عادل حربي يستكشف توظيف الطقوس الشعبية السودانية في إعداد الممثل

دراسة 'فن التمثيل.. والموروثات الثقافية المحلية' تسير وفق منهج وصفي تحليلي لبحث الحقائق المتعلقة بالظواهر الطقوسية والممارسات الشعبية وتوضح عناصر الأداء فيها ومدى التشابه والاختلاف بينها وبين فن المسرح والتمثيل بصفة خاصة.

الممثل السوداني قد تدرب على مناهج أوروبية متنوعة. ارتبطت بثقافات وتجارب وافدة.. ولكن المعروف أن السودان يزخر بالظواهر الطقسية والممارسات الشعبية بحكم تنوع المنابع الثقافية والحضارية والإثنية والتي لم يتم الاستفادة منها في طرق أداء الممثل الصوتية والتعبير الجسدي والطاقات الخلاقة، رغم تأثيرها الإيجابي على تكوينه البيولوجي والنفسي.. انطلاقا من هذه الرؤية للناقد المسرحي السوداني عادل حربي تأتي دراسته "فن التمثيل.. والموروثات الثقافية المحلية" التي يحاول فيها استكشاف إمكانية توظيف الممارسات والطقوس الشعبية السودانية في إعداد الممثل والتي يمكن أن يكون لها التأثير الإيجابي الفاعل في إطار معملي على أساس أسلوب الورشة المسرحية! كإسهام علمي من الناحيتين النظرية والتطبيقية.

وعليه يسير حربي في دراسته الصادرة عن الهيئة العربية للمسرح وفق منهج وصفي تحليلي لبحث الحقائق المتعلقة بطبيعة الممارسات الشعبية والطقوس الشعبية السودانية، ودراسة المواقف وتحقيقها، كما قام بتحليل الظواهر الطقوسية والممارسات الشعبية من المجتمع الأصل، حيث أوضح عناصر الأداء فيها ومدى التشابه والاختلاف بينها وبين فن المسرح والتمثيل بصفة خاصة، يقول "في بحوثي الميدانية استعنت بالعديد من الأدوات منها: المشاهدة الحية في ساحة الأداء الطقسي أو الشعبي ـ المقابلات الشخصية المدونة أو المسجلة، فيديو أو شريط تسجيل (تسجيل صوت) ـ الشرائح الفيلمية والتسجيلات التليفزيونية للممارسات والطقوس الشعبية المختلفة ـ الصور الفوتوغرافية ـ المقابلات الشخصية لذوي الخبرة من مؤدي وممارسي ومدربي هذه الطقوس وذلك بالمقابلة الشخصية المدونة أو المسجلة على الفيديو أو الراديو كاسيت ـ وثائق من دراسات وبحوث فولكلورية من مركز دراسة الفلولكلور في مصلحة الثقافة والإعلام بالخرطوم ومن معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية بجامعة الخرطوم.

ويوضح أنه اهتم بالدراسات المسحية في الحدود الجغرافية للسودان، بيد أنني قمت باختيار عينات مختارات تعطي كنماذج للأقاليم السودانية المختلف، والتي تتوفر فيها أغلب السمات الأساسية لمادة البحث وقد أدى اتساع المساحة الجغرافية والتباين العرفي وتنوع الممارسات والطقوس باختلاف الأقاليم إلى إعطائي مساحة واسعة لاختيار العينات.

ويرى حربي إن الممارسات والطقوس الشعبية ظاهرة اجتماعية تكمن فيها نواة فن المسرح، وترى ذلك جليا في الشعائر والممارسات والطقوس الدينية التي تمارسها الشعوب البدائية التي لها مضمون درامي واضح، كما هو الحال مثلا في رقصات الحرب التي تهدف بث الذعر والخوف في الأداء وإيقاظ المحاربين من أفراد القبيلة التي تسير فيها تلك الأحداث بما يحقق لها الفوز والانتصار في آخر الأمر، ويشير أحمد أبو زيد في دراسته "ما قبل المسرح" إلى أن الكثير من الشعائر الدينية والممارسات والطقوس التي تتضمن بعض الملامح والعناصر المسرحية، وتقوم على الأداء المسرحي البسيط لدى الشعوب البدائية، بما في ذلك الصلوات والأدعية وتقديم القرابين، وتدور حول محاكاة الأحداث التي يراد وقوعها وحدوثها بالفعل والطريقة التي تقوم بها أثناء هذه العروض شبه المسرحية ذات الطابع الديني.

ويضيف "مثلا، نجد في السودان ممارسة طقوس "عادة جدع النار" التي تمارسها قبائل الفونج، والبرتا والوطاويط والبرون، وتمارس هذه العادة وطقوسها على حسب رواية الراوي صالح البشير محمد ـ 70 عاما ـ "تعتبر عادة جدع النار من العادات القديمة التي ظل يمارسها الناس منذ أمد بعيد، فهي عادة ترجع إلى أيام رجم يدنا إبراهيم الخليل، فعندما غضب الفرعون عليه ألقي به إلى النار، ورجم، فأصبحت عادة الرجم أو الجدع باللغة الدراجة، عادة يمارسها المشركون الذين فرحوا لرجم سيدنا إبراهيم، ومن ضمنهم الآن البرتا، فما زالوا متمسكين بهذه العادة الوثنية.

ويلفت حربي إلى أن المسرح نشأ من الحاجات الإنسانية منذ فجر التاريخ، يتجه بالضرورة نحو الآلهة والأرواح العليا، ويصطبغ بصبغة دينية واضحة واستمرت الإنسانية تعبر عن تلك الحاجات لآلاف السنين قبل أن تتبلور في صورتها الراقية المتكاملة عند الإغريق.

ويرى أن استغلال المناهج الأوروبية في المعامل والورش المسرحية السودانية للممارسات والطقوس الشعبية والتقاليد السكانية العملية والتي تؤكد إمكانية الاستفادة منها في محورين: الأول محور الاستفادة من شكل الممارسات والطقوس والجوانب المتعلقة بها مثل الحركة والصوت والقدرات الداخلية الخلاقة من تركيز وخيال وإدراك ومثال لهذا المحور: اليوجا الهندية بأنواعها المختلفة. ثانيا محور الاستفادة من جوهر الممارسات والطقوس ودراسة ما وراءها من قيم وتراكمات ثقافية في الاستعانة بأسلوب استنباط واستلهام التدريبات والتمارين التي ساهمت في تطوير فن الممثل ابتداء من ستانسلافسكي وإلى اليوم، وقد أتى محور هذه الاستفادة عن طريق التأمل والدراسة والتطبيق المستمر.

يؤكد حربي أنه برغم تنوع وتعدد تمرينات إعداد وتدريب الممثل السوداني، إلا أن هناك ما يوازيها من ممارسات شعبية في التراث السكاني المتعدد والمتنوع والموروثات المحلية، وأن هناك تشابها في خطوط حركة التمرين الجسدي واتجاهه وحدوده، والتي تفوق قدرة الممثل ـ أحيانا ـ من حيث مرونة المفاصل وإطالة عضلاتها، والمهارة في الأداء، وهناك ما يوازيها من إمكانيات صوتية وقدرات داخلية خلاقة من تركيز وإدراك وخيال.

توصل إلى إمكانية تطوير التدريبات على مستوى البيئة "تدريبات مباشرة، تدريبات غير مباشرة"، والتي استطاع المؤدي الشعبي عن طريقها أن يخلق منهجا تدريبيا متوارثا عبر الأجيال بواسطة الملاحظة والتقليد والتكرار، أدى إلى خلق مهارات ترتبط بالمجتمع وأفكاره ومعتقداته وخبراته الثقافية.