولايات المتحدة ستظل يقظة، إلى جانب شركائنا، للدفاع عن أمتنا وضمان ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا للإرهاب".
وأفادت إحصائيات نشرتها بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، أن الاعتداءات التي استهدفت الأقليات العرقية والدينية في البلاد أسفرت عن مقتل 700 شخص وجرح 140 آخرين بين منتصف أغسطس 2021 ومنتصف يونيو 2022.
وقام انتحاري تابع لتنظيم داعش الإرهابي في 26 أغسطس 2021 بتفجير نفسه قرب مدخل تابع لمطار كابول، تلاه إطلاق كثيف للنيران، مما أدى إلى مقتل 185 شخصا من بينهم 13 عسكريا أمريكيا.
ويتمركز فرع تنظيم داعش في خراسان منذ 2015 وبالتحديد في أقليميْ ننغارهار وكونار على الحدود الباكستانية.
وتم تأسيس هذا الفرع من قبل مسؤولين سابقين في طالبان أفغان وباكستانيين، بايعوا أبو بكر البغدادي، الزعيم السابق للتنظيم.
وتفيد تقارير استخباراتية أن الجماعات الجهادية في خراسان لا تتلقى الدعم المباشر من حكومة طالبان، لكنها تتمتع في نفس الوقت بحرية أكبر لتنفيذ عمليات دموية.
ويعتقد محللون أن يكون بعض عناصر طالبان المتشددين، الذين خابت آمالهم من الحركة، قد التحقوا بصفوف تنظيم داعش في خراسان.
قلق أوروبي على مصير النساء والفتيات الأفغانيات اللواتي يُحرمن مطلقا من حرياتهن وحقوقهن
وأبدت منظمات حقوقية استياءها من عودة قياديي طالبان إلى فرض تفسيرهم المتشدد للشريعة الإسلامية الذي ميّز فترة حكمهم السابقة بين 1996 و2001 على الرغم من الوعود التي قطعوها عند استيلائهم على السلطة.
وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان الأحد، إن "الاتحاد الأوروبي قلق خصوصا على مصير النساء والفتيات الأفغانيات اللواتي يُحرمن مطلقا من حرياتهن وحقوقهن وقدرة الانتفاع من خدمات أساسية مثل التعليم".
وفي آذار/ مارس الماضي منعت طالبان الفتيات من الالتحاق بالمدارس الإعدادية والثانوية بعد ساعات فقط من إعادة فتحها بموجب قرار كان معلنا منذ فترة.
وفي أوائل أيار/ مايو أمر القائد الأعلى لطالبان هبة الله أخوند زاده النساء بوضع النقاب في الأماكن العامة.
وفرضت الحركة في نفس الشهر على مذيعات المحطات التلفزيونية المحلية عدم الظهور على الهواء إلا وهن يضعن النقاب على وجوههن.
وقالت ميشيل باشيليت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في حزيران/ يونيو الفائت "ما نشاهده اليوم في أفغانستان هو اضطهاد منظم وممنهج ضد النساء".
واستُبعدت النساء إلى حد كبير من الوظائف الحكومية وحُظر عليهن السفر دون محرم خارج المدن التي يعشن فيها.
وأطلق مسلحو طالبان السبت، طلقات نيران بالعاصمة كابول لتفريق مظاهرة نظمتها نساء يطالبن بالحق في العمل والتعليم.
وأعربت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بمناسبة مرور عام على استعادة الحركة الحكم في البلاد عن أسفها لما اعتبرته "معاناة النساء والفتيات وتراجع حقوقهن في أفغانستان تحت حكم حركة طالبان".
وتراقب القوى الإقليمية تطور الوضع في أفغانستان وتسعى إلى نسج علاقات "معتدلة" مع طالبان لمنع ظهور ملاذات إرهابية على أبوابها.
واحتضنت موسكو في أكتوبر المنقضي قمة دولية واسعة شاركت فيها حوالي 10 دول، من بينها الصين وإيران وباكستان، بهدف إدماج طالبان في المنظومة الدبلوماسية الدولية، توازيا مع المحادثات التي نظمت بين قادة الحركة والولايات المتحدة الأميركية في قطر.
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، في افتتاحية السبت، أنه "بعد مرور عام على حكم حركة طالبان في أفغانستان فإن البلاد لا تسجل فقط انهيار نظام ليحل محله نظام آخر، ولكن أيضا انهيار أحلام شعب بأكمله بحياة أفضل".