غزل عربي متأخر بسوريا

سوريا التي نعرفها ذهبت إلى مكان لا عودة منه. اما سوريا الحالية فهي ما تبقى منها.

بعد 12 سنة قطيعة فإن سوريا التي تعود إلى الجامعة العربية هي غير سوريا التي تم طردها عام 2011. ما معنى ذلك؟

لقد خُذلت سوريا من بجانبيها حين تخلى العرب عن وساطتهم. كانوا ضبابيين يومها. اختاروا أن يقفوا مع الشعب وذلك ما لم يتمكن الشعب من اكتشافه.

اما الدولة السورية التي تم التخلي عنها فإنها سُلمت لضياعها الذي بدأ بإيران وانتهى بروسيا.

هل أنهت الجامعة العربية يومها مهمتها؟ لقد بدأ يومها أسوا موسم للصيد العربي. كانت هناك فرصة ضيعها العرب لن ينفع معها الآن الندم.

كان الربيع العربي كارثة حلت بالعرب ولم تقتصر على إسقاط أنظمة سياسية منتهية الصلاحية. ما حدث زلزل القناعة بإمكانية ولادة نظام سياسي عربي جديد. كانت سوريا في قلب الكارثة بعد أن أزيح العراق من دائرة الأمن القومي العربي عام 2003.

وإذا ما كان العراق قد أزيح من موقعه بفعل غزو أجنبي، كان الهدف منه تدمير قدرة شعب في إدارة ثرواته بما وجوده ضمن محيطه العربي، فإن إزاحة سوريا من مسارها القومي تمت بإرادة عربية. ولو لم تكن تلك الإرادة قائمة لاستطاع السوريون، دولة ومعارضة الوصول إلى قواسم مشتركة لإنهاء الخلاف.

طرد سوريا الدولة من الجامعة العربية كان عاملا قويا شجع التآمر عليها بكل ما تملكه دول اقليمية من أدوات ووسائل وضعتها في خدمة مشروع تدمير سوريا. فقدت سوريا يوم طُردت من الجامعة العربية الحائط التي تستند عليه مطمئنة وهي تواجه أعدائها. صار ذلك الحائط عبارة عن جحيم أشد ضراوة من أي جحيم آخر.

المأساوي في الأمر أن سوريا تحولت إلى عدو في ظرف أيام معدودات. فصار مسموحا أن تُضخ أموال عربية لتمويل تنظيمات وجماعات ارهابية صارت تقاتل في سوريا بدعوى اسقاط النظام وما من علاقة لأفرادها بسوريا ولم يكن معظمهم سوريين.

وكان واضحا أن مشروع تدمير سوريا الذي صار العرب مساهمين كبارا فيه هو جزء من مشروع أكبر يُراد من خلاله الانقلاب بالمنطقة من الاستقرار النسبي إلى الفوضى المطلقة.

عبر أكثر من عشر سنوات من الخراب السوري كانت الجامعة العربية نائمة. لقد تخلى العرب عن سوريا. كانت الأمم المتحدة بتنظيماتها تصدر بيانات عن الحالة السورية أما الجامعة العربية فلم يصدر عنها أي بيان. كما لو أن سوريا ليست بلدا عربيا.

ما سبب ذلك الإنكار؟

إن كان السبب نظام بشار الأسد، فهل أغلق ذلك النظام أبواب الحوار مع العرب؟ ولو كان ذلك النظام سيئا وهو كذلك فهل ذلك يبيح التخلي عن الشعب السوري الذي أفقدته التنظيمات الارهابية القدرة على أن يصل بصوته إلى العالم؟

حسب النظام السوري كانت هناك مؤامرة عالمية وهو ما يسخر منه المعارضون، ولكن المؤامرة العربية لا يمكن إنكارها. لقد تآمر العرب على سوريا يوم تركوها وحيدة وتركوا جيشها يقاتل 40 فصيلا ارهابيا. هي عبارة عن جيوش تم استقدامها من أماكن مختلفة من العالم لتقاتل باسم الإسلام. تحول الحراك السياسي السوري إلى ثورة إسلامية أقام عملاؤها إمارات وفرضوا من خلالها الشريعة وهدموا الآثار ونفذوا القصاص بالطريقة الدينية المتشددة. يومها لم يقل العرب إنهم أخطأوا في حق سوريا وشعبها.

الآن سوريا لا تحتاج إلى العودة إلى محيطها بقدر ما يحتاج العرب إلى العودة إلى سوريا. لكن عودتهم ينبغي أن لا تكون نوعا من الاعتذار أو التعبير عن الندم بقدر ما يمكن أن تجلبه من حلول استثنائية يمكن أن يعبر العرب من خلالها عن احتضانهم لسوريا بلدا عربيا. معنى إن تكون سوريا بلدا عربيا سيجسده نوع الاحتضان العربي الذي سيتضمن بُعدا سياسيا لابد أن ينطوي على حل سياسي للمسألة السورية.

إن عودة سوريا إلى محيطها العربي حدث طبيعي تأخر كثيرا. حدث خطأ وصار في الإمكان تداركه. ليست هناك علاقة بين عودة الدولة السورية إلى الجامعة العربية والموقف من الثورة السورية. كما أن الموقف من الثورة السورية بكل تجلياتها ليس معيارا على الموقف من سوريا التي هي دولة وليست نظاما فقط.

لذلك فإن سوء الفهم هنا لا يعبر إلا عن نوايا خبيثة ومريبة. فسوريا التي نعرفها ذهبت إلى مكان لا عودة منه. اما سوريا الحالية فهي ما تبقى منها. يستعيد العرب ما تبقى من سوريا على أمل أن يستعيدوا ما فقدته.