ردود فعل متباينة على أحكام قاسية ضد صناع محتوى في تونس
تونس - يستمر الجدل في تونس بشأن الملاحقات القضائية لعدد من صانعي المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أثار قرار صادر عن المحكمة الابتدائية بتونس الثلاثاء أحكاما بالسجن تتراوح بين سنة ونصف و4 سنوات على 4 مؤثرين محالين على أنظارها، موجة جديدة من ردود الافعال بين التونسيين و التي تراوحت بين مؤيدين ورافضين لهذه الأحكام.
وأوقفت الشرطة التونسيّة عددا من صناع المحتوى على المنصات الاجتماعية وخاصة على منصتي "تيك توك وانستغرام، فيما أصدرت النيابة العمومية بطاقة جلب ضدّ آخرين يعيشون خارج تونس خاصة في فرنسا وكندا والولايات المتحدة بعد اتهامهم "بالاعتداء على الأخلاق الحميدة وإزعاج الغير عبر شبكات التواصل".
وتأتي هذه الأحكام بعد أكثر من أسبوع من اصدار وزارة العدل التونسية بيانا عاينت فيه "انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الالكترونية المذكورة"، داعية النيابة العامة الى اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لهذه الممارسات.
بيان وزارة العدل التونسية تبعه تحرّك برلماني، حيث شرع أكثر من 20 نائبا ينتمون إلى مختلف الكتل بمجلس نواب الشعب في إعداد مبادرة تشريعية تهدف الى ''تنظيم محتوى'' مواقع التواصل الاجتماعي، تفاديا لما أسموه بالفوضى السائدة. وستتضمن هذه المبادرة تتضمن تسليط غرامات على المخالفين وفي حال العود يمكن تسليط العقوبات السجنية.
وأوضح النائب عن كتلة صوت الجمهورية أمين ورغي في تصريح لإذاعة ديوان أف ام الخاصة أنّه سيتم توسيع دائرة النقاشات والاستماعات واستدعاء كل الجهات المعنية من وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال وكذلك بعض الهيئات والمجتمع المدني للنظر في إمكانية إحداث هيكل رقابة جديد في تونس يراقب كل السلوكات على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي.
وفيما اعتبر البعض أن الحكم كان قاسيا وكان بالامكان الاقتصار على الغرامات المالية، رحّب آخرون به مؤكّدين أن ردع هذه الممارسات بات ضروريا أمام انتشار محتويات تشوه صورة المجتمع التونسي.
واستنكر الصحفي نبيل الشاهد توجه السلط التونسية لعقوبة السجن، مقترحا لفرض عقوبات مالية باهظة قائلا بأنها "ستحاربهم في صميم مكسبهم"
وحمل ناشطون آخرون صناع المحتوى انتشار الممارسات اللاأخلاقية بين الفئات المختلفة للمجتمع التونسي وخاصة فئة الأطفال، داعين الى عدم التضامن معهم لأن ما يقدمونه لا يعد محتوى جدير بمتابعته.
ويدور الجدل أيضا حول السند القانوني الذي تمت بمقتضاه ملاحقة صناع المحتوى في تونس، حيث أوضح الناطق الرسمي باسم محاكم المهدية والمنستير القاضي فريد بن جحا في تصريح له لإذاعة موزاييك الخاصة المحلية أنّ "القانون موجود منذ السابق ويطبّق يوميًا في المحاكم في شتى التصرفات الإجرامية التي قد يكون فيها مس أو خدش بالحياء أو اعتداء على الأخلاق الحميدة، لكن تطبيقه اليوم في الجريمة الإلكترونية هو الجديد".
وتابع بن جحا أنّ "القاضي ملزم بتطبيق نص قانوني إذا لم يتم إلغاؤه، وطالما أنّ النص موجود في المجلة الجزائية فإن القاضي يطبقه"، مشيرا الى أنّ "ما تم تطبيقه على جرائم تيك توك أو إنستغرام وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي لم يقتصر على هذا النص وإنما تم أيضًا تطبيق مجلة الاتصالات التي تعاقب على الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات".
وينص الفصل 226 مكرر من المجلة الجنائية على أنه "يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنًا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنًا إلى مضايقة الغير بوجه يخلّ بالحياء".
كما ينص الفصل 26 من المرسوم 54 على أنه "يعاقب بالسجن مدّة ستة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد إنتاج، أو عرض أو توفير أو نشر أو إرسال أو الحصول أو حيازة بيانات معلوماتية ذات محتوى إباحي تظهر طفلًا أو شخصًا يبدو في مظهر طفل بصدد القيام بإيحاءات أو ممارسات جنسية أو يتعرض لها. ويعاقب بنفس العقوبات كل شخص تعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو بث صور أو مقاطع تصويرية لاعتداء جسدي أو جنسي على الغير، مع مراعاة التشريعات الخصوصية".
وما فتئ هذا الجدل يتصاعد في تونس حول الاجراءات القانونية المسلطة على مستعملي المنصات الاجتماعية، حيث يرى البعض أن المسألة تشكّل خطرا على حرية التعبير وأن هذا التوجه بات مدخلاً لمزيد التضييق على الحريات وتسليط الرقابة على الفضاء الافتراضي، واستغرب آخرون من تساهل السلطات القضائية مع المجرمين والقتلة في قضايا الاعتداءات والسرقة المسلحة مقابل التشدد مع صناع المحتوى وقضايا التعبير بشكل عام.
واستنكر القيادي في حزب التيار الديمقراطي والنائب السابق بالبرلمان التوني هشام العجبوني في منشور له على صفحته على فيسبوك قرارات القضاء "غير العادلة"، مشيرا الى قضية قتل عمر العبيدي وعبدالسلام زيان.