ما المتوقع من ترامب في أوكرانيا وفلسطين؟
الفوز في إنتخابات الرئاسة الأميركية كفيل بأن ينسي دونالد ترامب كل تلك المتاعب والعراقيل القضائية التي وضعت في طريقه لمنعه من العودة الى البيت الأبيض. لا ننسى أيضا أن أوراق الديمقراطيين المبعثرة بفعل الفشل الذريع في السياسة الخارجية الأميركية وبالأخص عدم النجاح في إحتواء حربي أوكرانيا وغزة ثم إنسحاب بايدن الذي تراجعت وظائفه العقلية بسبب السن وتعويضه بكامالا هاريس في مجتمع يبدو أنه تطور في كل شيء لكنه لم يتخلص من النزعة الذكورية التقليدية، كانت من بين العوامل الأساسية التي أبعدت الديمقراطيين عن الفوز وساهمت في هندسة نجاح ترامب.
كما يجري العرف الأميركي، يتأخر تنصيب الرئيس عدة أسابيع بعد الانتخابات، ستكون هذه الفترة كافية لترامب ليرسم الخطوط العريضة لسياسته الداخلية والخارجية ويعين فريقه ويجري سلسة إتصالات خارجية تمهد لعودته التي ينتظر منها أن تصل الى تحريك الأوضاع في ملفات حساسة أولها حرب أوكرانيا وضرورة إيقاف عبأ فاتورتها الباهظة على الولايات المتحدة قبل أن تكون على أوروبا، واذا كانت بعض الوسائل الاعلامية تزعم بأن القادة الأوروبيين يظهرون علنا توجسا من عودة ترامب الى الحكم لما لها من إنعكاساتها سلبية على مواقفهم من الحرب في أوكرانيا، إلا أن الحقيقة تبدو عكس ذلك فالقادة الأوروبيين، وإن لم يعترفوا بذلك علنا، يفضلون خيار الصفقة على خيار سكب المزيد من الزيت على النار. واذا كان ترامب يملك أدوات التفاوض التي تحفظ ماء الوجه وتلجم الروس وتنهي هدر المزيد من مليارات الدولارات في دعم أوكرانيا وتخفف من تداعيات أزمة الغاز فالمؤكد أنهم سيسيرون في نفس الإتجاه.
ونحن نتحدث عن عودة ترامب وتأثيرها على الحرب في غزة، لا بد أن نقرأ أولا ما بين السطور فيما يخص تعيين ترامب لمايك هاكابي سفيرا لواشنطن في إسرائيل، والذي يقابله تعيين نتنياهو ليحيئيل ليتر سفيرا لدى واشنطن: يشير إسم هاكابي المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل وليتر الذي يعرف على أنه تابع لتيار اليمين المتطرف الاسرائيلي على رسالة مفادها أن إدارة البيت الأبيض الجديدة تؤكد على عمق العلاقة مع الدولة اليهودية بغض النظر عما اذا كان ترامب سيواصل العمل مع نتنياهو أو أنه سيرفع يده عنه ويضعها مع يد بيني غانتس، أما بالنسبة لنتنياهو يشير تعيين سفير محسوب على المتطرفين على أن حكومة التطرف مستمرة في نهجها حتى مع التغيير الواقع في الإدارة الأميركية.
صحيح أن عودة ترامب لن تحمل الجديد في مسألة إحياء حل الدولتين بالنظر إلى أن خطته فشلت في إحياءها في الولاية الأولى، ومع ذلك لن تكون الإدارة الأميركية الجديدة بهذا الغباء حتى تضع بيضها كله في سلة الاسرائيليين دون مراعاة لمصالحها مع دول أخرى في المنطقة، منطقيا لا بد أن تفكر إسرائيل بهذه البراغماتية الأميركية أيضا حتى تتمكن من الحفاظ على مكتسبات إتفاقيات أبراهام وتطوير مسارها لتمتد الى دول عربية أخرى، أما الحديث الاسرائيلي عن خطة ضم الضفة بعد مضي أيام قليلة من فوز ترامب فلا علاقة له بدعم هذا الأخير لهذه الخطة، وقد يقرأ على أنه محاولة لخلط الأوراق والهروب من الإفلاس السياسي الذي يعصف بحكومة نتنياهو بعد عام كامل من حرب أتت أكلها على الاقتصاد الإسرائيلي، لكنها أيضا محاولة إستباقية لإخضاع الفلسطينيين لواقع جديد على الأرض قبل المرور الى الحديث عن عملية تفاوضية قد يطرحها ترامب لتحدد شكل الدولة الفلسطينية بمعنى أن الإسرائيليين يهيؤون الفلسطينيين لرفض أي خطة سلام جديدة ليحملوهم مسؤولية الفشل بعد ذلك.
المعطيات الجديدة في قطاع غزة بعد أن فقدت حركة حماس سيطرتها الفعلية عليه، قد تقود ترامب الى إعادة صياغة خطته للسلام في الشرق الأوسط، وقد يحاول ربط الدعم المالي للسلطة الفلسطينية والتمهيد لعودتها الى قطاع غزة شريطه حصوله على موقف مغاير من صفقة القرن فيما يتعلق بالقدس وبمسألة عودة اللاجئين، لكنه على الأرجح سيصطدم بالرفض الذي أبدته السلطة الفلسطينية تماما كما وقع مع صفقته الأولى، لذلك لابد من خفض الآمال والتوقعات الى مستويات معقولة ومنطقية وهي وقف الحرب التي تسببت في معاناة إنسانية قد يصح وصفها على أنها الأكبر في التاريخ الحديث.