تقسيم العراق.. مديات التقسيم واللاعبين الاساس

بعيدا عن التقسيم العرقي والطائفي الذي يخشاه العراقيون، ثمة محاصصات في مجال الطاقة تجري على قدم وساق من خلال توزيع عقود الغاز والنفط بين الصين وروسيا والولايات المتحدة.

تظهر وتعلو بين الفينة والاخرى الاصوات الداعمة لضرورة إنشاء الاقاليم في العراق وعلى أساس المذهب والقومية، وهو الامر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول النية والمبتغى من هذا الإعلان. فالملاحظ ان المحافظات العراقية بجميعها تعيش حالة الاستقرار السياسي والامني، وهي في طور تحقيق نقلة نوعية في مجال الاستثمار والاعمار، وهناك خطوات لا بأس بها في مجال الخدمات. أما فيما يخص التجربة الكردية والتي بدأت وتأسست في سبعينيات القرن الماضي، فهي تختلف لأنها عبرت عن مكون قومي واحد له خصوصيته التي تعبر عن عاداته وتقاليده الموروثة.

أدوات التقسيم لا تبدو سياسية فقط، بل يمكن النظر الى أبعد من ذلك. فربما الموارد النفطية تكون عاملاً مساعداً في عملية تقسيم البلاد، خصوصاً وان العالم يتنافس من أجل السيطرة على القطاع النفطي في العراق، فهرولت الشركات الصينية للسيطرة على هذا القطاع الحيوي والذي يعد المصدر الوحيد لمعيشة الفرد العراقي. في الايام الماضية شهد العراق اعلانا في مجال النفط والغاز، من خلال جولة التراخيص، إذ فازت الشركات الصينية بمعظم العقود الـ13 لحقول النفط والمواقع الاستكشافية التي منحتها وزارة النفط في احدث جولة من التراخيص، ما يعني أن تطوير هذه الحقول سيضيف حوالي 850 مليون متر مكعب من الغاز الى إنتاج البلاد، وهذا ما يتماشى مع طموحات الصين بالسيطرة على كافة العقود القادمة في مجال الغاز ومسك الارض العراقية لعقود زمنية، وهو امر سيشكل جزءا كبيرا من مستقبل الصين السياسي والاقتصادي. وبالمقابل سارعت الولايات المتحدة وحلفائها الى إيقاف هذا التمدد على الارض العراقية من خلال إبرام صفقات أخرى للنفط والغاز ولعل أبرز ما في هذا الامر هو الصفقة الرباعية الاطراف بقيمة 27 مليار دولار من خلال شركة توتال إنيرجي الفرنسية.

امتدت عقود النفط والغاز الصينية في العراق لتسيطر على ما يقارب ثلث احتياطات النفط والغاز العراقي المؤكدة بالاضافة على ثلثي انتاجه الحالي، وهي خطة اعدتها بكين منذ فترة طويلة وتعمل بهدوء بهذا الجانب، وبمجرد انهت القوات القتالية للتحالف الدولي في العراق مهمته عام 2021 حتى سارعت الشركات الصينية بعقد صفقة لاستيراد النفط العراقي بقيمة 2 مليار دولار ولمدة خمس سنوات، وهذا ما يعكس دقة العمل والسياسة الصينية في العراق، ويأتي بدقة العقود التي أبرمتها الشركات الروسية مع اقليم كردستان منذ عام 2017، والذي اعطى موسكو سيطرة فعالة على جميع منشآت النفط والغاز في الاقليم.

بالرغم من أن الولايات المتحدة ما تزال تتمتع بنفوذ كافٍ للضغط على الحكومة العراقية في توسيع شروط الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين، الا ان بغداد منحت بكين الافضلية في جميع عقود النفط والغاز وبسعر مخفض، وفي عام 2021 توسعت الصين في العراق وذهبت الى أبعد من الغاز والنفط من خلال منح عقود للشركات الصينية في بناء البنى التحتية في جميع أنحاء البلاد، وخير مثال على ذلك عقد بناء مطار ذي قار الدولي والذي حل محل قاعدة الامام علي العسكرية، حيث سيستخدم جزء من هذا المطار لعمليات النقل الجوي بين العراق والصين.

الوضع لاقتصادي دخل على الخط في تقسيم العراق بين القوى الدولية عل أسس المصالح الاقتصادية، وهذا ما يفسر التنافس المحتدم من أجل السيطرة على قطاع الطاقة في البلاد، كما أن ظاهرة التقسيم لا تعني بالضرورة تقسيماً طائفياً او قومياً، بل ربما يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تكون اخطر من الاهداف الطائفية، في مسعى جديد لتقسيم جديد مبني على أساس دوافع ظاهرية مبناها الاقتصاد ولكن في العمق بعداً يحمل راية سايكس بيكو جديد.