شرقاً.. النفط الخليجي في عالم متقلب

"الحزام والطريق" يتوسع من كونه مبادرة اقتصادية صينية إلى مرتكزات لعلاقة الخليج مع كتل آسيا الصاعدة، وخصوصا الصين والهند.

في ظل التحولات الجيوسياسية، تتجه دول الخليج نحو تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية. ورغم أهمية العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة، فعلى دول الخليج السعي إلى اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية أكثر مرونة، وذلك من خلال تنويع شراكاتها الاقتصادية.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً حذرًا في توجيه صادرات النفط الخليجية، أو في جزء منها على الأقل، حيث تنوعت بين الأسواق التقليدية في الغرب والأسواق الناشئة في آسيا. ويشكل هذا المنحى خطوة مهمة في تعزيز المرونة الاقتصادية، وهو أمر مستحق، فلم يعد تنويع مصادر الدخل خيارًا، بل أصبح ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة.

اما المعطيات الاقتصادية، فيبرز من جهة أولى ازدياد الطلب على الطاقة من قبل الاقتصادات الآسيوية، ولاسيما الصين والهند، وهما بلا شك المحرك الرئيسي لهذا التحول. فمع التوسع الصناعي السريع ونمو الطبقة المتوسطة، ارتفعت احتياجات هذه الدول من الطاقة بشكل كبير، مما جعلها أسواقاً واعدة لشركات النفط الخليجية.

كما استجابت هذه الدول بإيجابية للمبادرة الصينية "الحزام والطريق"، مستفيدة من التمويل الصيني لتعزيز البنية التحتية والتعاون التجاري، مما ربطها بشكل أكبر بأسواق آسيا وأوروبا وأفريقيا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج 250 مليار دولار في عام 2023.

وتُمثل آسيا السوق الأساسية لصادرات النفط والغاز الخليجية، حيث تستحوذ على أكثر من 70% من إجمالي الصادرات. وتتصدر الصين والهند قائمة أكبر المستوردين، مدفوعين بالنمو الاقتصادي السريع وزيادة الطلب على الطاقة.

ويمثل انضمام الإمارات والسعودية إلى مجموعة البريكس خطوة في اتجاه مشاركة دول الخليج في التخفيف من الهيمنة الغربية الأحادية على مصادر الطاقة العالمية، والتي طالما شكلت تحدياً للاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة.

اما المعطيات السياسية، فان تحرك صادرات النفط لدول الخليج نحو آسيا انما يعكس التغيرات الجارية في طبيعة العلاقات الدولية. وعلى الرغم من طبيعة العلاقات الخليجية الأميركية الوثيقة، فان ذلك لم يمنع من سعيها لتوسعة دائرة الشركاء الدوليين، مدفوعا بالقلق من الانحياز الاميركي لتعزيز المصالح الاسرائيلية على حساب أمن المنطقة.

يشكل هذا المنحى استجابة منطقية للتطورات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة. إن السعي لبناء شراكات جديدة، إضافة الى تعزيز التعاون الإقليمي يعكس الرغبة نحو تحقيق الاستقلالية في صنع القرار، وتأمين المصالح الوطنية، ومن خلال هذه الاستراتيجية، تسعى دول الخليج إلى بناء نظام إقليمي أكثر توازناً وتعاوناً، بما يخدم مصالحها على المدى الطويل.

ومع ذلك، يواجه هذا التحول تحديات جسيمة، أبرزها الحاجة إلى إدارة دقيقة تَحُول دون الانزلاق في فخاخ الصراعات الدولية، خاصة وأن الحرب الدائرة حاليًا تمثل "منعطفًا حرجًا". فالتحولات المتوقعة قد تكون مفاجئة وجذرية وعنيفة، مما يستوجب الحذر الشديد من مغامرات باهظة التكلفة قد يقدم عليها قادة الولايات المتحدة المتهورة.