الشباب العربي يواجه الحروب والأزمات المعيشية بالرسم والغناء

فنانون عرب من سوريا ولبنان والأردن وقطاع غزة والعراق، يتحدثون عن تطلعاتهم وشجونهم بينما تعصف الحروب والأزمات الاقتصادية بمُجتمعاتهم ومُستقبلهم.

بيروت – فنانون عرب من سوريا ولبنان والأردن وقطاع غزة والعراق، يتحدثون عن تطلعاتهم وشجونهم بينما تعصف الحروب والأزمات الاقتصادية بمُجتمعاتهم ومُستقبلهم. فبين من يعتبر أن مجرد العيش هو إنجاز بحد ذاته كما سوريا، يُعبّر آخرون عن معارضة السلطة بالفن كما في لبنان، ويهرب آخرون في غزة من الحرب بالغناء، وعلى غرارهم الكثير من الشباب العرب الذين يواجهون بالفن أزمات منطقتهم.
مجرّد العيش إنجاز
في الاستوديو الصغير الخاص بها على أطراف دمشق، وجدت دانا سلامة ملجأ بعيداً عن تحديات الحياة اليومية في بلد مزقّه أكثر من عقد من الحرب وأزمة اقتصادية خانقة.
وتقول سلامة (23 عاماً) لفرانس برس "ربما أنا هاربة، ربما أحاول الابتعاد... إذ لا أستطيع رؤية الأمور القبيحة".
وتتابع "أن تعيش في مكان صعب إلى هذه الدرجة، هو إنجاز في حدّ ذاته".
في كلّ يوم، تتحدّى سلامة الظروف الضاغطة والتحديات المادية والمعنوية. توزّع وقتها بين عملها الخاص وبين تعليم الرسم للصغار، محاولة قدر الإمكان الاستمتاع بالعمل الإبداعي الذي تقوم به والاحتفاظ بالإيجابية.
وتروي "بعد تخرّجي، كنت أظن أنني سأبحث عن مكان ما أسافر إليه، إلا أنني شعرت أنَّ ثمة أموراً جميلة كثيرة أود القيام بها هنا".
وتضيف بحماسة "يجب أن أُظهر للناس أننا كفنانين قادرون على تقديم الفن في هذا المكان".
التنفيس عن الغضب
يتابع الطالب اللبناني علي مرعي دراسته في السنة الأخيرة في اختصاص الفنون الجميلة بينما تغرق بلاده في انهيار اقتصادي غير مسبوق منذ قرابة ثلاثة أعوام. انهيار قلب حياة اللبنانيين رأساً على عقب، بعد تدهور سعر الليرة وارتفاع نسبة البطالة والفقر وعجز المرافق العامة عن تأمين أبسط الخدمات من مياه وكهرباء.
ويقول مرعي (21 عاماً) لوكالة فرانس برس "باتت الحياة بالنسبة إلى الشاب اللبناني صعبة للغاية... الجزء الأكبر من الشباب بات يفكّر في السفر".
لكنه بخلاف كثر، لا يعتزم السفر رغم مشقة العيش. ويقول "إذا كنا عاجزين عن الخروج في ثورة حقيقية ذات قيمة، علينا أن نجد بديلاً".
عبر الفنّ، يعبّر مرعي عن غضبه في بلد يُفترض أن "نعيش حياتنا" فيه، لكن عوضاً عن ذلك "نبحث عن أدنى أساسيّات الحياة".
ويضيف "أنت تُفرِغ الغضب الموجود في داخلك في اللوحة".
وفاء
تتصدّر فنانة الشارع الأردنية دلال متولي (24 عاماً) واجهة المشهد الفني في عمان الذي يسهم في تغيير ملامح المدينة.
وتؤكد لفرانس برس بينما يغطي الطلاء ثيابها بعد يوم طويل من تعليم الأطفال رسم الجداريات "ثمة مسؤولية ملقاة على عاتقي".
في المناطق الأكثر حرماناً، تعمل الشابة على تحويل الجدران الى لوحات مضيئة تعبّر من خلالها عن قضايا اجتماعية وتسعى الى تعزيز الروابط المشتركة.
وتقول "عليَّ أن أردّ الجميل للمكان الذي أتيت منه"، مضيفة "حتى لو لم يعطني هذا المكان بما فيه الكفاية، عليَّ أن أؤمِّن تلك الأمور لتكون متاحة لمن سيأتي بعدي".
مصدر للقوة
في مدرسة صغيرة لتعليم الموسيقى في قطاع غزة، تغنّي مدرِّسة اللغة الإنكليزية جواهر الأقرع (25 عاماً)، بينما يرافقها آخرون عزفاً على الغيتار والكمان أو العود.
وتقول "مجتمعنا محافظ، وقبل أن تخرج الفتاة من كنف العائلة، (يُقال لها) من المعيب أن تخرجي أمام مجموعة من الناس وتعزفي أو تغني".
لكن الغناء هو وسيلة الهروب الوحيدة المتاحة في قطاع غزة الساحلي الذي تسيطر عليه حركة حماس وتحاصره اسرائيل. وقد شهد منذ العام 2008 أربع جولات حروب.
وتسأل الأقرع "كيف أهرب من الحرب؟ كنت أغني (...) كنت أبحث عن أي طريق أسيطر من خلاله على نفسي، فوجدت في الموسيقى والغناء ملجأً، طريقاً من طرق الهرب".
ورغم الوضع السياسي والمعيشي المعقّد، لا تتوانى الأقرع عن البحث عن مصادر قوة للاستمرار.
وتقول "لا أركّز على واقع أن (أوضاع) غزة هي سبب الفشل. كلا، يمكن لغزة أن تكون مصدر قوة... يمكنني أن أستغل تلك الصعوبات لأصبح أقوى على الصعيد الشخصي".
حالة خوف من الآتي!
تعزف قمر العاني على السنطور العراقي التقليدي، محاولة أن تنأى بنفسها قدر الإمكان عن التوترات السياسية التي تلفّ بغداد وأشعلت مواجهات مسلحة نهاية الشهر الماضي.
وتوضح لوكالة فرانس برس "الوضع غير مستقر. نعيش دائماً في حالة خوفٍ من الآتي".
ويشهد العراق شللاً سياسياً تاماً منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر 2021. ورغم أنه يعدّ بين أغنى دول العالم في موارده النفطية، لكنه غارق في أزمات اقتصادية واجتماعية.
وتقول العاني "أحاول دائماً الابتعاد عن الرؤية السلبية، على أمل أن نسير نحو الأفضل. أشعر أننا اليوم أفضل مما كنا عليه قبل عشر سنوات".
عائلة متدينة، ولكن!
في مقهى في وسط مدينة القدس، تستخدم الفنانة الإسرائيلية شافيت فيتال (22 عاماً) الجهاز اللوحي لوضع تصاميمها.
وترى الشابة التي خدمت في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب التي استمرت 11 يوماً على قطاع غزة خلال العام الماضي أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "هو ما يحدّد صورة إسرائيل إلى حدّ كبير".
ترغب الشابة أن تصبح رسامة وشوم، رغم أنّ عائلتها "متديّنة ولا تقبل ذلك".
مع ارتفاع كلفة المعيشة ونسبة تفاوت المداخيل، يحيط الغموض بالمستقبل الذي ينتظرها. لكنها تقول "لا أتطلع لأن أصبح ثريةً أو أي شيء من هذا القبيل، لكن في غضون خمس سنوات، لا أريد أن أكتفي بتأمين حاجتي كل يوم بيومه".