'براعة النساء' في مواجهة الحُب والحسرة والأمل

كتاب ألكسندر ماكول سميث يضيء على قصص قصيرة بعضها حول الاستغلال الكامل لحكمة النساء وشجاعتهن في التصدي لمشكلات الحياة وألغازها.

يضمُّ هذا الكتاب "براعة النساء" مجموعة رائعة من القصص القصيرة من تأليف ألكسندر ماكول سميث عن الحُب والحسرة والأمل وبراعة النساء في استغلال كامل حكمتهن وشجاعتهن لمواجَهة مشكلات الحياة وألغازها. القصص ترجمتها سارة فاروق وراجعتها هبة عبدالعزيز غانم، وصدرت أخيرا عن مؤسسة هنداوي.

أولها قصة "براعة النساء" بطولة السيدة راموتسوي، من وكالة التحقيقات النسائية الأولى الشهيرة. في هذه القصة الأولى التي تحمل نفس عنوان الكتاب، تحل السيدة راموتسوي ومساعدتها الموثوقة لغز جيمس بيكاني حارس المرمى لفريق بوتسواني الأسطوري الذي يفشل فجأة في صدِّ الكرات التي تُسدَّد إلى مَرماه، هل ما يفعله متعمد؟، هل يتقاضى رشوة نظير تمريره الكرة في مرماه؟ الأمر متروك للسيدة راموتسوي لحل اللغز.

في قصة "رياحٌ عاصفةٌ في نيفيس"، يشتري (الهولندي) ماركوس ورفيقته جورجينا التي جاءت من ترينيداد عقارًا يقع على قمة تلٍّ يُطِلُّ على ميناء قديم في جزيرة نيفيس في البحر الكاريبي، ويحولانه إلى فندق. كان الفندق ناجحًا ولكن جورجينا، التي كانت سريعة الانفعال بطبيعتها، لم تستطع الحفاظ على لسان مهذب مع الضيوف حتى أسقطت ريح قوية ذات يوم جوزة هند، مما أدى إلى سقوطها على رأسها بينما تقف في الشرفة، سقطت على إثرها فاقدة الوعي، وعندما أفاقت بعد أن حصلت أخيرًا على ليلة نوم جيدة أصبحت امرأة مختلفة.

تدور أحداث قصة "أقحوان ناماكوالاند" في بلدة أفريقية صغيرة. هناك ضابط وزوجته، وقاضي وزوجته، وعدد قليل من الأفراد الآخرين. تشعر زوجة الضابط بالملل من حياتها في أفريقيا ومن زوجها الرائد، فتختفي وتترك له رسالة تقول فيها إنها عادت إلى سوفولك. وسرعان ما يظهر ابن أخيها من سوفولك وينتقل للعيش مع الضابط، ويطيل البقاء ويرفض المغادرة، وربما يبتزها، ثم يرحل. بعد ذلك، تسأل زوجة القاضي عن ابن أخيها وسرعان ما تختفي هي أيضًا تاركة وراءها رسالة مطبوعة تفيد بأنها ستغادر وتطلب من زوجها ألا يلاحقها. ويصاب القاضي بالدهشة لأنها لا تعرف كيفية الطباعة هذه "رسالة مكتوبة على الآلة الكاتبة. وزوجتي لم تكتب قط على الآلة الكاتبة. لا تستطيع".

وتتعلق قصة "فابريزيا" بأب وابنته. الأب رجل أعمال ويتحيز إلى حد ما تجاه أولئك الذين يعيشون في جنوب إيطاليا. يحذر ابنته من الرجال القادمين من جنوب إيطاليا. في النهاية، هل هو على حق أم مخطئ؟.. فابريزيا انهت دراستها في جامعة بارما في سن الثالثة والعشرين، وعادت إلى مدينتها لمساعدة أبيها أليسيو في متجرَيه. وقد أظهرت فِطنة في عالم الأعمال، وفي غضون سنتين أصبح لديهما ثلاثة متاجر أخرى. كانت هذه المتاجر تبيع أيضًا الملابس: أحدها متخصص في بيع ملابس المراهقين، ويُمكنك سماع الموسيقى العالية عند مدخله، وآخر لبيع ملابس الأطفال، والثالث يبيع ملابس العمل؛ مثل ملابس النوادل، وتنانير الخادمات، وما إلى ذلك. ازدهرت جميع هذه المتاجر، وازداد أليسيو وفابريزيا ثراءً .تلتقي فابريزيا أخيرا بالشاب سالفاتوري الوسيم ذو العيون الخضراء من نابولي، وتقع في غرامه وتقرر الزواج منه رغم تحذير ومعارضة أبيها، حتى تكتشف بالنهاية أن سالفاتوري ليس مجرد خائن لها ولكن أيضا لصا.

وأخيرًا، قصة "الموسيقى تُحدث فارقًا"، وتعالج القوة العلاجية للموسيقى، وتدور أحداثها حول الأرملة "لا" قررت أنه لا يمكنها أبدًا أن تحب رجلاً آخر بعد رحيل زوجها "لا يمكن لأي رجل أن يكون مساوٍ له". تشغل وقتها بتشكيل أوركسترا بعد أن اقترحت صديقة عليها أن يستضيفوا أوركسترا من لندن لتُرفه عنهم بحفل موسيقي، أوركسترا خاصا بها لإسعاد البلدات المجاورة على ساحل سوفك (أثناء الحرب العالمية الثانية حوالي أوائل الأربعينيات)، وهنا تنشأ قصة حب خفية مع عازف فلوت بولندي تمتد لسنوات طويلة حيث تفرق بينهما السبل لكنهما بالنهاية يلتقيان.

'براعة النساء'
مجموعة رائعة

من قصة "الموسيقى تُحدث فارقًا"

الفصل الرابع عشر

لم تُضِع وقتًا واتصلت بأعضاء الأوركسترا على الفور. لم تتمكن من العثور على بعضهم، بالطبع؛ وبعضهم مات، أو لم يُسمع عنه منذ سنوات. ولكن الخبر انتشر، وكان أحدهم يتصل بالآخر. وبالتدريج، تجمَّعت الأقسام ووافقوا؛ نعم، يمكنهم الحضور والعزف في الحفل الموسيقي. قالت "لا": "سيكون الأداء تقريبًا عشوائيًّا، ربما علينا أن نُجري تجربة أداء واحدة على الأقل". لم يعترض أحدٌ على ذلك. سيحضرون للتمرين.

كان فليكس آخِرَ مَن اتصلت بهم؛ لأنها على الأقل كانت تعرف بالضبط كيف تتواصل معه، ولأنها كانت قلِقة بشأن هذا الاتصال. كان صامتًا لبضع لحظات بعد أن شرحت له الموضوع.

قال: "تريدينني أن أحضُر، أليس كذلك؟"

قالت: "بلى. أنا أطلب منك الحضور". شعرت كأنها تطلب معروفًا، ولكنها أرادته أن يكون هناك، أرادته هو تحديدًا هناك. قالت: "أحضِر ولدك الصغير معك".

قال: "سأفعل".

وصل الجميع. راقبت الأصدقاء القدامى يلتقون ويتبادلون العناوين. وفكَّرت أنه إذا لم ينجح الأمر، وإذا لم يكن هناك سلام هذه المرة، فإن هذه العناوين لن تصبح موجودةً على أرض الواقع. فالأمور مختلفة هذه المرة.

تمكَّنوا من إجراء تجربة أداء واحدة، وجيزة، ثم أقيم الحفل. انتشر الخبر، وجاء الناس؛ كانوا كثيرين، في الواقع، بحيث اضطُرُّوا إلى فتح أبواب القاعة والسماح للناس بالاستماع من الخارج. جلست "لا" في الجزء الخلفي من القاعة، كما كانت تفعل دائمًا، وبجانبها كان ولد فليكس الصغير، الذي بلغ حينها الثامنة. كان سلوكه لطيفًا ومقبولًا، كان يحمل سيارة لعبة صغيرة يلعب بها بهدوء على ركبته، ويقودها صعودًا وهبوطًا. ألقت عليه نظرة وابتسمت. فردَّ لها الابتسامة.

كانت قد نسيت العروض المتنوعة لأوركستراها، ولذا لم تستطِع الحُكم إن كانت أفضل الآن مما كانت عليه من قبل أم لا، لكنها بدت جميلة لها، جميلة جدًّا، بالضبط كما كانت تتمناها. في نهاية الحفل الموسيقي، عندما توقف صوت النغمات الأخيرة، ساد في القاعة صمتٌ تام. ثم، نهض أعضاء الأوركسترا، واحدًا تلو الآخر، وكذلك الجمهور. نهضوا في صمتٍ تام. لم يقل أحد كلمة، لم يَسعل أحد أو يبدِّل ما بين قدميه؛ كان الصمت هو سيد الموقف. ثم خرجوا. بدا أن الجميع شعروا بأنه من الخطأ كسر جو اللحظة بالتصفيق، ولذا لم يكن هناك تصفيق. فقط الصمت.

خرجت "لا" إلى الخارج ونظرت إلى السماء، حيث ما زال هناك شعاع من الضوء. كان ابن فليكس الصغير معها، لكنها كادت تنساه. فكَّرت أنه لا يفهم ما يحدث، وهذا شيءٌ جيد.

الفصل الخامس عشر

دعت فليكس وابنه إلى المبيت في الغرفة الخالية في نهاية الممر في الطابق السفلي. وعندما استيقظت في الصباح التالي وذهبت إلى المطبخ، رأت أن الاثنين قد استيقظا بالفعل وخرجا إلى الحديقة. كان فليكس يُري ابنه الشجيرات الصغيرة، مما ذكَّرها أنه كان قد زرع بعضها، وما زالت هناك بعد كل تلك السنوات.

أراد أن يُري ابنه المكانَ الذي عاش فيه، ولذا اصطحبه بعد الإفطار، في سيارته. وبقيت هي في المنزل. كانت تقدم القهوة لعدد من أعضاء الأوركسترا الذين جاءوا للحفل الموسيقي من أماكنَ بعيدة وسيغادرون في وقت لاحق من ذلك الصباح.

قال أحدهم: "أتمنى أن يكون ما قدَّمناه مفيدًا. ولكني أشُك في ذلك على أي حال. أليس هذا فظيعًا؟".

قالت: "الموسيقى تُحدث فارقًا. حتى لو… حتى لو…" لكنها لم تستطِع أن تكمل الجملة.

ثم سمِعوا الأخبار. صدح بها الراديو، في المطبخ. قال أحدهم، ببساطة، "السلام". فجلست لأنها ظنت أنها ستفقد الوعي. أمسكت رأسها بيديها. وقالت: "عجبًا!" كان هذا كلَّ ما قالته: "عجبًا!".

أرادت أن تجد فليكس على الفور وتخبره، لكنها أجبرت نفسها على الانتظار حتى يعود. ثم خرجت إلى الطريق المؤدي إلى المنزل. ورآها من خلال نافذة سيارته، وعندئذٍ أدركت أنها لا بد أن تبتسم وإلا سيعتقد أن الأخبار سيئة. فابتسمت. ثم، لتوضيح الفكرة، لوَّحت بيديها في الهواء.

قال: "أخبار جيدة؟ أهي أخبار جيدة؟".

فأجابت: "نعم. نعم".

التفَت وعانق ابنه الصغير وقبَّله. بدا الصبي مُفَاجأً، بل حتى مُحرَجًا. ثم أخذ فليكس يدي "لا" في يديه. لم يُقبِّلهما، ولكنه ضغط على يديها، كأنه يشاركها بعضَ الأخبار الجيدة السريَّة.

قال: إنها الأوركسترا يا "لا". أوركسترا "لا" أنقذت العالم. مرة أخرى.

فكَّرت في هذا لاحقًا. قال "مرة أخرى"، وعندها عرفت ما يعنيه.

دخلوا إلى المنزل، حيث كانت قد صنعت القهوة. في المرة الأخيرة التي كانوا معًا، لم تكن هناك قهوة حقيقية؛ أما الآن، فيا لها من رفاهية. ستظل هناك قهوة، وماء لصنعها، وناس لاحتسائها. كان كل هذا مُهدَّدًا، ولكن الآن انتهى التهديد.

سألت: "متى يجب أن تغادر إلى جلاسكو؟"

تردَّد، وأدركت أن هناك أوقاتًا يجب فيها قول شيء ما، شيء جامح غير لائق؛ وصريح للغاية.

قالت: "لا تغادر. ابقَ هنا. ابقَ فحسب. يمكننا أن نعيد تشغيل الأوركسترا".

نظر إلى ابنه، ثم نظر إليها. ونهضت على قدميها وحملت الصبي الصغير وقبَّلته.