'اليمن وعالم المحيط الهندي' تبادل تجاري وثقافي وديني

كتاب الباحث د.عبدالرحمن حمود سيف الزبيري يستعرض على جزئين علاقة البلد بعالم المحيط الهندي قديمًا وحديثًا.

يستعرض هذا الكتاب " اليمن وعالم المحيط الهندي" للباحث د.عبدالرحمن حمود سيف الزبيري والذي جاء في جزءين علاقة اليمن بعالم المحيط الهندي قديمًا وحديثًا انطلاقا من أنه لا يمكن الحديث عن التجارة في الشرق الأوسط القديم والعصور الوسطى دون الحديث عن اليمن القديم وعن اليمن في العصور الوسطى، حيث ارتبطت التجارة العالمية في فترة ما قبل الميلاد بجنوب الجزيرة العربية كوسيط تجاري بين الهند وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط والشام وبلاد الرافدين، وتشكلت هنا ما تعرف بشبكة جنوب الجزيرة العربية التجارية التي كانت عبارة عن شبكة بحرية يقع مركزها هنا ليمتد إلى الهند وسيلان والصين، ومصر وشرق أفريقيا، ثم لترتبط هذه الشبكة من مركزها هذا بشبكة برية بواسطة القوافل لتصل إلى بلاد ما بين النهرين وسواحل البحر الأبيض المتوسط وبلاد الشام.

رأى الزبيري في كتابه الصادر عن مؤسسة أروقة أن دور اليمن وممالكه القديمة كمعين وسبأ وحضرموت، وسبا وذو ريدان ويمنات أو العربية السعيدة كما كان يسميها اليونان والرومان القدماء لم يقتصر على التجارة فقط، بل لقد نقلوا الثقافات والتصورات الدينية والأسطورية واللغات من مكان إلى آخر في رحلاتهم البحرية والبرية، وأقاموا علاقات تجارية مع ممالك الهند وخاصة ممالك الساحل الهندي وسيلان ومملكة التاميل. لقد كانت اليمن مركز العولمة التجارية والاقتصادية في العصر القديم ومحركها المباشر. لقد بنت اليمن حضارة عتيدة وإمبراطورية واسعة دون الحاجة إلى قوات عسكرية للهيمنة والسيطرة، لقد كانت هيمنتها تعتمد على العلاقات الناعمة من خلال الأعمال التجارية.

وأوضح إن الحديث عن المحيط الهندي وعالمه الخاص حديث ذو شجون فقد كانت ولا تزال أمواجه تغسل الساحل الشرقي الأفريقي وساحل بلاد الهند وما جاورها حتى بحر الصين الجنوبي، ويقول البعض إن البحر الأحمر وخليج فارس ليسا إلا امتدادين لهذا المحيط يطوقان جزيرة العرب من جهات ثلاث مع بحر العرب وخليج عدن، والأمر كذلك وفي الحقيقة فالأمر هو كذلك. ويتعرض الكتاب في جزئه الثاني لعالم المحيط الهندي، عالم التنوع البيئي واللغوي والحضاري والعرقي المرتبط بالرياح الموسمية التي تهب شتاء وصيفًا. انتقل البشر والطير والحيوان والنبات على شواطئ المحيط الهندي من مكان إلى آخر وخارج إطار المحيط ولكل سببه وهدفه وغرضه الذي يسوقه من مكان إلى آخر. عالم ساحر متناقض يكمن غناه في تناقضه وتنوعه ثقافة وأعراقا وأديانا ولغات. لقد شكل هذا التنوع عالم سحري جميل، تعايش فيه الناس واللغات والأديان والمعتقدات والعادات والتقاليد المختلفة والمصالح التجارية المختلفة على شواطئه، حيث أدرك الناس أن مصالحهم مرتبطة ببعضهم، وهكذا الحال بالنسبة لرخائهم، عبدوا آلهة متعددة، تعايشوا وتزاوجوا، واختلطت الأجناس واللغات في هجين متميز جميل، ناهيك عن التنوع البيئي للبلدان التي تشاطئه فمن هذه البيئات المختلفة ومكوناتها الحيوانية والنباتية استمدت التجارة في عالم المحيط الهندي وما يرتبط به مادتها وعنصر قوتها التي لا ينازعها فيه أحد إلى وقت قريب.

وأضاف أنه من هذا المحيط قدم الرخاء إلى اليمن قديمًا وفي العصر الوسيط وقدم أيضًا المستعمرون الغاشمون، الذين قدموا في البداية كقراصنة بحر تهجم وتقتل وتنهب دون رحمة لمن يجدونه في طريقهم في هذا المحيط الواسع، ثم تحولوا إلى مستعمرين غزاة ضاقت منهم الجغرافيا ومن عليها من بشر، وجاؤوا بقيمهم وأساطيلهم وجنودهم ورغم بقائهم لعشرات العقود إلا أن المنطقة ظلت رافضة لهم وطردهم عالم الحيط الهندي بعد زمن، وبقي هذا العالم أمينًا لعاداته وتقاليده وتنوعه الثقافي والديني والعرقي. كان جنوب الجزيرة العربية ناقلاً للبضائع والثقافات، ساهم جنوب الجزيرة العربية في نقل الثقافات والآلهة والأساطير واللغات واللهجات من خلال رحلات التجار البحرية على سفن شراعية استخدموا الأشرعة فيها حينًا والمجاذيف حينًا آخر منذ ثلاثة آلاف عام أو يزيد قبل ميلاد المسيح عليه السلام، للانتقال موانئ الهند تارة والعودة إلى موانئ اليمن في حضرموت وقنا وعدن، حينًا أو الإبحار إلى موانئ شرق أفريقيا لنقل بضاعة من الهند والعودة ببضاعة إلى موانئهم لأغراض التجارة البرية على القوافل باتجاه الشام وبلاد ما بين النهرين وإلى مصر عبر مدن وواحات وصحاري جزيرة العرب. كانت المئات من الجمال وربما الآلاف تتحرك جيئة وذهابًا بعضها يحمل الجمالة وبعضها يحمل البضائع، وبعض منها يحمل المؤن والأغذية.

ويتابع اللغة على امتداد جزيرة العرب وحتى مشارف الشام ومشارف بلاد ما بين النهرين كانت هي اللغة العربية المختلفة اللهجات، ولم تكن هذه اللغة غريبة عن مجتمعات بلاد الشام القديمة ومجتمعات ما بين النهرين ومصر، كما أن اللغات المحلية فيما بين النهرين وبلاد الشام لم تكن غريبة عن العربية فقد امتزجت بها وشكلت فروعًا للغة السامية منذ 6000 سنة قبل الميلاد أو يزيد، وإن اختلفت لغة فهي لا تكاد تخلو من مشترك لغوي. وكان تجار جنوب جزيرة العرب بنقلهم للبضائع من الهند وأفريقيا ينقلون في الوقت نفسه جزءًا من ثقافة الشعوب الهندية والأفريقية كثقافة الأطعمة واستخدام البهارات، وثقافة الحلي والملابس واستخدام العطريات في التبخير والدواء، كانوا ينقلون شيئًا لا يكاد يرى من علوم هذه البلدان إلى بلدان أخرى، ولكنه كان بالغ الأثر مع الزمن.

ولفت إلى أن المحيط الهندي عالم التنوع البيئي واللغوي والحضاري والعرقي المرتبط بالرياح الموسمية التي تهب شتاءً وصيفًا. انتقل البشر والطير والحيوان والنبات على شواطئ المحيط الهندي من مكان إلى آخر وخارج إطار المحيط ولكل سببه وهدفه وغرضه الذي يسوقه من مكان إلى آخر. عالم ساحر متناقض يكمن غناه في تناقضه وتنوعه ثقافة وأعراقًا وأديانًا ولغات. لقد شكل هذا التنوع عالم سحري جميل، تعايش الناس واللغات على شواطئه حين أدركوا أن مصالحهم مرتبطة ببعضهم، وهكذا الحال بالنسبة لرخائهم، عبدوا آلهة متعددة، تعايشوا وتزاوجوا، واختلطت الأجناس واللغات في هجين متميز جميل. ناهيك عن التنوع البيئي للبلدان التي تشاطئه فمن هذه البيئات المختلفة ومكوناتها الحيوانية والنباتية استمدت التجارة في عالم المحيط الهندي وما يرتبط به مادتها وعنصر قوتها التي لا ينازعها فيه أحد إلى وقت قريب. لقد ارتبط تاريخهم ببعضهم، وفي حالات ما ارتبطت الجغرافيا والتاريخ واللغات والأعراق لتشكل سيمفونية الحياة على شواطئ المحيط الهندي من فترات بعيدة جدًا في غياهب العصور القديمة قبل الميلاد، وقبل أن تصل إلى ما بين 4000-6000 ق. م لتصبح أكثر وضوحًا وثباتًا، ولتستمر بعد الميلاد وبعد ظهور الإسلام. ولكل مرحلة تاريخها المميز وثقافتها المميزة ومعتقداتها الدينية التي صارت جزءًا من ثقافتها وارتبطت بالعادات والتقاليد لكل الشعوب المرتبطة بالمحيط الهندي بشكل مباشر أو غير مباشر، ولولا التاجر المصري المجهول صاحب كتاب الطواف لما عرفنا الكثير عن المحيط الهندي وعالمه، ونتعرض لعالم المحيط الهندي وعلاقته باليمن وحضارتها وإمبراطوريات البخور والرياح الموسمية في هذا الكتاب.

وكشف أن سيطرة الرومان والبطالمة، ثم البيزنطيين على طرق التجارة البحرية والبرية أدت دورًا كبيرًا في إضعاف الدولة اليمنية وعدم قدرتها على تحمل أعباء الحفاظ على المنشآت المائية كالقنوات والسدود بما فيها سد مأرب، إلى جانب عدم قدرتها على الإنفاق على الحاميات وحماية الطرق البرية، وحماية البلد من الغزو الخارجي، ولكن الحروب الدينية الداخلية بين اليهودية والمسيحية والصراعات القائمة على أسس اقتصادية، وكذلك الأطماع الخارجية لعبت دورًا كبيرًا في إذكاء هذه الصراعات وأدت التشتت اليمني وانهيار الدولة اليمنية واستيلاء الأحباش ثم الفرس على اليمن.

ورأى أن اليمن بعد الإسلام تركت لمصيرها ولم تكن قريبة من دولة الخلافة الإسلامية ولم تحظ بأي اهتمام كان، رغم أن قوام جيش الفتح الإسلامي كان من اليمن، وكانت دولة الخلافة تنظر لليمن كأرض لاستقدام الأجناد وجمع الزكاة ونهب الخيرات من خلال الولاة المتعاقبين على اليمن وفي عهد الخلافة الإسلامية تمت تجزئة اليمن إلى عدة ولايات حتى قيام الدولة الوطنية. وقد ازدهرت التجارة اليمنية بعد الإسلام في عهد الدولة الصليحية نسبيًا، لأن العهد الصليحي كان عهد صراعات داخلية حادة، وكانوا إسماعيليي الولاء، ثم في عهد الدولة الأيوبية، وفي عهد الدولة الرسولية والدولة الطاهرية. الا أن عهد الدولة الرسولية كان الأكثر ازدهارًا في اليمن بعد الإسلام إن لم يكن الأكثر ازدهارًا على الإطلاق، وقد احتكرت التجارة في البحر الأحمر وسيطرت عليها سيطرة كاملة، وامتد نفوذها الديني إلى ساحل مالابار ومدن الساحل الهندي المجاورة. وكان البحر الأحمر وبوابة الدموع (باب المندب) ومواني خليج عدن وبحر العرب والجزر المرتبطة بها محل أطماع خارجية، عبر عنها التحالف الإثيوبي الروماني قديمًا، ولا تزال حتى اليوم موقعًا مهمًا للأطماع الخارجية، وخاصة بعد شق قناة السويس، حيث أصبح البحر الأحمر وبحر العرب ممرًا مهمًا للتجارة الدولة، وقد كان قديما كذلك أيضًا. وقد اتجهت أنظار الكثير من الدول نحو البحر الأحمر وخليج عدن وتمثل ذلك بقدوم البرتغاليين والأتراك وكان ذلك إيذانا بعصر جديد هو عصر الاستعمار الذي لا يزال مهيمنًا حتى اليوم بطرق وأساليب وأشكال مختلفة وأوجه متعددة.