التشكيلية شيراز بلفقيه تعبر بالفن عن آمالها وهواجسها

الفنانة التونسية تقول إن العمل الفني لعبتها المفضلة وأنها ترسم لتجسد السعادة والفرح.

الفن مجال حلم وسفر حيث الكائن في بحث عن ذاته الموزعة بين تلوينات شتى في دروب اليومي وما يرافقها من شغف وحنين وتأمل.. شغف مقيم بالدواخل مفعم بالرغبة الجامحة لفهم ما يتشكل بالكينونة في صلتها بالعناصر والأشياء والتفاصيل وحنين جارف تجاه الالماعات الحافة بالذات في سيرتها منذ طفولة ما تزال تغذي الذات والروح بالبريء من الأشياء والأفعال وفق حالة من شاعرية النظر والتقبل.. والتأمل بما يعنيه من وعي حارق ثاقب أمام ما يعتري الكائن من أحداث وأفعال تستوجب جميعها الخلاصة فهما وقراءة وترجمانا..

الفن في حيز منه هو هذا الترجمان المعبر عن اعتمالات الدواخل القائلة بتلك الكيمياء لعناصر البهجة والانكسار والأمل والرغبات.. إنها عوالم الذات الفنانة وهي ترنو إلى الذهاب بعيدا في كنه الواقع وجوهر تفاصيله وتبدلاته.. ثمة تفاعلات بين هذه الذات التواقة للإبداع والتعبير والإفصاح عن الكنه وعنفوان حالاته وكل ما هو موضوعي مهم وغير مهم وفاعل وهامشي ومهمل.. إنها لعبة الفكرة والرؤية الفنية تمضي بالذات الفنانة والحالمة إلى مناطق مختلفة في هذا العالم قولا بالقيمة والسؤال..

من هذا الكون الفني نمضي إلى مجال فني تشكيلي تشتغل ضمنه ذات مضت في رحلة الفن بكثير من الحرقة والبهجة والأمل ولا يعنيها بالنهاية في كل ذلك غير القول بالكينونة وأحوالها ورغباتها في لعب مفتوح مع الأشكال والألوان مثل أطفال في مرح مفتوح لا يضاهى في براءته وتلقائية أدواته وأمكنته وتلويناته..

الفنانة التشكيلية شيراز بلفقيه تتعاطى ومن سنوات مع هذه اللعبة الفنية وفق رؤيتها القائلة بنبل الفن وشدة تعبيريته وبما يعبر عنه من آمال وهواجس وباعتباره حالة جمالية ووجدانية وإنسانية للتعافي والعلاج من أدران وسلبيات الواقع وخسارات وانكسارات كائناته..

وفي هذا السياق تقول الفنانة شيراز "الفن هو أيضًا حياة، لأن الحياة بذاتها عمل فني، سواء كانت حياة الطبيعة أو غيرها.. هي بلا شك أجمل الأعمال الفنية. وفي الجانب الفني أجد ذاتي التي تشبهني وتقودني إلى الأسلوب والأشكال والألوان والعنوان العام للعمل الفني، أستخدم الأكريليك والحبر الهندي وقلم الرصاص الزيتي، لكنني أحاول الابتكار من خلال الكولاج والنقوش والهياكل. لقد فسح ظلام العصر المجال للون، وهو مجال للتغيير الشخصي.. أصف رسوماتي بأنها فن تجريدي ساذج معاصر، الأشخاص والوجوه  في لوحاتي يروون قصة ويطرحون أسئلة حول العالم من حولهم، حول البيئة، وهذا الفضول سيجعل الذات الرسامة والمتقبل للعمل الفني في نماء وارتقاء وهذه الخلاصة والمقصود في فني... إنها رؤيتي للسعادة...".

وعن البدايات، فإن الفنانة شيراز بلفقيه ولدت في بيئة مثقفة من الجد إلى الأب والأم وبقية الأفراد بين الشعر وحب السينما، وتقول في هذا الجانب "والدي كان يأخذنا إلى قاعات السينما وكان عمري خمس سنوات وإلى متحف اللوفر حين سافرنا. فالثقافة موجودة في تقاليدنا وأخي الأصغر كان يرسم وحتى أطفالنا كان لهم ميل للرسم والتلوين ووالدتي تونسية أصيلة ولها بعض لوحات وأعمال الفنان الراحل عبدالعزيز القرجي ... هذه أجواؤنا التي كبرنا ضمنها وبها.. أنا درست بباريس وقد تعددت معارفي وتعلمت أشياء كثيرة ثم عملت بـ'قناة +' وانسحبت بعد ذلك وخلال 32 سنة 'أغلقت الباب على نفسي' وفي هذه العزلة والانكفاء فهمت وتعلمت الكثير وصولا إلى فترة الكوفيد 19 فاضت ذاتي بهذا الزاد الكبير واستلهمت من أعماق التجربة والإنسان وسعدت بكون الرسم والفن من الأهمية في خصوص التشافي وتعافي الذات التي مرت بظروف صعبة وقاسية وعصيبة وكانت سعادتي عارمة وفائقة حين لمست تقبل الناس لأعمالي الفنية ولوحاتي وهذا مهم في حياتي الفنية والعادية الإنسانية.. أشعر بالطمأنينة والأريحية حين أرسم بل إنني وجدت في الرسم ما بحثت عنه من زمااان.. استيقظت الطفلة بداخلي وصارت ترسم وكأنها توزع الحلوى على العابرين وصار حلمها تحويل العالم إلى علبة تلوين.. عشت تصدعات كثيرة في حياتي ولكن الفن رمم كل ذلك وأخذني إلى الفرح والسعادة... أنا لا أخطط لأعمالي.. أقف قدام اللوحة لأنطلق في حالة من الارتجال والانتشاء والرغبات تجاه الرسم والتلوين وفي داخلي فرح وذاكرة حية تشتغل لتدعو العمل الفني في هيئته الأخيرة وأتأمل القماشة والعمل الفني لتغمرني تلك السعادة التي لا تضاهى وخاصة مع حب الناظرين تجاه أعمالي المنجزة وخاصة في المعارض.. خلال الإنجاز أترك العنان للخيال يفعل فعله العميق في العمل الفني.. إنها لعبتي المفضلة وأنا أرسم في حالة من الأسر لخيالي وحساسيتي المفرطة.. إنني أرسم لتجسيد السعادة والفرح.. وهذا يعني لي الكثير... تجريدية وحلم وطفولة وتلقائية بداخلي وحالة من الاستمتاع بالفن تقودني إلى ضفاف شتى من السلام والهدوء والتماهي مع ذاتي في أعماقها... لقد عوض لي ربي ما ضاع مني وافتقدته خلال كل تلك السنوات الصعبة.. قادني الفن إلى عنواني الصحيح في زحمة العناوين...".

وتتابع "معارضي متعددة بتونس وخارجها بالرواق بسوسة ومع سالمة بن عائشة في السمبوزيوم الدولي وفي معرض 'بريفاس' وفي تظاهرة كبرى بسيدي بوسعيد.. بعض أعمالي بيعت بباريس وبالولايات المتحدة.. تعجبني تجربتي الفنانين العالميين كاندنسكي ودافنتشي.. أنا سعيدة بمواصلة تجربتي وأحلم بالإقامة بمكان في القفار بشكل تلقائي وطبيعي وأرسم.. حلمي هذا هو الإقامة المتفرغة للفن بمدينة ميامي.. لا أرجو شيئا في هذا الروتين الإنساني غير العمل الفني وتلقي الناس لأعمالي... تلك سعادة فارقة...".

هكذا هي الفنانة التشكيلية في هذا السفر الفني وفق تنوع جمالي تخيرته فمن لوحة إلى أخرى تلمس شيئا من ذات الفنانة وحلمها وسعادتها المستمدة من طفولة قديمة ما تزال تقيم فيها تبرز في الألوان والأشكال والأسلوب الفني المعتمد.. فنانة ورحلة بها الكثير من الرغبات والحب والحلم...