إيران تتهم السعودية وتبقي الباب مواربا للحوار
طهران - تعيش إيران حالة من الإرباك على خلفية عجزها عن إخماد الاحتجاجات التي انطلقت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضية ولا تزال مستمرة بوتيرة مقلقة للنظام الديني، ما دفعها للهروب إلى الأمام مطلقة الاتهامات في عدة اتجاهات، فحينا تتهم قوى غربية تتقدمهم الولايات المتحدة وحينا آخر تحاول الزج باسم السعودية زاعمة أنها تنفق أموال ضخمة للتحريض على استمرار حراك شعبي أشعلته وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق.
وكثف المسؤولون الإيرانيون في الفترة الأخيرة من اتهاماتهم للمملكة بالوقوف وراء تأجيج الاحتجاجات التي توسعت وتأججت في مناطق سنّية بالأقاليم النائية وهي الأقاليم التي تقطنها أقلية بينها الأقلية السنّية وتشهد منذ سنوات توترات بسبب سياسة التهميش والتمييز التي يعتمدها النظام الديني الشيعي بحق تلك المناطق.
وحضّت إيران الاثنين السعودية على تغيير سلوك وصفته بأنه "غير ودّي" حيالها، وسط مراوحة تشوب الحوار بين الخصمين الإقليميين وتلميح طهران إلى دور للرياض في الاحتجاجات التي تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ شهرين.
واتهم مسؤولون إيرانيون "أعداء" الجمهورية الإسلامية، تتقدمهم الولايات المتحدة، بالضلوع في الاحتجاجات. كما تحدّثوا عن دور سعودي خصوصا عبر وسائل إعلام ناطقة بالفارسية خارج البلاد، تعتبرها طهران "معادية" وتتهمها بتلقي تمويل من الرياض.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الاثنين "لا نسعى لزيادة التوتر في المنطقة وملتزمون بالحوار مع الرياض والتفاهمات التي توصلنا إليها"، وذلك في رده خلال مؤتمر صحافي على سؤال بشأن حوار إيراني-سعودي بدأ برعاية بغداد العام الماضي، مؤكدا أن بلاده "تعتبر أمن جيرانها من أمنها".
وكانت الرياض قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران مطلع عام 2016، في أعقاب تعرض بعثات دبلوماسية عائدة لها، لاعتداء من محتجين على إعدامها رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر.
وبدأ البلدان العام الماضي حوارا يهدف لتحسين العلاقات بينهما. واستضاف العراق برعاية رئيس وزرائه السابق مصطفى الكاظمي، خمس جولات حوار بين جارَيه، آخرها في أبريل/نيسان الماضي بينما تعثرت جولة ثالثة وسط خلافات بين البلدين.
وعلى رغم إعلان بغداد في يوليو/تموز الماضي التحضير للقاء علني بين وزيري الخارجية الإيراني والعراقي، لم يتم إلى الآن تحديد موعد للقاء كهذا، أو الكشف علنا عن جولات حوار إضافية.
ونفى كنعاني تقارير صحافية عن توقف الوساطة العراقية بين البلدين بعد تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء خلفا للكاظمي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقال إن الجمهورية الإسلامية "ستحاول استنفاد الدبلوماسية من أجل تصحيح التصرفات غير الودية للمملكة العربية السعودية، وتأمل في أن يحضّر الطرف المقابل الأرضية لذلك أيضا".
واتهم واشنطن بالسعي إلى "تعكير الحوار البنّاء" بين طهران والرياض، بينما كرر مسؤولون إيرانيون تصريحاتهم المنتقدة للمملكة منذ بدء الاحتجاجات التي تقترب من إتمام شهرها الثاني.
وقال وزير الأمن (الاستخبارات) إسماعيل خطيب إن في الاحتجاجات "كانت يد الكيان الصهيوني أكثر وضوحا في التنظيم والتنفيذ، وكانت يد الثعلب البريطاني أكثر وضوحا في تنظيم الدعاية وكانت يد النظام السعودي تُشاهد بوضوح في إنفاق الأموال"، وذلك في حوار مع الموقع الالكتروني للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي نشر في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني.
وأضاف بشأن السعودية "إنّ مصيرنا وسائر دول المنطقة مترابط"، محذرا من أن "أي انعدام للاستقرار في دول المنطقة يُمكن أن يسري إلى الدول الأخرى، وإنّ أي زعزعة للاستقرار في إيران قد تسري إلى دول المنطقة".
وشدد على أنه إذا أرادت إيران التعامل مع هذه الدول "بالمثل"، فإنّ "قصورها الزجاجيّة ستنهار ولن ترى هذه الدول وجه الاستقرار والثبات".
كما وجّه قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي أواخر أكتوبر/تشرين الأول تحذيرا إلى "آل سعود ووسائل الإعلام تحت سيطرتهم"، مضيفا "أنتم الذين تحرّضون الناس وتزرعون بذار الفتنة. فكروا بما يمكن أن يحصل لكم".
وأكد كنعاني حيازة بلاده "أدلة" على ضلوع موقوفين أجانب في "أعمال شغب" تشهدها على هامش احتجاجات أعقبت وفاة مهسا أميني.
وسبق للسلطات أن أعلنت توقيف عدد من الأجانب لارتباطهم بالاحتجاجات، خصوصا من بولندا وإيطاليا وفرنسا.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "في ما يتعلق بالتدخلات التي أدت إلى إلحاق الضرر بإيران، أو في ما يتعلق بأداء مواطني الدول التي ارتكبت جرائم في إيران، أو لعبت دورا في أعمال الشغب وتم القبض عليها، سنتخذ الإجراءات اللازمة".
وأضاف في مؤتمر صحافي "تم استدعاء سفراء بعض الدول وتقديم الأدلة والوثائق اللازمة لهم" على صلة مواطنيهم بالاحتجاجات، وتم الطلب منهم "الحصول على الإجابة من مراكزهم".
وأكد أن "إيران اتخذت الإجراءات اللازمة في إطار الدبلوماسية وواجبات الأجهزة الأمنية في هذا الصدد وستواصل متابعة الإجراءات اللازمة في إطار الآليات الدولية في الوقت المناسب"، من دون أن يقدم تفاصيل إضافية.
وأعربت عدة دول غربية عن دعمها للاحتجاجات وفرضت عقوبات على مسؤولين وكيانات في إيران ردا على ما تعتبره "قمع" السلطات للتحركات.
واستدعت الخارجية الإيرانية خلال الأسابيع الماضية سفراء دول أوروبية مثل المملكة المتحدة وألمانيا والدنمارك والنرويج، لإبلاغهم احتجاج طهران على مواقف اتخذتها دولهم.
ومساء الاثنين، استدعت الخارجية الإيرانية السفير الألماني في طهران احتجاجا على تصريحات أدلى بها المستشار أولاف شولتس نهاية الأسبوع، وفق ما أفادت وكالة "إرنا" الرسمية.
وكان شولتس سأل السبت "أي نوع من الحكومات أنتم الذين تطلقون النار على مواطنيكم؟"، مضيفا "من يتصرّف على هذا النحو عليه أن يتوقّع معارضتنا"، ومحمّلا السلطات الإيرانية المسؤولية عن "انفجار العنف" في البلاد.
وأشارت "إرنا" إلى أن الخارجية الإيرانية أبلغت السفير الألماني "احتجاجها الشديد" على "التصريحات غير المسؤولة" لشولتس، و"المقاربات المدمّرة لألمانيا حيال التطورات الداخلية" في الجمهورية الإسلامية.
وحمّلت طهران برلين المسؤولية عن "تبعات مواصلة تصريحات مماثلة وخطوات غير بنّاءة على مستقبل العلاقات بين البلدين"، محذّرة من أنها ستتخذ "ردا متناسقا" على المواقف الصادرة بحقها.
عقوبات أوروبية
وفي تطور آخر فرض الاتحاد الأوروبي الاثنين عقوبات على أكثر من 30 من المسؤولين الإيرانيين البارزين والمؤسسات، على خلفية الحملة الأمنية ضد المتظاهرين وإمداد روسيا بالطائرات المسيرة.
وطالت العقوبات الأوروبية وزير الداخلية أحمد وحيدي وقائد القوات البرية للجيش الإيراني كيومرث وحيدي اللذين قالت الكتلة الأوروبية إنهما مسؤولان عن قمع التظاهرات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني.
كما وضع الاتحاد أربعة من أعضاء الوحدة التي اعتقلت أميني على قائمة العقوبات. ومن بين المؤسسات المشمولة بالعقوبات تلفزيون برس تي في الرسمي، المتهم ببث "اعترافات لمعتقلين بالإكراه".
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل في بيان إن "الاتحاد الأوروبي يدين بشدة القمع العنيف وغير المقبول للمتظاهرين"، مضيفا "نقف إلى جانب الشعب الإيراني وندعم حقه في التظاهر السلمي والتعبير عن مطالبه وآرائه بحرية".
وكانت طهران قد حذرت من رد "متكافئ وصارم" على توسيع الاتحاد الأوروبي لنطاق العقوبات.
واتفق وزراء الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل على وضع قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي على قائمة العقوبات، على خلفية إمداد روسيا بالمسيرات الإيرانية لاستخدامها في أوكرانيا.
كما وضعت قائد سلاح الجو في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده ومصنع مسيرات "القدس" على القائمة نفسها.
محاولة لاحتواء الغضب في زهدان
وفي محاولة لاحتواء الغضب في زهدان وتهدئة الاحتجاجات، أمر المرشد الأعلى علي خامنئي أكبر مرجعية سياسية ودينية بفتح "تحقيق مسهب" في أحداث سيستان بلوشستان بجنوب شرق إيران، وفق ما أفاد رئيس وفد بعث به إلى المحافظة التي شهدت أعمال عنف في الأسابيع الماضية.
وعرفت المحافظة وخصوصا مركزها مدينة زاهدان، توترات في الأسابيع الماضية، أتت في وقت تشهد فيه إيران احتجاجات على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران.
وشهدت زاهدان أحداثا دامية في 30 سبتمبر/أيلول راح ضحيتها عشرات بينهم عناصر من الحرس الثوري الإيراني. ومنذ ذلك التاريخ، تسجّل مسيرات وتوترات أسبوعية بعد صلاة الجمعة في المحافظة الحدودية مع باكستان وأفغانستان، والتي تقطنها نسبة كبيرة من السّنّة.
وأفادت وسائل إعلام محلية الأحد بأن وفدا مرسلا من مكتب المرشد الأعلى يتقدمه حجة الإسلام محمد جواد حاج علي أكبري، رئيس مجلس أئمة الجمعة في إيران، التقى شخصيات في زاهدان الأحد.
ومن أبرز من التقاهم الوفد، إمام الجمعة للسّنّة في زاهدان مولوي عبدالحميد الذي سبق أن حمّل "كل المسؤولين ومن يديرون شؤون البلاد" المسؤولية عما حصل في المدينة.
وأفادت وكالة "إرنا" الرسميةب أن حاج علي أكبري أبلغ مولوي عبدالحميد أن خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسات العليا للجمهورية الإسلامية، "أمر بفتح تحقيق مسهب في الأحداث الأخيرة التي وقعت في هذه المحافظة والعمل على أساس الحقائق".
وأضاف "لن يتم التسامح مع الذين أساؤوا إلى الأمن القومي وارتكبوا جرائم ويجب معاقبتهم ومحاكمتهم لأن أمن المجتمع هو الخط الأحمر لجميع الأنظمة وتحت أي ظرف من الظروف لن يسمح قائد الثورة بتضييع حق أحد"، مؤكدا أن خامنئي "يرى أن التحقيق يجب أن يكون مبنيا على معايير العدل والشريعة".
وكان حاج علي أكبري أكد الأحد أن الوفد يزور المحافظة الواقعة في أقصى جنوب شرق الجمهورية الإسلامية، من أجل "إبلاغ تحيات قائد الثورة الإسلامية" إلى أهلها وشخصياتها، ونقل "حزن سماحته وانزعاجه من الأحداث التي حدثت ونوضح التدابير الممتازة التي اتخذها لحل المشاكل والإجراءات التكميلية".
ونقلت 'إرنا' عن حاج علي أكبري قوله إن "الأشخاص الأبرياء الذين تم التعرض إليهم سيتم اعتبارهم بمثابة شهداء".
وكان مسؤولون إيرانيون أفادوا بعيد حصول أحداث زاهدان، بأنها كانت نتيجة هجوم مسلّحين على مراكز لقوات الأمن، بينما أشارت شخصيات محلية إلى توتر سببه أنباء عن تعرض فتاة "للاغتصاب" من قبل مسؤول في شرطة المحافظة، وأن قوات الأمن "أطلقت" النار على متجمّعين قرب مسجد بزاهدان.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، أقال مجلس الأمن في المحافظة مسؤولين في الشرطة بينهم قائدها في زاهدان، على خلفية "إهمال" من قبل ضباط أدى إلى "جرح ووفاة عدد من المواطنين الذين كانوا يؤدون الصلاة، ومشاة أبرياء لم يكن لهم أي ضلوع" في الأحداث.
ومنذ ذلك الحين، غالبا ما تشهد المحافظة مسيرات احتجاجية وتوترات أسبوعية في أعقاب صلاة الجمعة.
وفي التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أفاد الإعلام الرسمي الإيراني عن تعيين العميد محمد قنبري قائدا لشرطة المحافظة خلفا للعميد أحمد طاهري الذي كان يتولى المنصب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، من دون تقديم تفاصيل بشأن دوافع هذا التغيير.