حملات الحج قديماً في الذاكرة الشعبية الكويتية
تحتفظ الذاكرة الشعبية الكويتية بالكثير من مشاهد رحلات الحج، التي كان يُطلق عليها قديما "حملات الحج"، وما يتعلق برحلة الحجاج إلى الأراضي المقدسة من عادات وتقاليد عرفها الكويتيون على مدار قرون مضت.
وقد سجّل الباحثون الكويتيون الكثير من تفاصيل رحلات الحج الكويتية القديمة، بداية من تنظيم تلك الرحلات على ظهور الإبل، وحتى سفر الحجاج على متن الطائرات.
وبحسب عدد من الدراسات التاريخية التي أعدها الباحثون: عدنان سالم الرومي، وصالح خالد المسباح، والدكتور خالد يوسف الشطي، والتي صدرت ضمن كتاب "الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج"، الصادر عن المركز الكويتي لتوثيق العمل الإنساني، فإن الكويت كانت قديما محطة عبور لحجاج عدد من الدول المجاورة مثل العراق والبحرين وإيران، وكذلك الحجاج القادمين من بلاد الهند.
وقد كان اختيار الكويت كمحطة عبور من قبل حجاج العديد من البلدان، بفضل موقعها الجغرافي، حيث تقع الكويت على الشاطئ الشمالي الغربي للخليج العربي، جنوب العراق وشرق نجد، وذلك على شكل مثلث ضلعه الشرقي يطل على سواحل الخليج العربي، أما ضلعه الشمالي فيمتد جنوب العراق، فيما يقع ضلعه الجنوبي بموازاة الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية.
الحج وتاريخه في الكويت
ووفقا للدراسات التي نشرت بكتاب "الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج"، فقد حرص أبناء الكويت على مر التاريخ، على آداء مناسك الحج، وذلك على الرغم من أن الطرق لم تكن آمنة طوال الوقت بسبب الاضطرابات الأمنية في الجزيرة العربية.
وقد تسبب قطاع الطرق وعمليات السلب والنهب والقتل للحجاج الكويتيين، إلى توقف رحلات الحجاج الكويتيين لبعض السنوات، وقبل بحسب نصوص الدراسات التي أعدها الباحثون الكويتيون، ووردت بكتب الرحالة والمؤرخين، أن عام 1778 تعرض الحجاج لعمليات نهب، وفي العام 1798 عاد حجاج الكويت دون أن يكملوا رحلاتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة.
ومما يُروى أيضاً، أنه في عام 1845 خرج حجاج من بلاد فارس والبحرين والكويت وغير ذلك من البلدان، باتجاه مكة والمدينة لآداء مناسك الحج، وبرغم أنه كان هناك من يرافقهم للحراسة، إلا أنه خرجت عليهم أعداد كبيرة من قطاع الطرق، وتعرضت قافلتهم للنهب وقتل الكثير من الحجاج، ومن تمكنوا من النجاة بأرواحهم من الحجاج ماتوا جوعا وعطشا في الصحراء، ثم أخرج الإمام فيصل جيشاً كبيراً من الرياض، تبعه جيش متعب بن عبدالله الرشيد أمير حائل لمحاربة قطاع الطرق والقضاء عليهم.
الحج عن طريق الإبل
وتروي لنا الدراسات التاريخية أن حملات الحج الكويتية كانت تتم قديما على ظهور الإبل، وأن صاحب الحملة كان يقوم بشراء الإبل قبل بداية موسم الحج، ثم يختار المناسب منها لمهمة نقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة، ومن الطريف أنهم كانوا يختارون الإبل الإناث لما تتمتع به من صفات تؤهلها لتحمل مشاق الطريق، ثم يقوم كل صاحب حملة بوضع سم حملته على جزء من بدن الإبل ليعرف كل صاحب حملة إبله إن ضلت في الصحراء أو تعرضت للسرقة، وتزوّد الإبل بالهودج، بجانب إعداد لوازم الرحلة من الخيام ومستلزمات الطعام والشراب.
وكانت حملات الحج على ظهور الإبل تتخذ في رحلتها عدة طرق عبر دروب بالصحراء لضمان وصولها بيسر وأمان وراحة فتارة يتخذون طريق الكويت إلى المدينة المنورة، وتارة أخرى يذهبون مباشرة من الكويت إلى مكة المكرمة.
الحج عن طريق البحر
وبحسب الباحثين الكويتيين: عدنان سالم الرومي، وصالح خالد المسباح، والدكتور خالد يوسف الشطي، فقد عرف الكويتيون الحج عن طريق البحر سنة 1853، وقد نظم الكويتيون حملات منتظمة للحج عبر البحر.
وقد سلكت حملات الحج البحرية الكويتية عدة طرق عبر البحر وكان الطريق الأول عن طريق السفن الشراعية المسافرة إلى الهند، حيث كان الحجاج يذهبون إلى بومبي، وهناك يبقى الحاج انتظارا لركوب إحدى البواخر المتجهة من بومبي إلى جدة.
وأما الطريق الثاني فكان يبدأ من الكويت إلى البصرة، وتتخذ فيه السفن الهند طريقا إلى جدة، وأما الطريق الثالث حين سيّرت روسيا خطاً ملاحياً ربط بينها وبين الإسكندرية والخليج العربي والبصرة مروراً بالكويت وجدة.

الحج عن طريق السيارات
وأما رحلات الحج بالسيارات والتي وثقتها الدراسات التاريخية التي جاءت بكتاب "الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج"، فقد بدأت عام 1932، وهي المرة الأولى التي تمر فيها سيارات من الكويت إلى مكة المكرمة ويراها الناس.
لكن استخدام السيارات بشكل جماعي في رحلات الحج بالسيارات من قبل منظمي حملات الحج في الكويت، لم يتم إلا في مطلع الخمسينيات، وتوقفت رحلات الحج على ظهور الإبل بشكل تام في عام 1954.
الحج عن طريق الطائرات
وبحسب دراسات الباحثين الكويتيين، فقد كانت أول رحلة حج عن طريق الطائرات في شهر جزيران/ يونيو عام 1948، حيث اقل 24 حاجاً كويتياً على متن طائرة توجهت من الكويت إلى جدة، وكانت طائرة عسكرية سعودية، ثم تأسست الخطوط الجوية الكويتية التي بدأت في نقل الحجاج جواً في ذات العام.
ولفت الباحثون الكويتيون عدنان سالم الرومي، وصالح خالد المسباح، والدكتور خالد يوسف الشطي، في دراساتهم التي نشرت بكتاب "الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج"، إلى أن أبناء الكويت بذلوا جهوداً كبيرة على مر التاريخ لتنظيم وتسيير حملات حج توفر الراحة وتمكن حجاج أبناء وطنهم من آداء مناسك الحج في سهولة ويسر، وذلك منذ أن حملات الحج بالإبل والتي كانت تستغرق قرابة 3 أشهر، وحتى سفر الحجاج لآداء مناسكهم على متن الطائرات، كما وثقوا عدداً من الأوقاف التي خصصها محسنون كويتيون لخدمة حجاج بيت الله الحرام، وحملات المساعدة التي تطلقها الجمعيات الكويتية لدعم ورعاية رحلات الحجاج من شتى بقاع الأرض حتى اليوم.