نحن وأوروبا في سلة واحدة
مسلمو أوروبا هم مواطنون أوروبيون. شاءوا أم أبوا. شاءت أوروبا أم أبت. للمسلمين حصة في أوروبا. كما أن لأوروبا حقوق عليهم، ليس أقلها احترام قوانينها وهويتها الثقافية ومراسها الأخلاقي بمعزل عن الموقف من بعض التصورات التي تدخل ضمن دائرة استبعاد التمييز والتي يعتبرها البعض زلات قد تهدد مستقبل الجنس البشري كما هو الحال مع المثلية على سبيل المثال. لا يملك المسلم الحق في تغيير أوروبا من خلال مقاومتها وعصيانها بقدر ما يملك الحق في المساهمة مع الآخرين في بناء مجتمع أكثر عدلا، يتمتع الجميع فيه بالحرية والمساواة والآخاء، وهي شعارات الثورة الفرنسية التي بدأت أوروبا معها عصرا جديدا من عصور نهضتها وزهوها الحضاري.
يقول البعض "أوروبا ليست لنا" لكن أوروبا كانت ولا تزال وستبقى ليست لأحد بعينه. صنعت أوروبا حضارة الإنسان المعاصرة عبر قرون من الكدح والنضال والمقاومة والتفكير العملي الايجابي المثمر. فعلت أوروبا ما فعلته وهي تدرك أنها تخلق تاريخا جديدا للبشرية جمعاء. كان الإنسان هو الهدف الأسمى. كان وسيلة بناء الحضارة وفي الوقت نفسه هدفه. لم تكن خرافة تفوق السيد الأبيض وليدة لذلك العمل الشاق والجهد الخلاق من أجل أن ينتصر الإنسان على ظلام حياته وجوعه مرضه وكوارث الطبيعة وعطبه الداخلي. كانت العنصرية ولا تزال ظاهرة نفسية زودها الاستعمار بأسلحته التي أحدثت سوء فهم تاريخي بين أوروبا والآخرين. ولأن مسلمي أوروبا هم من أبناء البلدان التي سبق لأوروبا أن انتهكت قوانين بقائها فإنهم يتحسسون من وجودهم داخل المجتمعات الأوروبية ويعملون على أن يحيطوا أنفسهم بجدران عزل عنصري غير مرئية، ولكنها صادمة لما تنطوي عليه من قيم متشددة ومتزمتة وغير قابلة للاختراق.
من الظريف أن شوارع العاصمة الدنماركية كوبنهاغن شهدت قبل سنوات خروج تظاهرة دعا المشاركون فيها إلى أسلمة الدولة الدنماركية. مر ذلك السلوك كمزحة ولم يكن سببا في تعكير الأجواء بين المؤسسة الرسمية الدنماركية المسؤولة عن رعاية العاطلين عن العمل وبين المشاركين في التظاهرة الذين هم جزء من المستفيدين من عملها. هناك خطا في فهم حكاية أوروبا الحضارية. فالبعض يعتقد أن أوروبا المعاصرة مسيحية، لا لشيء إلا لأن هناك كثيرا من الأبنية الكنسية في المدن الأوربية، بل أن أصغر بلدة في أوروبا لابد أن تضم كنيسة في مركزها تُلحق بها مقبرة. في السويد يُطلق على المقبرة "حديقة الكنيسة". ولكن ذلك خطأ ناتج عن جهل فاضح بتاريخ أوروبا المعاصرة التي لم تنهض على الأساس العلمي الذي نعرفه إلا بعد أن تحررت من هيمنة الدين على الحياة العامة فانفصلت الدولة عن الدين وكان العلم هو واحد من أعظم الرابحين من ذلك الانفصال. أوروبا ليست مسيحية ولا يمكنها أن تصبح مسلمة. في ذلك رد على الأحزاب اليمينية التي تحذر الأوروبيين من خطر الأسلمة بسبب تزايد نسبة المواطنين من أصل مسلم.
وما الشاب المسيحي العراقي الذي أحرق صفحات من القرآن الكريم في أحد شوارع العاصمة السويدية ستوكهولم سوى ضحية للوهم نفسه. لقد خُيل إليه أنه حين يقوم بعمله الأخرق سيحصل على تعاطف مسيحيي أوروبا الذي سيضغطون حسب تصوره على الحكومة السويدية من أجل منحه الإقامة الدائمة والجنسية واحاطته بحماية من نوع خاص. فاتته حقيقة أن السويديين ليسوا مسيحيين إلا من وجهة نظر الآخرين وأن ما قام به استفز بعض المسلمين فيما شعر البعض الآخر بتفاهته وتدني أسلوبه في الإثارة غير أن السويديين أنفسهم لم يشعروا بأنهم معنيين بالأمر إلا في حدود الحفاظ على حياة شخص معتوه.
سلوان موميكا وهو اسم ذلك الشخص يشبه إلى حد كبير بعض المسلمين الذين يعتقدون أن هناك عنصرية تمارس ضدهم بسبب كونهم مسلمين متناسين أنهم يقيمون وراء جدار عزلتهم مدنا للريبة والكراهية والاستعداد للعنف والجهل والفقر والشعور بالدونية والكسل وسواه من العاهات الاجتماعية. هذا لا يعني أن المؤسسة الرسمية الأوروبية لم تقصر في عملها من أجل دمج مواطنيها المسلمين في المجتمع. انطوى العمل على صهرهم على غباء لا يمت بصلة إلى العقل الأوروبي المنفتح على ثقافات العالم. وهو الخطأ الذي استفادت من الأحزاب اليمينية في صعودها إلى السلطة. حدث ما يشبه الردة. ولكنها ردة مؤقتة. ذلك لأن العقل الأوروبي لا يمكنه العمل في المناطق الضيقة. وما توزيع البشر بين مهاجرين وأصليين ومسلمين وغير مسلمين إلا احد تلك المناطق المظلمة التي لن تتمكن أوروبا من الإقامة فيها طويلا.