أحمد فضل شبلول يلتفت الى أمير الشعراء بـ' ليالي الكرمة'

الشاعر والروائي المصري يضعنا 'أمام رواية تستند إلى الحقيقة، وتتعامل مع مادتها، وتعالج محتوياتها بفنية درامية قادرة على التأثير الجمالي والذهني معًا، مُنتجة رواية بحث، يشارك في تكوينها العلم والفن'.

القاهرة - بعد أن كتب الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول رواياته وكتبه عن الفنان التشكيلي محمود سعيد (اللون العاشق، والليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد، والكتالوغ)، والروائي نجيب محفوظ (الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ، ونجيب محفوظ بلا معطف، وعصر نجيب محفوظ) يلتفت إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، فيكتب عنه روايته الجديدة "ليالي الكرمة"، ويقصد بالكرمة هنا "كرمة ابن هانئ" بيت أمير الشعراء بالجيزة، وأيضا بيته السابق في المطرية الذي أطلق عليه أيضا "كرمة بن هانئ".

وإذا كان شبلول قد ترك الحديث لمحمود سعيد، ونجيب محفوظ، ليتحدثا في ليلتهما الأخيرة عن طريق الروايتين: "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد"، و"الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ"، فإنه في "ليالي الكرمة" لم يتحدث شوقي على الإطلاق، وإنما تحدثت عنه 28 شخصية عاصرته ورأته وقرأت أعماله سواء كانت شعرًا أو نثرًا.

وتشير كلمة الناشر "بيت الحكمة  للصناعات الثقافية" بالقاهرة، على الغلاف الخلفي للرواية إلى "أننا أمام رواية تستند إلى الحقيقة، وتتعامل مع مادتها، وتعالج محتوياتها بفنية درامية قادرة على التأثير الجمالي والذهني معًا، مُنتجة رواية بحث، يشارك في تكوينها العلم والفن. فهذا العمل مرآة سردية، تعكس صورة أمير الشعر أحمد شوقي من منظور شخصيات مرجعية، استطاع الكاتب أحمد فضل شبلول أن يُسلط عليها ضوء المتخيل؛ لترسم أوجهًا متنوعة تتشكل من خلالها ملامح الشاعر الفذ.

إن استنطاق عالم شوقي الحقيقي أو الفني ليتحدث عن هذا المبدع بشعره ومسرحه ونشاطه الفكري وعلاقاته السياسية وزمنه الثري، الذي تأسست فيه شخصية مصر المعاصرة بعروبتها وإنسانيتها؛ يضع النص في منطقة تمتزج فيها الواقعية بالفن، لتؤسس خطابًا متعدد الرؤى، يسمح لوجهات النظر بالتحاور، فتظهر الملامح العميقة لرجل استطاع أن يتصدر الإبداع الشعري العربي مهما تعرّض للنقد، بل إن منجزه يزداد قيمة مع الوقت كعملة ذهبية قديمة".

وعلى ذلك يستنطق شبلول تلك الشخصيات المعاصرة لشوقي بالحقيقة أحيانا، وبالاستبطان والخيال أحيانا أخرى. ومن هذه الشخصيات: حسين ابن أحمد شوقي الذي كان له في كلِّ ركنٍ بالكرمة وقفةٌ مع أبيه. وسكرتيره أحمد عبدالوهاب أبوالعز الذي قال: إن سيدي كان شديد العناية بإدارة أعماله وتدبير أمواله. أما كاتبه أحمد محفوظ فقد صرَّح بأن إعجاب شوقي بعبدالوهاب حبسه عن إبداء إعجابه بأم كلثوم. بينما ذكر أحمد زكي باشا (الملقب بشيخ العروبة) أن مزايا شعراء العصر اجتمعت في شوقي. وقد رأت أم كلثوم أن شوقي عندها هو شاعر الشعراء، أما صديقه الشاعر حافظ إبراهيم فقد قال: لم يُبقِ أحمدُ لي قولاً أحاوله.

شاعر القطرين خليل مطران رأى أن شوقي أعطى نفسه للشعر، بينما ذهب زكي مبارك إلى أن الدعاء في أعقاب شعر شوقي كالدعاء في أعقاب الصلوات.

ويتحدث د. سعيد عبده في "ليالي الكرمة" عن أفكار كثيرة عن تأليف مسرحيات شوقي.

بينما أكد أمير البيان شكيب أرسلان أنه كان جلَّادًا لأعداء شوقي، وتتبع الباحث السوري صالح الأشتر خطى شوقي في إسبانيا. وعن العداء الشديد بين عباس محمود العقاد وأحمد شوقي، رأى العقاد أن الثناء على شوقي ما هو  إلا حقدٌ على العقاد.

الخديوي عباس حلمي صديق شوقي أوضح أن كلمة شوقي مُتَّسِقة مع الروح الجديدة لمصر، بينما كشف عبدالمنعم شميس أن شوقي عاش قصص حب لا تحصى ولا تعد. ورأى المؤرخ والمترجم والناقد اللبناني عمر فروخ أن شوقي شخصية فخمة ضخمة. وأوضح وزير الثقافة الأسبق فتحي رضوان أن شوقي قطعة من تاريخنا العظيم. أما عن مسرحيات شوقي فقد رأى الشاعر كامل الشناوي أنها نجحت بقوة الشعر.

وعندما كتب شوقي مسرحيته الشعرية "مصرع كليوباترا" خايلته الملكة المصرية قائلة: دعِ الذودَ عن مصرَ لي. ورأى ماهر حسن فهمي أن شوقي فارغ للشعر غير مشغول بغيره. بينما كشف محمد الغنيمي التفتازاني عن صوفية شوقي مؤكدًا أنه نفحة من نفحات الحنفي. الكاتب الصحفي  محمد توفيق دياب أكد أن شوقي شخصيتان. بينما ذهب صاحب "زينب" د. محمد حسين هيكل أن شوقي شاعر ذاكرة المرئيات.

وفي "ليالي الكرمة" يحكي محمد صبري السربوني قصة الشوقيات المجهولة، بينما صرَّح الموسيقار محمد عبد الوهاب بأن شوقي غيَّر طريقه.

الرئيس السوري محمد علي العابد رأى أن شوقي مثالٌ مجسم من النبوغ الشرقي. وأكَّد المفكر الكردي السوري محمد كرد علي أن الشعر انقاد بأعنته لشوقي. ورأى الفنان التشكيلي محمود سعيد أن شوقي أولَى عنايته – في شعره – للرسم. ويختم الأمير السوري مصطفى الشهابي "ليالي الكرمة" بقوله إن شوقي شاعر العرب الأكبر.

وعلى ذلك نستطيع أن نقول إن "ليالي الكرمة" بشخوصها الكثيرة تعد رواية السيرة الغيرية الصوتية.

ومن أجواء الرواية نختار ما قاله حسين شوقي عن أبيه:

"أثناء ركوبنا الحنطور – أنا وأبي – كنتُ أُرغمه على الجلوس في المقعد الصغير الأمامي، على حين أجلس أنا أمامه في المقعد الكبير، وقد رآه مرة سمو الخديوي على هذه الحال، وكنا نسيرُ إذ ذاك في ضاحية المطرية، وكان سموه قادمًا من قصر القبة في طريقه إلى "مسطرد"، فاستدعى أبي ولامه على ذلك، سائلا: لمَ تفعل هذا؟ فأجابه: سله هو يا أفندينا لمَ يفعل بي هذا؟

والدتي لم تكن تتدخل في المنازعات اليومية، لأنها بطبيعتها رقيقة الحاشية إلى حد بعيد، حتى أن أبي كان يشبِّهها بقطة من أنقرة، بسبب هذه الرقة، وإشارة أيضا إلى أنها من أصل تركي، وقد اشتهر هذا النوع من القطط بالرقة والترفع.

وإذا كان أبي قد وفّق في حياته الأدبية، فأكبر الفضل راجع إليها، بسبب خلقها هذا، وبسبب طيبتها التي لا حدّ لها. فهي لم توجه إليه لومًا في حياته مرة، مع أنه كان خليقًا باللوم أحيانا. فهو كثيرا ما كان يستصحبُ وقت الظهر أصدقاء، حين عودته إلى المنزل، فيتغذَّى معهم، على حين تتغذَّى هي وحدها. أما العشاء فكان يتناوله معظم الأحايين في الخارج.

كان سريع التقلب كالمحيط، فطعام لم يُهيئ كما رغب يعكر مزاجه، ولكن إذا كان مزاجه معتدلا فهو لطيف غاية اللطف، يدلل الجميع ويلاطفهم، بل يرهق مَنْ حوله منا بالقبلات.

على أن أهم عيوب أبي أنانيته الشديدة، تًرى هل هي من لوازم الشعراء؟ ومن أنانيته مثلا أننا لم نستطع أن نتغدى في ساعة معينة، بل كان لزامًا علينا أن ننتظر إلى أن تأتي شهيته. وكثيرا ما كان يطول هذا الانتظار؛ لأنه كان يصحو من نومه متأخرًا، فيفطر بطبيعة الحال متأخرًا، وسبب هذا التأخير في النوم أنه يراجع بعد ما يعود من سهرته، ما نظم من شعر طوال نهاره.

ومن ذلك أنه عندما كنَّا  في أوروبا، وكنَّا نذهب إلى أحد المطاعم كان يغضب من عليّ ومني، حين نختار الأصناف المألوفة، بل كان يجب علينا – حسب رأيه – أن نختار أصنافًا جديدة مجهولة الأسماء، كي يختار هو منها في المرة القادمة، إذا راقتنا. فكانت اقتراحاته هذه تفسد علينا الأكلة، لأن تلك الأصناف كانت "مقالب" في معظم المرات. كان حظِّي منها مرة ضفدعًا، وطبعًا لم آكله، بل صدَّ نفسي عن تناول أي طعامٍ آخر، مع أنه يقال إن طعم الضفدع كالحمام السمين.

ألم يكن أبي أنانيًّا عندما تخلَّى عن الخديوي حين سافر سموه إلى الحجاز ليؤدي فريضة الحج، ذلك العاهل الذي كان هو شاعر بلاطه، والذي كان يحبه ويعطف عليه كل العطف؟!".