إحترامي للرئيس المُتقاعد!

كيف تكون المُقارنة بين الراتب الخيالي للرئيس المُتقاعد وراتب ذلك المواطن البسيط الذي لا يتجاوز 350 دولار شهرياً؟

كُلّما أراد الشعب العراقي أن يسير معهم خطوة إلى الأمام قاموا بإرجاعه خطوتين إلى الخلف، وكُلما أراد أن يغفر بعض خطاياهم والبدء بِصفحة جديدة إرتكبوا خطايا وفواحش مُتجدّدة بِحقه لا تُغتفر أو تغفر ذنوبهم السابقة.

ويبدو من عناوين مُقدماتهم أنهم مُصرّون على تحدي الجِياع والفقراء، بل مُستفزين لِمشاعر الناس وإثارتهم للخروج إلى الشارع والإنتفاض عليهم.

لم يُفسّر أي مسؤول من الحكومة الجديدة ماذا يعني إحالة الرئيس العراقي السابق برهم صالح إلى التقاعد براتب تقاعدي أكثر من 80 مليون دينار (ما يُعادل 55 ألف دولار شهرياً) مع جواز دبلوماسي وإمتيازات خيالية لا تَصلُح إلا لِمن قَدّم الإنجازات العظيمة لِشعبه أو حقق المُعجزات في زمن توليه الرئاسة، ليكون مجموع الراتب السنوي للرئيس المُتقاعد في العراق أكثر من المخصصات السنوية التي يتقاضاها الرئيس الأميركي وهو في سَدّة الحُكم. ويبقى السؤال: ماذا حقق هذا العنوان الوظيفي لِبلده ليستحق كُل تلك الإمتيازات والمنافع؟ وكيف سَتُقنِع الحكومة الجديدة أبناء الطبقات الفقيرة ممن يسكنون العشوائيات من أبناء الوسط والجنوب الذين أحال شظف العيش وقسوته حياتهم إلى جحيم بعد أن فتكت الأمراض الخبيثة أجسادهم وهم يستنشقون سموم الغازات القاتلة التي تخرج من آبار النفط لِتوزّع هِبات إلى الآخرين في مُعاناة لا تُنذر بفرج قريب؟ وما هو عُذرهم أمام جموع العاطلين عن العمل الذين إفترشوا الأرصفة للبحث عن وظيفة عمل وأمامهم راتب خيالي لِمُتقاعد يُعادل رواتب العشرات منهم؟ وكيف تكون المُقارنة بين الراتب الخيالي للرئيس المُتقاعد وراتب ذلك المواطن البسيط الذي لا يتجاوز 500 ألف دينار (ما يُعادل 350 دولار شهرياً)؟

سُنّة الرواتب التقاعدية للرؤساء الذين حكموا العراق بعد عام 2003 ليست بجديدة أو غريبة على العراقيين الذين إعتادوا النهب المُبرمج وغير المُبرمج لِثرواتهم وخيراتهم، فقبل ذلك تم منح رئيسهم الأسبق غازي عجيل الياور الذي لم يحكم في العراق سوى بِضعة أشهر في زمن الحاكم المدني بول بريمر راتباً تقاعدياً 60 مليون دينار (ما يُعادل 40 ألف دولار شهرياً) نظير خدماته للعراق التي كانت لا تتجاوز الشكليات وإلتقاط الصور وخِداع الشعب.

قد تُنذر هذه الخطوة بِتداعيات لإستفزاز الشارع العراقي والتعجيل بالخروج في تظاهرات وفوضى تُعيد المشهد السياسي إلى المُربع الأول خصوصاً وإن هذه الحكومة تواجه تحديات كبيرة وحقيقية تتمثل في تطبيق شعارها المرفوع (حكومة خدمات ومكافحة الفساد) وضرورة إستشعار الشعب ببعض الرفاهية والإستفادة من البحبوحة المالية التي هبطت على البلد دون أن تذهب تلك المنافع إلى جيوب السُرّاق والفاسدين.

من المؤكد انها إفتتاحية لإستمرار متوالية أو دوامة منح الآخرين تقاعداً مُشابهاً للرئيس دون أن يوقفها أحد مع إستمرار دولاب الفساد الذي ينهش بأجساد الفقراء لِيُعطى هِبات لِرؤساء وأصحاب المقام بالبلد بينما يرزح أكثر من نصف الشعب تحت مُعدلات خطوط الفقر وتوابعه وفي قعور الجوع والحرمان وهو ينظر بالعين المُجرّدة إلى موارده التي تُنهب وتُعطى لِعناوين ومُسمّيات حكومية لم تُقدّم أو حتى تؤخر شيئاً للبلد وهي ذات العناوين التي كانت في فترة حكمها مثار نقاشات جدلية أو إستفزازية لأولئك الذين أصدروا قرارهم بِمنح ذلك الراتب للرئيس المُتقاعد، فهل هناك من يستوعب الدرس وعدم تكرار الأخطاء؟ عسى أن يكون ذلك.