لماذا تغيب الدراما التونسية عن الإنتاج العربي المشترك

النقابات المهنية تعطل الانفتاح على شركات الإنتاج العربية لصالح القنوات الخاصة في تونس التي لا تريد دخول منافسين لها في سوق إعلانية صغيرة، تجعل المنافسة ليست لصالحها.

تونس - تمكّنت قناة "إم.بي.سي5" الموجهة للمغرب العربي في مدة قصيرة على انطلاقها من استقطاب جمهور عريض، ونشطت سوق العمل الفني للفنانين المغاربة والمنتجين وأعادت الاعتبار للدراما المغربية، ما طرح تساؤلات عن نصيب تونس من هذا التعاون وسبب غياب الدراما التونسية عن الشاشة المغاربية.

واستقطبت تونس عددا كبيرا من المخرجين العرب الذين اختاروها لتصوير مسلسلاتهم  كان آخرها "للموت3" وسبقه "معاوية" و"الواق واق" و"أوكيديا" وغيرها الكثير، حيث أجمع القائمون عليها على ملائمة تونس للتصوير الفني وتوفر الإمكانيات اللازمة لذلك.

ومنذ انطلاقة القناة المغاربية التابعة لإمبراطورية "إم.سي.سي" التي تعتبر على قمة الشبكات المشاهدة عربيا، كان التوجه وفق تصريحات القائمين عليها، التعاون مع خيرة المنتجين في بلاد المغرب، والاستثمار في أفضل الانتاجات المحلية ضمن الأسواق المغاربية، ما يسهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة، في إيجاد فرص عمل جديدة، وتبادل للخبرات بين ما هو محلي وإقليمي وعالمي، ويصب في المحصلة في خانة المشاهد المغاربي.
لكن هذا التعاون اقتصر على المغرب، فرغم أن المكتب الرئيسي للقناة يقع في المملكة ومن الطبيعي أن يأخذ الإنتاج المغربي نصيب الأسد إلا أن تونس غابت تماما عن هذا الإنتاج والتعاون الفني رغم أن انتاجها المحلي على قلته يحظى بمتابعة وإشادة واسعة من ناحية الفكرة والموضوع والطرح كما أن العديد من النجوم التونسيين يعتبرون أسماء كبيرة في الدراما العربية.
وازدادت التساؤلات حول ابتعاد تونس عن دائرة الإنتاج الإعلامي والفني المشترك في ظل مناخ الحرية النسبي مقارنة بالجزائر التي أدركت أهمية هذا التعاون وانفتحت على التعاون مع "إم.بي.سي" للوصول إلى الجمهور العربي والترويج لانتاجاتها على أقل تقدير.

الانتاج الدرامي التونسي يمتلك مواصفات فكرية وفنية تشكل رصيدا مهما قابلا للتطور لمنافسة انتاجات الدول العربية الأخرى

ويرى متابعون أن التعاطي التونسي مع فكرة الإنتاج العربي المشترك يعاني من أوجه قصور لاسيما مع هيمنة النقابات على كل ما يتعلق بالإنتاج والتعاون، حيث باتت العصا التي تعطل عجلة التطور في أي ميدان في معركتها المتواصلة مع الحكومات فيما بعد عام 2011.

وأضاف المتابعون أن النقابات المهنية تعطل الانفتاح على شركات الإنتاج العربية لصالح القنوات الخاصة في تونس التي لا تريد دخول منافسين لها في سوق إعلانية صغيرة، تجعل المنافسة ليست لصالحها.

وتهيمن أحزاب اليسار على النقابات التونسية وهي وسيلتها منذ ما قبل الثورة لممارسة دورها السياسي وفرض مطالبها. وقد استعاضت بالنقابة عن العمل السياسي في الشارع وتكوين قاعدة حزبية لها، ما جعل تحركات النقابات انعكاسا لمواقف أحزاب اليسار ورؤيته التي لا تتماشى بالضرورة مع المصالح الاقتصادية للبلاد وغالبا ما عطلت عجلة التطور وعرقلت العديد من الملفات ومنها الفنية والإعلامية.

والمفارقة أن المرحلة الراهنة تشهد تراجعا عما سبقها، فتجربة التعدد الإعلامي والسمعي البصري كانت قد حققت تقدما ملحوظا بالانفتاح على شراكات مع القطاع الخاص والاستفادة من خبراتهم و كفاءاتهم، مع تقليص في التعقيدات الإدارية والحد من البيروقراطية التي كبحت القطاع العام وعطلت نموه .
 تلتها مرحلة أخرى اتسمت بتفويض الإنتاج لمنتج منفذ وقد أعطت هذه الصيغة حرية أكبر للتلفزيون وشكلت متنفسا مهما للإنتاج التونسي، لكن واجهت هذه الانتاجات صعوبات مالية وإدارية عسيرة، علاوة على معضلة الترويج.

وقاد ذلك إلى التفكير في إنشاء وكالة النهوض بالإنتاج السمعي البصري وكانت لدى الوكالة مرونة في التصرف المالي وذلك على خلاف مؤسسة التلفزة التونسية. ومن نتائج ذلك أن شهدت سنوات ما بعد التسعينات طفرة للإنتاج تواصلت إلى حدود سنة 2007 ثم تم إلغاء هذه المؤسسة بسبب “سوء التصرف فيها ” وعدا ذلك خسارة فادحة للإنتاج الدرامي، وكان من الأجدى إصلاحها و ليس إغلاقها.

وفيما يرى البعض أن الدراما التونسية تواجه عوائق الإنتاج وغيرها من صعوبة فهم اللهجة المحلية من قبل غير التونسيين، إلا أن الكثيرون يقولون أن هذه المشكلة لم تكن عائقا في المغرب كما أن الانتاج الدرامي التونسي له مواصفات فكرية وفنية تشكل رصيدا مهما قابلا للتطور حتى ينافس انتاجات الدول العربية الأخرى خصوصا في ظل مناخ الحرية وتوفر كفاءات فنية عالية من مخرجين وتقنيين وممثلين.

ويقول العاملون في المجال الفني والإعلامي التونسي، أن العمل الانتاجي في تونس على مستوى التلفزيون أو السينما شاق ومرهق خاصة لغياب الصناعة الفنية كما أن المنظومة المعمول بها في شمال افريقيا عموما لا تشابه سير قطاع الانتاج في مصر أو سوريا أو لبنان فالسوق التونسي ضيق على مستوى عائدات الإعلانات مقارنة بتكلفة الإنتاج.

فالشركات المحلية مطالبة بإنتاج العمل بالكامل ثم التوجه لشركات التسويق والإعلانات بمعنى تنتج ونمول ثم نبيع المنتوج ونستمر حتى اللحظات الأخيرة في شهر رمضان في العمل على الدعاية والإعلانات وذلك على عكس القطاع الدرامي في مصر على سبيل المثال فالمسلسل يباع في البلد وخارجه للقنوات الخليجية والعربية ويحصل المنتج على دفعة من القنوات المتعاقدة على عرض العمل لتنفيذه.

 لذلك يشكل الإنتاج المشترك دفعة قوية لأعمال الفنية والإعلامية التونسية، خصوصا أن التقنيين التونسيين مشهود بكفاءاتهم على الصعيد العربي والدولي ويشاركون في تنفيذ أضخم الأعمال في الجزائر والإمارات ولبنان وسوريا.
ويعتبر تسويق الدراما التونسية على مستوى عربي وعلى المنصات العالمية حلم وطموح للفنانين التونسيين الذي لا يمكن تحقيقه وفق المنظومة الحالية لسير عجلة الإنتاج مع ضعف التسويق والانفتاح على شركات الإنتاج العربية الكبرى والقنوات الفضائية، والخروج من عقلية التوجه للجمهور المحلي فقط.