السيّد السوداني يحدّث العاقل بما لا يُعقل

يحتاج رئيس الوزراء العراقي أن يشرح لنا ما هو مدى سلطة الدولة على رؤساء عشائر ينهون ويفصلون بين الناس، وعلى قادة ميليشيات يأخذون البلد إلى الحرب طاعة لإيران.

أجمل ما في الأنظمة الديموقراطية هو حرّية التعبير عن الرأي، والعراق "الديموقراطي" وضع هذا البند في صلب دستوره. فقد جاء في المادّة 38، "تكفل الدولة، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل".

وكتأكيد من السلطة التشريعية بضرورة الحفاظ على هذا البند من الدستور وعدم المساس به، كشف عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي النائب رائد المالكي لوسائل الإعلام، تفاصيل قانون حرّية الرأي الموجود في مجلس النوّاب، الذي أشار فيه على أنّه يشمل تقييم أداء المسؤولين. حيث قال: "شرعنا في الفترة الأخيرة بتعديل المادة 226 في قانون العقوبات التي كانت تجرم إهانة السلطات مطلقا والان أصبح ممارسة حرية التعبير عن الرأي وحق نقد السلطات العامة ليس جرما ولا يعد إهانة للسلطة القضائية او التشريعية او تنفيذية".

في يوم الخميس 24/10/2024 قال السيّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال اجتماعه بحشد من شيوخ العشائر والوجهاء في محافظة واسط من أنّ "قرار الحرب والسلم من شأن الدولة بمؤسساتها الدستورية، وكل من يخرج عن ذلك سيكون بمواجهة الدولة التي تستند إلى قوة الدستور والقانون في تنفيذ واجباتها ومهامّها"! وإستنادا الى بند حرّية التعبير وتصريحات النائب رائد المالكي بانّ النقد ليس جرما يعاقب عليه القانون، فإنني سأقوم بالاستفادة من هذا الحق في نقد تصريحات السيد رئيس الوزراء.

العشائر والقوى المسلّحة، هما الدولة العميقة التي تتحكم بالوضع السياسي والشارع العراقي والاقتصاد العراقي. وما يؤكّد هذا المنحى هو أنّ السيد السوداني لم يدلِ بتصريحه المهم هذا كما بقية رؤساء ورؤساء وزراء دول العالم أمام حشد من طلبة الجامعات، أو عمّال مصنع انتاجي، أو أمام نخبة من المفكرّين والإعلاميين والصحافيين، أو في لقاء له مع ممثلي البعثات الدبلوماسية بالبلاد. بل صرّح تصريحه هذا أمام "نخبة" عشائرية تحتقر الدولة وتأخذ مكانها في حل مشاكل المواطنين، بل ذهبت بسطوتها الى ابعد من ذلك حينما يهدد برلمانيون زملاءهم باللجوء الى عشائرهم لتنصفهم. شيوخ عشائر وصلت الفصول العشائرية عهد السيد السوداني حيث الدولة أصبحت لا دولة الى مليارات الدنانير العراقية!

أنّ قرار الحرب والسلم ليس قرارا سياديّا عراقيا، بل قرار زمام المبادرة فيه لفصائل مسلحة تملك السلاح والمال والنفوذ والموقع السياسي من خلال ممثليها في البرلمان العراقي. فصائل مسلّحة لا تأتمر بأمر القائد العام للقوّات المسلّحة عندما يتعلق الأمر في أن يكون العراق حديقة خلفية لدول الجوار. ولو كانت الدولة جادّة في تنفيذ واجباتها ومهامّها بما يوفّر الأمن لشعبنا، لقامت بجمع سلاح هذه الفصائل، التي تعتمد على الدولة في رواتب مقاتليها ودعمها اللوجيستي.

لا يشك إثنان من أنّ هناك فصائل مسلّحة خرجت على قانون الدولة التي يقول السيد السوداني من أنّها تمتلك قرار الحرب والسلم، وخروجها له وبغضّ النظر عن أسبابه سوف يؤثّر على الوضع الداخلي في هذه اللحظات الحسّاسة من تاريخ المنطقة، حيث العربدة الإسرائيلية الأميركية الغربية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وباقي شعوب المنطقة وصلت الى مديات مرعبة تهدد بإشتعال المنطقة بأكملها.

السيّد السوداني بإعتباره رئيسا للوزراء والقائد العام للقوّات المسلّحة، عليه إن كان يريد فعلا تطبيق مواد الدستور والحفاظ على تماسك الوضع الداخلي من الهزّات السياسيّة التي تعصف بالمنطقة، أن يكون وفيّا لمنصبيه والعمل على تحجيم دور الفصائل المسلّحة بما يمتلكه من قوّة دستورية تمنحه الحق في ذلك. وعليه كذلك أن يعيد للقضاء والدولة هيبتهما بإنهاء دور العشائر في المجتمع، فوجود العشائر أيها السيد رئيس الوزراء يعني أنّكم رئيس وزراء لدولة لا هيبة لها ولا دستور ولا قانون ولا كرامة.