فاطمة بوهراكة تجتهد في توثيق الشعر العربي المعاصر
تُعَد أعمال التوثيق من الأعمال العلمية الشاقة، ولا سيَّما في عصر التكنولوجيا والانفتاح المعلوماتي، بخلاف ما هو مفترَض؛ فقد كان ينبغي أن يساهم التطور التكنولوجي في سهولة الحصول على المعلومة دون أدنى معاناة، بينما الواقع خلاف ذلك تمامًا؛ فقد أدى ذلك التطور التكنولوجي وقنوات التواصل الاجتماعي المتزايدة يومًا بعد يومٍ؛ إلى تمكين كل إنسان من أن يكتب ما شاء ويقول ما شاء ويصف كلامه بما شاء، حتى أصبح كثيرٌ من الناس في مواقع التواصل يدَّعون لأنفسهم مجالات لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، وقد نال الشِّعر النصيب الأوفر من تلك الادِّعاءات، وهؤلاء المدَّعون يجدون لأنفسهم وسائل نشرٍ إلكترونية وورقية تشجعهم وتدعمهم، من الصحف والمواقع غير المرخصة، التي تم تأسيسها بواسطة مدَّعين أمثالهم.
هذه هي الأجواء التي تواكب قيام الأديبة والباحثة المغربية فاطمة بوهراكة بتوثيق شعر الفصحى في بلادنا العربية، ومنها موسوعة شعراء مصر (من 1953: 2023م) التي تقوم بتوثيقها هذه الأيام، وفي ظل الأجواء التي سبق توضيحها؛ سنجد أن فاطمة بوهراكة تواجه عدة صعوبات، يمكن إجمالها على النحو الآتي:
أولًا: عدد كبير من الشعراء الذين وافاهم أجلهم قبل انتشار الشبكة العنكبوتية، لم تخرج أشعارهم خارج أوراق دواوينهم المطبوعة أو الأبحاث والأطروحات التي تناولت شذرات قليلة من أشعارهم، ولا ذِكر لهم في وسيلة نشرٍ أخرى، إضافة إلى صعوبة الحصول على بعض هذه الدواوين؛ التي قد لا يوجد منها سوى نسخة واحدة في بعض مراكز التوثيق في بلادهم.
ثانيًا: تقوم بعض دور النشر العامة والخاصة في كثيرٍ من بلادنا العربية بطباعة ونشر خواطر نثرية يسمُّونها شعرًا ويصفون كاتبها بالشاعر، وقد تفاقمت هذه الظاهرة مع ظهور مواقع التواصل، لذلك تجد بوهراكة أمامها مجموعة أوراق موصوفة بالشعر وما هي بِشِعر، وستُجهِد بوهراكة نفسها في تصفُّحها لتقف فيها على قصيدة فلا تجد.
ثالثًا: ظاهرة "الشللية" ونحوها على مواقع التواصل، التي يتم من خلالها منح الألقاب الأدبيَّة المزيفة؛ تضيِّع وقت الباحث والمحقق في تتبُّع ما يُثار، ثم يجده هباء منثورًا.
رابعًا: كثرة الانتحال الذي يمارسه بعض روَّاد مواقع التواصل؛ الذين ينقلون في صفحاتهم أشعارًا مجردة من اسم صاحبها، ثم تأتي بعض المواقع الإلكترونية الدخيلة التي قد يصفها أصحابها بالمواقع الأدبية، فتوثِّق هذه الأشعار بأسماء ناقليها، وهذا أمر معروف ومنتشر بكثرة على الشبكة العنكبوتية.
خامسًا: عدم إدراك بعض ذوي الموهبة المحدودة والشعر الرديء؛ الفارق بين التوثيق العلمي القائم على أسس منهجية راسخة، وبين الدَّعاية الإعلامية الكاذبة؛ وهو ما يجعلهم يرسلون إلى فاطمة بوهراكة سِيَرًا ذاتية وهميَّة لا وجود لها إلا في خيالاتهم المريضة، وهو ما يضاعف جهود بوهراكة في المتابعة والتحقيق قبل التوثيق.
سادسًا: كثرة الأخطاء النحوية والإملائية لدى بعض الشعراء من المبتدئين وذوي الموهبة المحدودة، وبعض هذه الأخطاء يؤثِّر في سلامة الوزن الشعري، وهنا يصبح على فاطمة بوهراكة أن تقوم بالمراحعة والتعديل، وهو ما يضاعف من الجهد ويضيِّع المزيد من الوقت.
سابعًا: العضويات العشوائية داخل الكيانات الأدبية في كثيرٍ من بلادنا العربية، وعدم إدراك بعض هذه الكيانات أن عملية التوثيق العلمي لا يمكن أن تتقبَّل مثل هذه العشوائيات.
إنَّ مشروعًا كهذا الذي تقوم به الأديبة العربية المغربية فاطمة بوهراكة؛ له أهميته العلمية الكبيرة على المستوى الأدبي والأكاديمي، فيجب أن يدرك ذلك شعراء وأدباء ومؤسسات كل بلدٍ تَجري له عملية التوثيق؛ حتى يخرج العمل بشكلٍ جيد بحيث يصلح أن يكون مصدرًا معتمَدًا موثوقًا بمادته كما تطمح الأديبة القائمة بهذا العمل الحيوي القيِّم، وبالنظر إلى الأجزاء التي تم الانتهاء منها وطباعتها، من هذا المشروع الكبير؛ نجد أنَّ فاطمة بوهراكة لديها الوعي الذي تستطيع معه أن تتغلَّب على ما يواجهها من صعوباتٍ فيما تبقَّى من مشروعها.