إعادة الإعمار.. الهاجس التالي لما بعد الحرب
وفقا لأحدث التقارير فإن فاتورة خسائر اسرائيل الاقتصادية جراء الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ عشرة أشهر قد تجاوزت 67 مليار دولار فيما قدر تقرير لوكالة بلومبرغ تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة بحوالي 80 مليار دولار، وعلى كل حال فإن اسرائيل لها من الميكانيزمات الإقتصادية والاستثمارات الأجنبية والاحتياطات النقدية والحلفاء والأصدقاء ما يمكنها من تدارك هذه الخسائر والتعافي، أما عن قطاع غزة فالخسائر تتجاوز الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني ب 5 أضعاف والدعم العربي والغربي للسلطة الفلسطينية بالكاد يكفي لتغطية عجز الموازنة المزمن.
منذ وصول حماس الى الحكم عاشت غزة جولات من الحروب والمواجهات العسكرية الدامية حولتها إلى رقعة جغرافية محاصرة ومفصولة سياسيا وإقتصاديا عن الجزء الآخر مما تبقى من فلسطين 67 ولم تتمكن أي من الحروب السابقة من تغيير المعادلة أو إسترجاع جزء بسيط من أراضي فلسطين 48 وهي نتيجة منطقية نظرا للفارق الشاسع في القوة العسكرية.
ولو إفترضنا جدلا أن حماس ستخرج منتصرة في هذه الحرب وستتمكن من البقاء وأن السنوار سيخرج من الأنفاق ليعلن خطاب النصر ويعد الغزيين بحياة أفضل ما بعد السابع من أكتوبر فهل بإمكان حركة حماس الاستمرار في الحكم فوق ركام الأنقاض؟ وهل بإمكان حلفائه وفي مقدمتهم إيران أن يحشدوا الدعم المالي الكافي لعودة جزء بسيط من الحياة اليومية التي اعتادها الغزيون ما قبل السابع من أكتوبر رغم أنها في الأصل كان توصف بالأوضاع السيئة؟ قطعا لا، فحماس رسمت نهايتها السياسية بطوفان الأقصى وفقدت مجمل قدرتها العسكرية ومن المستحيل أن تعود لحكم قطاع غزة إلا إذا مكنها نتنياهو من ذلك.
التكلفة المادية والبشرية لطوفان الأقصى تجاوزت كلفة الحروب الخمسة التي خاضتها حركتا حماس والجهاد الاسلامي والنتائج المحصلة قد يصح وصفها بالعكسية، رغم النفخ الإعلامي الذي تمارسه جهات لها مصلحة من بقاء أذرع إيران في المنطقة، والتحدي الأكبر لن يكون في شكل السلطة التي ستحكم القطاع ما بعد وقف الحرب بل في مشكلة ايجاد آلية تمويل قادرة على التعامل مع الحجم الهائل من الضرر الذي وقع على البنية التحتية، خاصة وأن تركة طوفان الأقصى ثقيلة جدا وليس بالإمكان أن تتحملها ملايين الدولارات من لجنة إعمار غزة القطرية أو ملايين الدعم العربي الذي لم يعد سخيا.
يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا إلى أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة قد تستغرق 10 سنوات على أقل تقدير ما بين رفع ركام الحرب والبدء في مشاريع الاعمار واستعادة البنية التحتية والخدمات عافيتها الكاملة، هذا في حال لم تعرقل اسرائيل تحويل الأموال واستيراد المواد الضرورية في عملية البناء وفي حال لم يتخلف الداعمون العربيون والغربيون عن وعودهم بالدعم المالي لأسباب سياسية كما كان الحال في الحروب السابقة.
وجود مليوني شخص في بقعة جغرافية توقفت فيها جل المصانع ومؤسسات الإنتاج والخدمات عن العمل يعني أننا بحاجة الى دعم مالي كبير لسد احتياجات الأسر وكلفة المساعدات الإنسانية التي سيتعين على السكان تلقيها لسنوات حتى تعود غزة إلى مستويات ما قبل أكتوبر 2023 ستكون أيضا من بين الهواجس الكبرى التي تنتظرنا ما بعد وقف إطلاق النار.
الصورة السوداوية للوضع العام في قطاع غزة لا تعني بالضرورة أن الحياة أصبحت مستحيلة هناك وأنه لا فائدة من الحديث عن مستقبل مشرق بعد كل الخراب الذي لحق، صحيح أن طوفان الأقصى كان مغامرة ارتدت بشدة على الغزيين لكنه بلا شك سيرسم مشهدا مغايرا لمستقبل قطاع غزة بعيدا عن آتون الحروب ومعه بصيص أمل في تحريك عملية السلام التي لابد أن تؤدي الى إعادة تفعيل حل الدولتين كأساس واقعي وعقلاني وعادل.