وهم المشاركة: لماذا يجب التوقف عن التصفيق في السياسة؟

من خلال اشاعة وهم الحصول على التأييد الشعبي يمرر السياسي اجندته الشخصية او الحزبية، ويتمكن من تحقيق برنامجه على حساب المصفقين أنفسهم.

صفقت بعض قطاعات الشعب التونسي طويلا لقرارات الرئيس السابق زين العابدين بن علي في بداية حكمه، ولكن سرعان ما تحولت مشاعرهم إلى سخط عارم مع ازدياد حالات القمع وتقييد حرية التعبير والبطالة. وانتهت العلاقة بين الطرفين باندلاع ثورة 2011 التي أطاحت بنظامه.

توالت المشاهد الدموية في ليبيا ومصر واليمن لتكون مسرحًا مأساويًا لأحداثٍ متشابهة، وتكررت في دول اخرى بشكل أقل حدة، لكنها جميعا تتشابه بانها تفتتح بالهتافاتِ والتصفيق للزعماء وتُسدل بانتفاضاتٍ شعبية ضدهم.

وتعد ظاهرة التصفيق والهتافات تقليداً شائعًا في التجمعات السياسية، ويُستخدم للتعبير عن التأييد للمتحدثين او السياسيين البارزين، حيث تم ايهام الافراد من قبل الانظمة والاحزاب السياسية ان التصفيق هو من أحد اشكال العمل السياسي.

تتعدد صور التصفيق السياسي. فمرةً يأتي عن طريق هتافات التأييد لأحد الأطراف، ومرةً أخرى بشكل اعادة تغريدة أو ريتويت، أو بإرسال المسجات والصور في وسائل التواصل الاجتماعي، وتتميز بالمبالغة في المدح أو الدفاع المفرط عن الأشخاص، ورفض أي انتقاد لها.

 يمكن ان يُحسب التصفيق موقفا ايجابيا تجاه القضايا المهمة التي تعاني منها الامة، مثل العدوان السافر على غزة، او للتضامن مع ضحايا حروب الابادة العرقية، لكونها تعطي رسائل مباشرة للعالم الخارجي، وتشكل ضغطا شعبيا مؤثرا، وتوحد الصفوف حول القضايا الانسانية.

إلا أنه في موارد اخرى قد يحمل في طياته العديد من السلبيات من بينها التصفيق للشخصيات السياسية المتغلبة، او تفرغ الشباب للهتاف دعما وتسويقا لجهة حزبية محددة، او التغريد لتبرير اجراءات الدولة او الجماعة التعسفية.

في المخيال الشعبي والثقافي/الديني، تترسخ ثقافة تمجيد القادة والتصفيق لهم. وتعزى أسبابها إلى سيادة عقلية القطيع، حيث يميل البشر بطبيعتهم إلى مشاركة المجموعة في سلوكها دون التثبت من صحته.

وتشكل ثقافة التصفيق خطرًا على مبادئ الديمقراطية، حيث تُساهم في منح الشرعية لغير المستحقين من السياسيين دون تمحيص دقيق لمواقفهم وبرامجهم، ما يُضفي عليهم هالة من القوة والشرعية غير المستحقة.

ويُعيق التأييد المُفرط للشخصيات السياسية، وتشجيع تصرفاتهم دون قيد، قرار سحب الدعم منهم لاحقًا، فقد يُواجه الفرد صعوبة في التخلي عن دعم زعيم او حزب سياسي لطالما صفق له، حتى لو ثبت لاحقًا فساده أو فشله في تحقيق وعوده.

كما يتم استغلال التصفيق أيضا من قبل السياسيين للتلاعب بالجمهور. فمن خلال اشاعة وهم الحصول على التأييد الشعبي يمرر السياسي اجندته الشخصية او الحزبية، ويتمكن من تحقيق برنامجه على حساب المصفقين أنفسهم.

لذا من درجات الوعي الانتقال من ثقافة التصفيق الى ثقافة طرح الأسئلة ومناقشة الأفكار، والتواصل مع السياسيين، والمشاركة في الشأن العام، وهي السبيل للمساهمة في خلق بيئة سياسية صحية تُشجع على الحوار والتفكير المشترك وتُؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل.