دي ميستورا متقلبا بين فشل وآخر يدفع بمقترح ميّت لحل نزاع الصحراء

إعادة طرح المبعوث الأممي مقترح تقسيم الصحراء الذي أثير في العام 2002، لا مبرر له سوى حالة التخبط والفشل والعجز التي طبعت تحركه منذ توليه مهمته في 2021.

نيويورك - يتقلب المبعوث الأممي الخاص للصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا بين موقف ونقيضه في التعاطي مع النزاع المفتعل، ما يعكس محدودية فهمه للملف وجهل لمتطلبات المرحلة التي يتزايد فيها عدد الداعمين الدوليين والإقليميين لمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب أساسا واقعيا وحيدا لإنهاء هذا النزاع.

وفي أحدث إشارة على حالة الإرباك والفشل والجهل بالتاريخ في التعاطي مع الملف، دفع دي ميستورا بمقترح يعود في الأصل للعام 2002، كان قد أثير وقتها وعبرت الجزائر وبوليساريو عن استعداداتهما لمناقشته ورفضته الرباط، يقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والجبهة الانفصالية إلى جنوب وشمال.

ويبدو مقترح المبعوث الأممي الذي تولى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2021 خلفا للألماني هورست كولر الذي استقال في مايو/ايار 2019، مجرد ضجيج للإيحاء بأنه يعمل فعليا على كسر جمود المفاوضات ومحاولة جس نبض أطراف الصراع وتحديدا المغرب الذي حسم أمره في هذا الملف وطوى صفحة أي تفاوض لا يكون أساسه مقترح الحكم الذاتي تحت سيادته.

ويدرك دي ميستورا حساسية ملف الصحراء بالنسبة للمغرب ملكا وشعبا وحكومة ويعلم أنه خط أحمر وثابت وطني غير قابل للنقاش أو المساومة، إلا أنه لجأ لمحاولة إحياء "مقترح ميت" لتقسيم الصحراء بين جنوب وشمال، من باب العجز عن إحراز تقدم يتناغم مع الجهود الدولية لفض النزاع على أساس واقعي وواضح.

وكان من المتوقع حين عينه الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا للصحراء أن يعمل على إحياء الموائد المستديرة التي قوضتها الجزائر وبوليساريو والتي كانت جمعت كل الأطراف وعلى رأسها الجانب الجزائري بصفته شريكا في النزاع، إلا أنه سلك مسارا آخر في جانب من تحركاته بما يتناقض وأساس ومبدأ عمله كوسيط أممي.

وشكلت زيارته في فبراير/شباط الماضي لجنوب افريقيا الداعمة لبوليساريو، "سقطة" دبلوماسية لا مبرر لها سوى حالة التخبط التي طبعت تحركه منذ توليه ملف الصحراء، إذ أنها ليست طرفا في النزاع ولا يفترض إقحامها أصلا في هذا الملف أو أن يفتح لها الباب للمناورة السياسة في الصحراء المغربية كما أكد ذلك عمر هلال مندوب المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة في تصريحات سابقة.      

وخلال الجلسة المغلقة، قال دي ميستورا بحسب محضر الجلسة "لقد قمتُ، بسريّة تامّة، باستئناف وإعادة إحياء مفهوم تقسيم الإقليم مع جميع الأطراف المعنية". ولم تُنشر تصريحاته خلال جلسة مجلس الأمن، لكنّها وردت في محضر الجلسة.

وبرر الدبلوماسي السويدي-الإيطالي البالغ من العمر 77 عاما إعادة طرحه لمشروع "التقسيم" بأن "من شأنه أن يتيح من ناحية إنشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي ومن ناحية أخرى، دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب يتم الاعتراف بسيادته عليه دوليا".

لكن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حذّر من أنّه "لا الرباط ولا جبهة بوليساريو" أبدتا أدنى "مؤشر على استعداد" أيّ منهما للمضي قدما في التباحث بشأن هذا المقترح، مبديا "أسفه" لهذا الأمر.

وبدا واضحا أن دي ميستورا أراد فقط تسجيل حضور بمقترح ميّت مرفوض من قبل المغرب منذ طرحه في العام 2002. كما أعلنت الجبهة الانفصالية رفضها للمقترح رغم أنها أبدت في السابق استعدادها لمناقشته بمباركة من حاضنتها الجزائر.

ولا يوجد دبلوماسيا أو سياسيا ما يبرر هذا الطرح طالما أنه يشكل في مضمونه وتوقيته حالة دوران في حلقة مفرغة ولا ترجى منه أي نتيجة ولا يشكل أي أساس لحل النزاع المفتعل.

وكان الأجدى بدي ميستورا في إحاطته السرية لمجلس الأمن أن يبني على التقدم وعلى الأساسيات الواقعية التي برزت بقوة خلال السنوات الأخيرة والقائمة على التناغم الدولي مع مقترح المغرب للحكم الذاتي والذي يكتسب يوما بعد آخر زخما كبيرا مع توالي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء وبمبادرة الرباط التي طرحتها منذ العام 2007.

وتفتقد إحاطة المبعوث الأممي للجدية من حيث الطرح ومن حيث قابلية التنفيذ كما تشير إلى جهل بالحقائق التاريخية للنزاع، وتحيل في نفس الوقت إلى استنساخه لتجارب فاشلة سابقة في إدارة ملفات خلال توليه مناصب ممثالة في العراق وسوريا وأفغانستان على الرغم من مراكمته خبرة تمتد لنحو 40 عاما في هذا المجال.  

واعتبرت جبهة بوليساريو أنّ الخطة تفشل في "ترسيخ" ما تسميه "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير"، بينما أصبح هذا الأمر من الماضي وقد طوى المغرب بمقترح الحكم الذاتي تحت سيادته هذا الأمر نهائيا وبلا رجعة مدعوما في ذلك بعشرات المواقف الدولية والإقليمية تتقدمها الولايات المتحدة واسبانيا وكثير من الدول الأوروبية آخرها فرنسا، المؤيدة للمبادرة كحل واقعي وأساس وحيد لانهاء النزاع المفتعل.

وقال ممثل بوليساريو لدى الأمم المتحدة سيدي عمر على موقع إكس، إن الحركة "تؤكد بقوة رفضها التام والقاطع لأي مقترحات أو مبادرات".

وفي مطلع أغسطس/اب الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلق عميق" إزاء تدهور الوضع في الصحراء وذلك في تقرير أعدّه حول هذه المنطقة بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعيا إلى "تجنّب أيّ تصعيد إضافي".

وجاء التقرير على خلفية تنفيذ ميليشيات بوليساريو لأعمال عدائية استهدفت مناطق مدنية بما في ذلك استهداف مدينة السمارة بمقذوفات سقطت إحداها قرب مكتب تابع للبعثة الأممية.

وهذا التقرير الذي يغطي الفترة من 1 يوليو/تموز 2023 لغاية 30 يونيو/حزيران 2024، أُعدّ قبل أن تعلن فرنسا في نهاية يوليو/تموز تأييدها الخطة التي اقترحها المغرب لمنح الصحراء حكما ذاتيا تحت سيادته باعتبارها "الأساس الوحيد" لحلّ النزاع. وأثار قرار باريس غضب الجزائر التي تدعم بوليساريو في هذا النزاع.

وفي قراره الأخير الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا مجلس الأمن الدولي أطراف النزاع إلى استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى "حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين".

وبعد نحو 30 عاما من وقف إطلاق النار، تعمّق التوتر بين الجزائر والمغرب منذ اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على كامل الإقليم أواخر العام 2020.

ومنذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2021 لم ينجح دي ميستورا في استئناف العملية السياسية بسبب عناد بوليساريو وتأجيج الجزائر للنزاع.

ويفسر هذا الفشل إلى حد كبير السبب الذي دفع المبعوث الأممي إلى محاولة إحياء مقترح التقسيم الذي حكم عليه قبل ما يزيد عن عقدين بالفشل لافتقاده لأي أسس واقعية وتاريخية وباعتباره مقترحا يمس وحدة المغرب الترابية وسيادته على كامل أراضيه.

وبإعادة طرح هذا المقترح يبدو دي ميستورا كمن يبحث عن أسباب يداري بها فشله في إدارة الملف وعجزه عن تقديم حلول مبتكرة قابلة للتطبيق وتبني على كسر جمود الأزمة لا تعقيدها.