فن القصة القصيرة والنثر الفني يمتزجان في رسائل 'عزيزي ثيو'
المتعارف عليه في أدبنا العربي قديما وحديثا في الرسائل الأدبية نثرا وشعرا ما زال لهذه الرسائل أهمية كبيرة فير رسم أسلوب أدبي لا يقل شأنا عن الأجناس الأدبية الأخرى من شعر وقصة ورواية وغير ذلك من الأجناس الأدبية وفنون الإبداع، بحيث تعد الرسائل الأدبية من أكثر الوسائل في بث روح التنوع والوعي الفكري والثقافي في نفوس الإنسان وكافة المجتمعات كافة، وهذا ما توارثنه عبر التاريخ في موروثتنا العربية، حيث استطاعت هذه الرسائل أن تسهم وعي الإنسان من حيث انتاجها منجزا أدبيا توعويا ثقافيا في التعبير عن دواخل الإنسان وتطلعاته والحفاظ على هويته، لهذا يرى بعض الدارسين والباحثين أن الرسائل الأدبية ما زال لها الدور الكبير في ثقافتا العربية وفي الأدب العربي، لقدرتها " على تجسيد القضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على المجتمع. الأدباء والمفكرون استخدموا الكتابة كأداة للتغيير والتنوير".
هذا الاستهلال أردت من خلاله أن أعرّج على كتاب صدر بدعم من وزارة الثقافة للكاتبة جميلة أبوغليون باكورة نتاجها الأدبي الذي أسمته "عزيزي ثيو" جاء في زهاء 208 صفحات من القطع المتوسط، احتوى على مجموعة من الرسائل الأدبية التي صافتها أبو غليون بحس فني عال ولغة مشبعة بصدق المشاعر التي لونتها بفيوضات اللغة ورهافة القول النثري الذي يقترب من الشعر ، مما يشعر يحس القارئ في كل رسالة حين ينتهي من قراءتها بأن خلف الرسائل شاعرة مبهرة تستوقفك لغتها ا هذه اللغة المنسابة بتلقائية والمتدفقة تجاه الحب والأمل المنشود، نجدها امرأة بحجم الكون تبث توجعات الروح عبر سطور رسائلها المشحونة برؤى القلب الذي يزينه حبر الروح ولجلجات الجسد على مصطبة الكون المسكون بمعنى السقوط والتعب المبرمج في أشكاله المتعددة فنراه كما تقول بنص لها كما جاء على الغلاف الأخير للكتاب بعنوان "تعب" :"تعبت من التسمك بالأشياء، وحان وقت التخلي، التخلي عن المبادئ والضعف والانهزام، ها أنا أواجه انهزامي بالكلمات الكاذبة، والأحاديث الغبية، وبهذيان لا يصلح معه أن أكون بين الناس.. هذيان لا تستوعبني فيه أن أكون سوى مصحة نفسية.. أرجوك استوعب كلماتي".
كتاب أبو غليون "عزيز ثيو" رسائله عبارة عن رسائل قصصية مشعرنة تحاكي حال الإنسان فنجد حين تخاطب "ثيو" وتبث هموم كفنانة تمتلك طاقة من حقول الجمال فتقول: "هذا قلب أحاول تزيينه بالألوان"، و أبو غليون رسامة تجتمع فيها عناصر الرسم بالكلمات والرسم بالريشة، تشدك الرسائل الى مضامينها الإنسانية لوقوفها على قضايا في العشق والتأمل في جدلية الحياة وألوانها على هذه البسيطة حيث تتشكل كما لوحات لونية منسوجة بوعي باللغة البصرية المغموسة بماء الروح وماء الشعر المتدفقة عبر سطور كل إلى "ثيو" وإلى جميعا.
ومن الرسائل نختار من رسالة حملت عنوان: "الكبرياء المذبوح" نقتطف منها: "عزيزي ثيو: لم اكن، أنا بالأخص، كنت أتوه عن نفسي، كانت تصرفاتي غريبة حتى عليّ، وهذا القلب البائس يرخي جدائله على ليل طويل الغياب، محور قلبي وعموده الفقري، وكل ما ورثت عن الآباء والأجداد، ثيو.. هل تعلم كم بقي معلقا على اسلاك الهاتف ، وهو ينتظر مكالمتها التي لا تأتي؟ هل تعلم ان تعلم أن كل المكالمات التي تلقيتها خلال هذه المدة كفيلة بإبعادي عنها كان قلبي ينفطر لسماع صوتها".
كتاب "عزيزي ثيو" وثيو هو الفنان فان كوخ، تمتزج في رسائله القصة والنثر الفني، والتحليق عاليا نحو معنى جماليات البوح والقدرة على تصوير المشاعر بفلسفة الروح وتجلياتها في رسم جداريات لمعنى العشق وتصويره بالحروف المبللة بريشة فنانة مبهرة.. الكتاب بحاجة إلى قراءات مستفيضة للوقوف على فحوى رسائله وجماليات سرد الرسائل.