'مؤتمر الحيوانات' ضد جنون بشري لا ينتهي الا بنهاية العالم

رواية الكاتب والمسرحي الألماني إريش كستنر تشكل أمثولة رائعة لليافعين والبالغين على حد سواء، لم تفقد من راهنيتها شيئا.

كتب الروائي والمسرحي الألماني إريش كستنر لليافعين عدة أعمال، جلبت له شهرة عالمية، من بينها رواية "مؤتمر الحيوانات" ورواية "إميل والمخبرون"، وكلا الروايتين حظيتا بالترجمة إلى العديد من اللغات، في الرواية الأولى التي صدرت طبعتها الأولى عام (1949) يريد الفيل والحيوانات الأخرى عالمًا أفضل للأطفال وذلك بعد أن رأوا أن البشر يعقدون دائمًا اجتماعات للحديث عن منع الحروب لكنهم لا يفعلون شيئا، ولم يعد بمقدورهم خلق أساس للتعايش السلمي، لذا تدعو الحيوانات بقيادة الفيل إلى مؤتمر خاص بهم، وبالتعاون مع حيوانات من الشرق والغرب، ليساعدوا البشر خاصة الأطفال على خلق عالم من السلام. في الرواية الثانية التي صدرت طبعتها الأولى عام 1929 يحول كستنر مجموعة من الأطفال إلى شخصيات رئيسية، ليقدم رواية مثيرة للإعجاب بذكائها وروعة فكرتها مرتكزة على الواقع الاجتماعي لشخصياتها.

الروايتان ترجمهما أخيرا المترجم سمير جريس عن الألمانية وصدرتا عن دار الشروق، يقول بداية أشير إلى أنني قمت بتغيير بعض أسماء الحيوانات لتكون أسهل في النطق بالنسبة للأطفال. عدا ذلك فإن الترجمة صورة عربية أمينة للأصل الألماني. ويضيف إن "رواية "مؤتمر الحيوانات" تعد الرواية الأولى التي كتبها إريش كستنر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي قضاها كلها في ألمانيا، مُعارضا وممنوعا من الكتابة والنشر. فيها تقرر حيوانات الغابة عقد مؤتمر لإنقاذ الأرض، ومَن عليها من أطفال على وجه الخصوص، من جنون القادة ورجال الجيش الذين يشنون الحروب ويدمرون كل شيء، من الحروب والمجاعات والإضرابات. إنها أمثولة رائعة لليافعين والبالغين على حد سواء، لم تفقد من راهنيتها شيئا. هذه رواية عن جنون البشر الذي يبدو أنه لن ينتهي إلا بنهاية العالم.

ويلفت إلى أن الرواية "إميل والمخبرون" (1928) تعد أشهر أعمال كستنر على الإطلاق، وأشهر رواية لليافعين في ألمانيا، وهي حولت إلى فيلم سينمائي أو عمل مسرحي أكثر من مرة، وفي أكثر من بلد، وترجمت إلى قرابة الستين لغة. وليس هناك ألماني لم يقرأ في صباه لإريش كستنر (1899 – 1974) الذي تنوعت أعماله بين أدب اليافعين والرواية والمسرح والشعر، هذا بالإضافة إلى شهرته كصحفي. اشترك كستنر في الحرب العالمية الأولى، ثم واصل دراسته في جامعة لايبتسج حتى نال في عام 1925 درجة الدكتوراه في الأدب الألماني. عبر أشعاره الساخرة حقق كستنر شهرة واسعة داخل وخارج ألمانيا، لا سيما بأعماله الموجهة لليافعين التي نجحت أعمال لأنه قدم فيها نبرة جديدة، تبتعد عن الوعظ والإرشاد المباشر، ويظهر فيها الأطفال واليافعون أشخاصا أذكياء، مستقلين، معتمدين على أنفسهم، متعاونين، وعقلانيين متحررين من الخوف. وقد طغت شهرة كتبه لليافعين على بقية أعماله السابقة واللاحقة. حصل كستنر على عديد من الجوائز الأدبية، منها جائزة "جيورج بوشنر" عام 1957، وهي أهم جائزة أدبية في ألمانيا.

مقتطف من رواية "مؤتمر الحيوانات"

ذات يوم جميل شعرت الحيوانات بالسأم من الوضع الحالي. كان الأسد سبعاوي يجلس مع الفيل كيمو، وذكر الزرافة ظريف، مثلما تفعل الحيوانات مساء يوم الجمعة من كل أسبوع لتناول المشروبات على بحيرة تشاد في وسط إفريقيا.

 قال الأسد وهو يهز لبدته الشعثاء:

ـ هؤلاء البشر! لو لم أكن أشقر اللون هكذا، لاحمر وجهي فورا من الغضب!

استدار الفيل كيمو تحت زلومته المرفوعة عاليا ليرش على ظهره المغبر ماء فاترا مثل ماء الدش، ثم تمطى بكسل، وبصوت عميق همهم بشيء لم يفهمه الآخرون.

 مد ظريف ساقيه ناحية الماء، ثم تجرع جرعات صغيرة متسارعة. عندئذ قالت الزرافة، أعني ذكر الزرافة: ـ فظيعون! مع أن من الممكن أن يعيشوا حياة هانئة! إنهم يستطيعون الغوص مثل الأسماك، والجري مثلنا، والإبحار مثل البط، والتسلق مثل الظباء، والطيران مثل النسور ـ ولكن، ماذا يفعلون بمهاراتهم؟

دمدم الأسد:

ـ  يشنون الحروب! هذا ما يفعلونه. ويقومون بثورات. وإضرابات. ويتسببون في مجاعات. ويجلبون أمراضا جديدة. لو لم أكن أشقر اللون هكذا، لاحمر وجهي فورا ..

ـ من الغضب.

 قالها ذكر الزرافة مستكملا الجملة التي حفظتها حيوانات الصحراء عن ظهر قلب منذ فترة طويلة.

 قال الفيل مهموما:

ـ أشعر بالأسف من أجل أطفالهم فقط. أطفال لطاف جدا! وعليهم دائما أن يشاركوا في الحروب والثورات والإضرابات، وفوق ذلك يقول الكبار: إنهم فعلوا كل هذا فقط من أجل أن يصبح األطفال في وضع أفضل. وقاحة، أليس كذلك؟

قال الأسد:

ـ  ابن عم زوجتي كان يعمل خلال الحرب العالمية الأخيرة في سيرك كبير في ألمانيا. كان يسير على الحبل، ويقفز من بين إطارات السيارات. اسمه أسامة، واشتهر بلقب وحش الصحراء. خلال غارة جوية احترقت خيمته، فهربت الحيوانات..

صاح الفيل:

ـ  الأطفال المساكين.

 استكمل الأسد حديثه قائلا:

ـ واحترقت المدينة بأكملها، وصرخت الحيوانات والبشر، أما وحش الصحراء، ابن عم زوجتي، فقد أحرقت النيران التي حملتها الريح لبدته، ومنذ ذلك اليوم وهو يرتدي باروكة.

غاضبا ضرب سبعاوي بذيله رمال الصحراء. ثم زأر:

ـ الأغبياء! لا يتوقفون عن إشعال الحروب، وبمجرد أن يحطموا كل شيء، يشدون شعورهم، ويشرعون في التباكي والنحيب! لو لم أكن أشقر اللون هكذا..

قاطعه ذكر الزرافة:

ـ طيب، طيب. لكن الغضب لا يحل مشكلة. لا بد أن يحدث شيء!

بصوت عميق كالبوق قال الفيل:

ـ نعم، وخصوصا من أجل أطفالهم؛ ولكن ماذا؟

ولأن الحيوانات لم تعثر على فكرة، سارت بخطى ثقيلة عائدة إلى بيوتها وهي تشعر بالحزن.