هل كانت مُبادرة الشيخ زايد سَتُغيّر من مصير العراق؟

المُبادرة الإماراتية لو تمت الموافقة عليها لكان من المُمكن أن تُجنّب العراق ويلات ومصائب كثيرة.

في ذكريات ذلك الزمن المحذوف من سِجلّات التاريخ والتي تهرّأت أوراقه بِفعل النسيان، ربما نَسي التاريخ أن يوثّق لحظات مفصليّة من تاريخ أحداثه السياسية التي كانت بِقليل من الحِكمة والإدراك والتعقّل أن تُغيّر مصائر شعوب وتَقلِب الموازين بإتجاهات مُختلفة لِما كان مكتوب لنهاياتها، حتى أنّ التاريخ كان سيكتُب شيئاً آخر عن صُنّاعها وقادتها الذين غادرهم العقل والتعقّل في لحظة المواجهة فجعلوا شعوبهم أكباش فِداء لِنزواتهم وأخطائهم.

في ذلك الزمن المحموم وتلك الأيام الشدائد التي سبقت غزو العراق عام 2003 وبينما كان العالم يُحشّد الجيوش لِمحاربة صدام حسين، وفي ذلك الزمن الذي بدأ فيه العد التنازلي لِساعة الهجوم وبِمُبادرة حُسن نِيّة لِتجنّب العراق وشعبه ويلات الحرب والدمار أعلن الشيخ الراحل زايد بن سُلطان رئيس الإمارات العربية المُتحدّة عن مُبادرة تتضمن استقبال الرئيس العراقي صدام حسين وعائلته ضيوفاً في دولة الإمارات على أن يخلُف صدام في السُلطة من هو الأنسب للقيادة والتفاوض مع قيادة التحالف الدولي القادمة لاحتلال العراق وتغيير نظامه.

كانت مُبادرة الشيخ زايد تنطلق من الشعور العربي والإنساني لما قد يتعرض له شعب شقيق من ويلات الحروب والدمار والقتل.

نظرة الراحل زايد السياسية كانت ترى أن مُغادرة صدام وعائلته مركز القرار في بغداد ربما ستُخفف من وطأة الاحتقان وتمنع الحرب وتدفع الأمور بإتجاه السلام وحقن الدماء والتوقف عن حدوث كارثة عالمية أو أزمة قد توتّر النظام العالمي واقتصاده خصوصاً وإن المواجهة المسلحة تحدث على أرض هي مصدر الوقود والطاقة للعالم.

حينها رَحب أكثر العُقلاء وقادة دول وأصحاب الحكمة بهذه المُبادرة للتخفيف من حِدّة التوتر وشجّعوا العراقيين على قبولها، وكما كان مُتوقعاً رفض صدام حسين هذه المُبادرة بل وإعتبرها إنهزاماً وهروباً من المواجهة وفي ظنّه كما يؤكد الكثير أنه كان يعتقد أن تلك الدول التي جيّشت تحالفاً بأكثر من 30 جيشاً والتي قَدِمت من أقاصي العالم لن تواجهه أو حتى تقترب من حدوده أو إسقاط نظامه مُستعيداً سيناريو أحداث 1991 حين تم تدمير جميع البُنى التحتية للعراق ماعدا النظام السياسي الذي استمر قائماً في حُكم العراق في ذلك الوقت.

المُبادرة الإماراتية لو تمت الموافقة عليها لكان من المُمكن أن تُجنّب العراق ويلات ومصائب كثيرة عندما كان من المُمكن أن تكون هناك فُسحة للحوار والتفاهم الذي يقوم بين خليفة صدام حسين أو بديله والقادمون للحرب لنزع فتيلها ومنع إستِعارها.

كان من نتائج رفض صدام المُبادرة أن الحرب قامت فجر العشرين من آذار/مارس بقصف جوي وتقدّم برّي من محاور مُتعددة لإسقاط النظام وإستبداله بنظام لا يقل سُوءاً وإجراماً وفساداً عن سابقه، بل لقد تخطّاه ليدفع هذا الشعب ثمن خطايا حُكامه واخطائهم أولئك السابقون واللاحقون.

ها هُم العراقيون يعيشون اليوم أحلك زمانهم وأسوء أيامهم بفعل الذين حكموا البلاد بعد عام 2003 وأكثروا في البلاد الفساد والقتل واللصوصية.

تُرى ماذا كان سيتغيّر من الواقع السياسي للعراق فيما لو تمت الموافقة على مُبادرة زايد؟ وكيف كان سيكون حال العراق؟ سيكتُب التاريخ أن فُرصة قد أُضيعت أو ضيّعها ذلك الغباء السياسي أو حُب السلطة والتمرّد والغرور ليدفع الشعب من دمائه وثرواته وكرامته الأثمان الباهظة لتلك الأخطاء.

ذلك الغرور الذي إستوطن القادة في ذلك الوقت وإستِغبائهم وعدم إدراكهم للنتائج التي قادت إلى أن يحكم العراق اليوم من هم في قاع الحضيض والضحالة في أسوء مراحل حياته السياسية وليت التعقّل والحكمة كانت موجودة في ذلك الزمن.