حين تحتضن الدولة للبنانية مواطنيها
أنهت الحرب التي استمرت أكثر من سنة خطر حزب الله على إسرائيل. غير أن تلك الحرب لم تنه الحزب. ذلك أمر غير وارد ولم يكن في الإمكان توقع حدوثه. وهنا لا أقصد الجانب العقائدي وحده بل وأيضا الجانب العسكري. فالحزب اليوم بعد أن قُتل الكثير من قيادييه بضمنهم أميناه السابقان أثناء الحرب لم يعد سوى كتلة بشرية ضخمة مسلحة ولهذا فإن خطرها الذي انسحب من إسرائيل صار منحصرا في لبنان، حيث يمكن أن يؤدي الشعور بالاحتقان بسبب العزل السياسي إلى حدوث انفجارات متعددة في هذا الموضع أو ذاك كما حدث ردا على منع طائرة إيرانية من الوصول إلى مطار رفيق الحريري بشبهة نقلها اموال للحزب من طهران. كان من الممكن أن يلعب العراق دورا خدميا مجاورا في تعويض خسائر الحزب لولا أن طريقه البري إلى لبنان قد تم قطعها ولم تعد طائراته المدنية بعيدة عن الشبهات.
بعد ما حدث في سوريا من تغيير جذري كان إنهاء الوجود الإيراني واحدا من أهم نتائجه وبعد أن وضعت الدولة اللبنانية يدها على مطار رفيق الحريري في بيروت صار وصول المال الإيراني نقدا إلى بيروت أمرا في غاية الصعوبة. بمعنى أن الكتلة البشرية الهائلة التي لا تزال تتمتع بحملها السلاح غير القانوني قد حُرمت من التمويل الذي يضمن لإفرادها الاستمرار في حياة، لم يكن العمل جزءا من مفرداتها. حملة السلاح الذين فقدوا البوصلة القيادية صاروا في طريقهم إلى الإفلاس أو هم اليوم مفلسون وبالأخص أن مخازن المال في الضاحية كانت قد احترقت أثناء الحرب. تلك صورة كالحة لن ينفع الاستمرار في الاتصال بالقيادة الإيرانية في إضاءتها على الرغم من كل الوعود المتفائلة التي يطلقها أركان النظام الإيراني بين حين وآخر.
في المقابل نجحت الدولة اللبنانية أخيرا في أن تتحرر من هيمنة حزب الله عليها. انتهت سنوات طويلة من الرضوخ لمشيئة الحزب الذي كان في إمكانه بكل يسر أن يُعطل عمل الدولة من خلال تحكمه بالحكومة ومجلس النواب من خلال ما سُمي بالثلث المعطل. لم يعد هناك اليوم ثلث معطل بعد أن تم استبعاد حزب الله من الحياة السياسية وهو ما نتج عن قيام حكومة غير حزبية لا يمكن لأي حزب أن يعرقل عملها من خلال سحب وزرائه. في إمكان نواف سلام وهو رئيس الوزراء أن يطمئن إلى أن قرارته التي هي قرارات حكومته ستأخذ طريقها إلى التنفيذ من غير أن يعيقها أحد. ذلك ما حدث في أزمة المطار التي لم يتمكن حزب الله من تطويرها إلى صدام بين متظاهريه والجيش.
ما لم يتم نزع سلاح حزب الله، وهو مطلب لبناني قبل أن يكون دوليا لا يمكن اعتباره لبنان بلدا آمنا ومستقرا وهو ما يعني أن المستثمرين لن يقتربوا منه خشية منهم على أرواح موظفيهم وعمالهم وأموالهم. ذلك ما حدث مع رجل الأعمال الاماراتي علي الحبتور الذي ألغى جميع مشاريعه الاستثمارية في لبنان. ربما كان الحبتور على عجلة من أمرة في قراره غير أن رجال الأعمال يملكون نظرة ثاقبة لا تُخطئ إلا فيما ندر. فالدولة اللبنانية التي تحررت من هيمنة دويلة حزب الله عليها ستجد نفسها في المرحلة المقبلة مضطرة لإلزام حزب الله بتسليم سلاحه وإلا فإن العالم سيدير ظهره لها كما لو أن شيئا لم يحدث. ذلك صراع مؤجل قد يسعى العقلاء في حزب الله إلى أن يضعوا له نهاية من خلال تعاملهم بواقعية تضمن للمقاتلين السابقين الانضمام إلى الحياة العملية.
ستكون جنازة حسن نصرالله هي المشهد الجماعي الأخير لحزب الله. ذلك ما يتمناه اللبنانيون من أجل أن يبدأ لبنان دولة لمواطنيه وكفى محاصصة. كفى طائفية. كفى استقواء بالأجنبي. أعضاء حزب الله ومناصروه لبنانيون في الأصل. هم في حالة إنهيار. ذلك صحيح. غير أن جزءا منهم لا يزال يثق بالكذبة الإيرانية. تلك مشكلة قد لا تضر أحدا إذا ما تم تحييد السلاح. ستظل بيئة حزب الله مغمورة بالمياه الوهمية الإيرانية. وهي مياه ستتبخر سريعا من العقول إذا ما استعادت الدولة اللبنانية قدرتها على خدمة مواطنيها وتصريف شؤونهم. احتضان الدولة لمواطنيها هو التجسيد الأسمى لوجودها.