هل تنجح الدراما التونسية في استعادة اهتمام المشاهد التونسي

التلفزيون الرسمي التونسي بمختلف قنواته الحكومية والخاصة يراهن هذا العام على انتعاشة المشهد الدرامي عبر زيادة نسق الإنتاجات الدرامية والكوميدية مقارنة بالسنوات الأخيرة.
القناة الأولى تعول على مسلسلات الخمس عشرة حلقة للمصالحة بين المشاهد والمشهد الدرامي
قناة نسمة الخاصة تستكمل استثمار نجاح الأفلام في القاعات السينمائية بعرض سيتكوم 'صاحبك راجل'
الأعمال المبرمجة بالتلفزيون التونسي تلهب المنافسة بين المخرجين والمخرجات
المسلسلات الطويلة تعيد للدراما التونسية ألقها رمضان 2025
القناة التونسية الثانية تغرد خارج السرب من جديد

لم يعد يفصل المشاهد التونسي سوى ساعات قليلة عن الاطلاع على البرمجة الدرامية المنتقاة للمشاركة في الموسم الرمضاني الحالي والموزعة على القنوات العمومية والخاصة بالتلفزيون الرسمي التونسي، وعلى قلتها سيحاول التونسيون البحث عما يشدهم بينها، بوصفهم يفضلون متابعة إنتاجاتهم المحلية بالدرجة الأولى.

ويعود اهتمام المشاهد التونسي بالأعمال التونسية إلى ارتباط هذه الأخيرة بشهر رمضان، حيث تبقى ماكينة الإنتاج معطلة طيلة السنة لتدور فقط من أجل تقديم وجبة درامية رمضانية.

ويشارك التلفزيون التونسي في الماراثون الرمضاني لهذا العام بخمسة أعمال درامية هي "وادي الباي" للمخرجة راوية مرموش و"الرافل" للمخرج ربيع التكالي ويعرضان على القناة الأولى (عمومية)، "الفتنة" للمخرجة سوسن الجمني ويعرض على قناة الحوار التونسي (خاصة)، "الزعيم" للمخرج حمدي الجويني ويعرض على "تلفزة تي.في" (خاصة)، والجزء الثاني من مسلسل "رقوج- الكنز" للمخرج عبدالحميد بوشناق والذي يعرض على قناة نسمة (الخاصة).

ويعرض التلفزيون التونسي ممثلا في (القناة الأولى) أربع سلاسل كوميدية وهي: "ياسمين وفلة"، "جيران الغفلة"، "هريسة لاند"، و"كود زين"، وستعرض قناة نسمة الجديدة سلسلة "صاحبك راجل".

وتطغى الدراما الاجتماعية وفق ما تم تداوله على مواضيع هذه الإنتاجات الرمضانية التي تشهد هذا العام طفرة مقارنة بالسنوات الأخيرة التي عرفت شحا بلغ حد تركيز المشاهد التونسي اهتمامه غالبا على المسلسلات التلفزيونية القديمة على حساب الجديد منها.

وتنطلق القناة الأولى في النصف الأول من شهر رمضان بعرض مسلسل "الرافل" للمخرج ربيع التكالي وسيناريو طارق المؤدب، عزمي سعيد، شهير التكالي، وعزيز باي، وحوار طارق المؤدب وأسمهان الفرجاني، ويشارك في العمل وهو من مسلسلات الخمس عشرة حلقة، نخبة من نجوم تونس بينهم الصادق حلواس، مقداد السهيلي، ريم بن مسعود، مرام بن عزيزة، عبدالمنعم شويات، فيصل باي، عزيز باي، أسامة كشكار، سهير بن عمارة، أحمد الأندلسي، ناجية الورغي، محمد السياري، ومهذب الرميلي.

ويتناول المسلسل الدرامي "الرافل" الذي يجري إنتاجه في الوقت الحالي أحداثا اجتماعية وسياسية دارت في ثلاث حقب من تاريخ تونس، وتم تصويرها في عدة مناطق تونسية بينها سيدي بوسعيد، المرسى، الكرم، وباب بحر.

والمسلسل مستوحى من قصة حقيقية مليئة بالتشويق، حيث يروي رحلة "رعد" الذي وُلد في جزيرة جالطة (على بعد 81 كلم من مدينة بنزرت)، لكنه يفقد والديه بسبب المافيا الإيطالية، فيُنقل إلى دار للأيتام حيث يكبر هناك، وفي سن العشرين يقع في حب "أندريا" التي تحمل منه وبعودتهما إلى العاصمة التونسية للاحتفال بزواجهما تنقلب حياته رأسًا على عقب بسبب تجنيده إجباريًا، ليجد نفسه داخل الثكنة العسكرية ويشهد على أحداث قفصة.

وستقدم القناة الأولى خلال النصف الثاني من رمضان مسلسل "وادي الباي" وهو من إخراج راوية مرموش وسيناريو وحوار حمزة السوداني ومحمد المنصوري، وتدور أحداثه بين تونس العاصمة ومحافظة قفصة (الجنوب الغربي التونسي) في إطار درامي اجتماعي تاريخي.

والعمل ينتمي للمسلسلات القصيرة ذات الخمس عشرة حلقة أيضا، ما يعني أن القناة تراهن هذا العام على رفع نسب المشاهدات بشد المشاهدين طيلة أيام الشهر الفضيل، وهو ما يمكن أن يصالح بين المشاهد التونسي والمشهد الدرامي الرمضاني في تونس القائم منذ أعوام على اختصار أغلب الأعمال في 20 حلقة، ما سبب قطيعة بين متابعي الدراما التونسية والتلفزيون الرسمي.

ويحكي "وادي الباي" في سياق تاريخي تمت معالجته برؤية روائية قصة صراع بين عائلتين تونسيتين تسكنان في وادي قفصة (بمعتمدية المظيلة) في الفترة الممتدة بين الحربين الأولى والثانية على الإرث.

ووفق تصريحات بعض الممثلين لبرامج إذاعية وتلفزيونية، فإن العمل الذي بدأ تصويره يناير/كانون الثاني الماضي سيستغرق نحو ثمانية أسابيع حتى يكون جاهزا للعرض مع انطلاق الموسم الرمضاني، ويسابق المسلسل بذلك عامل الزمن حتى يصافح المشاهدين في النصف الأول من رمضان وهو ما اعتدت عليه أغلب الإنتاجات التونسية والتي يتواصل تصويرها أحيانا مع بدء عرضها على الشاشة الصغيرة، ما ينعكس غالبا على جودة العمل على المستويين التقني والفني.

ويجمع "وادي الباي" الذي سيعود بمشاهديه إلى ثلاثينات القرن الماضي، مجموعة من أبرز الممثلين في تونس بينهم حمزة بن داود، يسرا المسعودي، يونس الفارحي، وجيهة الجندوبي، وليد الزين، سماح السنكري، لطيفة القفصي، سوسن معالج، نادرة لملوم، لزهاري السباعي، علي الخميري، صالح الجدي، ووحيدة الدريدي.

وأثار المسلسل قبل عرضه جدلا حول غياب بعض الوجوه الفنية البارزة، لاسيما من كان منها أصيل محافظة قفصة على غرار النجمين عبدالقادر مقداد وحمادي عمار.

وتطل المخرجة سوسن الجمني التي اشتهرت في السنوات الأخيرة بأعمالها الرمضانية الناجحة والجريئة والتي تمكنت من شد المشاهد التونسي رغم إثارتها للكثير من الانتقادات والجدل، بعمل جديد بعنوان "الفتنة" ستعرضه قناة الحوار التونسي (خاصة)، على امتداد الشهر، حيث يتكون المسلسل من ثلاثين حلقة.

وتركز كاميرا الجمني في "الفتنة" في إطار درامي تشويقي على عدة قضايا اجتماعية تستعرض من خلالها تشابكات العلاقات الأسرية، وصراعات الميراث، والأسباب التي كانت دافعًا لاشتعال نيران الانتقام بين أفراد الأسرة الواحدة.

ويضم المسلسل ثلة من الممثلين بينهم ريم الرياحي، كوثر الباردي، نجلاء بن عبدالله، محمد مراد، محمد علي بن جمعة، آية فتوح، نجيب بلقاضي، عبداللطيف خير الدين، جمال ساسي، منى نورالدين، سارة الشريف، جمال المداني، بدر بن يوسف، نعيمة الجاني، فارس عبدالدايم، وغادة شكا.

وتعرض قناة "تلفزة تي.في" (خاصة) خلال الموسم الرمضاني الحالي عملا بعنوان "الزعيم" يعالج وفق رؤية عميقة جملة من العلاقات الإنسانية المستمدة من واقع المجتمع التونسي تهم لاسيما طبقة المهمشين، وهو مسلسل ينتمي لأعمال الخمس عشرة حلقة من إخراج حمدي الجويني، وتأليف كل من الممثل أحمد الأندلسي والإعلامي نوفل الورتاني.

وتدور أحداث "الزعيم" في إطار درامي اجتماعي تشويقي حول قصة "هيثم" الذي يخرج من السجن بعد عشر سنوات قضاها داخله بتهمة ملفقة، ليجد زوجته تزوجت من آخر وابنه مفقود وازداد أعداؤه قوة، ويجد نفسه ممزقا بين ماضي يطارده وحب جديد في حياته.

ويشهد المسلسل الذي بدأ تصويره في يناير/كانون الثاني الماضي عودة عدد من النجوم إلى الساحة الفنية بعد غياب دام سنوات وهم ريم بن شعبان، عاطف بن حسين، ومنال عمارة، ويشاركهم في التمثيل نخبة من الممثلين بينهم أحمد الأندلسي، سفيان الداهش، هادي الماجري، حسام الساحلي، لبنى السديري، عمارة المليتي، فاطمة برتقيس، صادق الطرابلسي، عائشة عطية، ورياض حمدي.

ويشارك المخرج عبدالحميد بوشناق في المنافسة الرمضانية الحالية والتي تشهد صحوة تعيد المشهد الدرامي بتونس إلى أيام الرخاء الإنتاجي، بالجزء الثاني من مسلسل "رقوج" الذي يحمل عنوان "رقوج: الكنز".

ويستكمل المخرج الشاب الذي أثبت قدراته الإخراجية خلال المواسم السابقة بأعمال أثرت المشهد الدرامي الرمضاني المفتقر للإنتاجات، تجربة واحد من أنجح المسلسلات التي عرضت في رمضان وكان لها صدى على الساحة التونسية والعربية.

ويواصل المسلسل الذي يجمع بين الخيال والواقع بأسلوب فريد قصة قرية تحمل اسم "رقّوج" سيكتشف سكانها كنزًا مدفونًا، مما يشعل صراعات بين أطراف مختلفة، بين من يسعى للسيطرة عليه ومن يحاول حماية القرية الخيالية من الفوضى، في إطار فانتازي مشوق يأخذ المشاهد في رحلة مليئة بالمفاجآت والغموض.

ويعتمد الجزء الثاني من العمل على أغلب الممثلين الذين شاركوا في الجزء الأول مثل عزيز الجبالي، وليد عيادي، ياسمين الديماسي، فاطمة صفر، هالة عياد، فاطمة بن سعيدان، أحمد العبيدي (كافون)، وبحري الرحالي، ومن المقرر عرضه على قناة نسمة الجديدة (الخاصة).

ويظهر من البرمجة الرمضانية التونسية أنها تشهد انتعاشة ليس على مستوى الإنتاج الدرامي فحسب، بل أن هناك زخما متزايدا في إنتاج الأعمال الهزلية "السيتكوم" أيضا، إذ من المنتظر أن تعرض بعض السلاسل الكوميدية خلال الإفطار بينها أربع تستأثر بعرضها القناة الأولى (حكومية).

ويعود لسيتكوم بعنوان "ياسمين وفلة" من إخراج نبيل بالسيدة سيعرض على القناة الأولى، الفضل في عودة مؤسسة التلفزيون التونسي للإنتاج من جديد، وذلك بعد انقطاع استمر نحو العقد.

ويروي العمل الذي يتناول الاختلافات السلوكية بين الأشقاء، حكاية شقيقتين مختلفتين، تعيش إحداهما في تونس والثانية أبناؤها يقيمون خارج البلاد وهي تمضي أغلب الأوقات في زيارتهم، ولكن تقرر أن تقضي شهر رمضان مع أختها المولعة بصناعة المحتوى على المنصات الرقمية، ويرافقهما في هذه الرحلة التي ستمتد على ثلاثين حلقة بمعدل عشرين دقيقة يوميا، الحارس "الربعي" الذي يقدم شخصية تقطع مع الصور النمطية لهذه المهنة.

و"ياسمين وفلة" سلسلة كوميدية اجتماعية من إخراج نبيل بالسيدة وسيناريو مشترك لكل من عمر التوتي وزهير الرايس، ومن بطولة كل من الفنانتين القديرتين ريم الزريبي وكوثر الباردي والممثل الشاب طارق بعلوش.

كما تقدّم القناة ذاتها السلسلة الكوميدية "كود الزين" من إخراج هاجر اللافي وتأليف أحلام الحكيمي (فكرة وسيناريو وحوار)، وتدور أحداث العمل داخل محل لمصور فوتوغرافي، حيث تلتقي فيه مختلف فئات المجتمع، مما يتيح فرصة لكشف زيف البعض وأحلام الآخرين بطريقة هزلية ساخرة.

والعمل المكون من ثلاثين حلقة يجمع نخبة من النجوم بينهم فتحي مسلماني، أميمة المحرزي، مريم بن حسن، شكيب الغانمي، محمد وسيم البكوش، رباب السرايري، ميساء ساسي، إكرام عزوز، عبدالعزيز المحرزي، محمد قريع، نصاف بن حفصية، وريم عبروق.

وضمن برامجها الكوميدية تراهن الوطنية الأولى، أيضا، على شدّ انتباه مُتابعيها عبر سيتكوم "هريسة لاند" من إخراج زياد ليتيم وتأليف سامي العقربي، ويشارك في بطولته جمال المداني، جميلة الشيحي، ونبيل بن مسمية (نبيل كُلاّب).

وتعكس السلسلة الهزلية من خلال شخصياتها وأحداثها المشوقة على امتداد ثلاثين حلقة التحديات اليومية التي تواجه المؤسسات العامة وتأثيرها على حياة الناس، فالعمل يقدم قصة ساخرة عن الفساد الإداري داخل المصالح الحكومية، بأسلوب يجمع بين الكوميديا والدراما، حيث يكشف عن سوء الإدارة، وتقاعس بعض الموظفين.

ومن بين الأعمال التي ستعرض على القناة الأولى أيضا سلسلة "جيران الغفلة" من إخراج سامي فعور وبطولة كل من شاكرة رماح، سماح سنكري، جمال ساسي، نجوى ميلاد، أماني الرياحي، بلال سلاطنية، وعزيز الشريف.

وتقرر برمجة سيتكوم "جيران الغفلة" للعرض ضمن قائمة الأعمال التي ستقدمها القناة الأولى خلال النصف الأول من الشهر الفضيل، وتدور أحداث العمل المكون من عشرين حلقة في إطار كوميدي حول اضطرار عائلتين منفصلتين للعيش معا في بيت واحد بعد أن تحيّل عليهما شخص من خلال بيعهما منزله كل جزء على حدة  بطريقة قانونية.

وتستكمل قناة نسمة الجديدة (خاصة) استثمار النجاح الذي تحققه بعض الأفلام في القاعات السينمائية من خلال عرض سيتكوم "صاحبك راجل" الذي تم تحويله من فيلم إلى مسلسل كوميدي من إخراج قيس شقير وبطولة درة زروق وكريم الغربي وياسين بن قمرة وسفيان الداهش وصلاح مصدق ويونس الفارحي وكوثر الباردي ولبنى السديري.

وتحرص القناة التونسية الخاصة على استكمال هذا التوجه الذي بدأته في العام 2023 مع فيلم "سبّق الخير" الذي يحمل توقيع المخرج قيس شقير أيضا، ثم فيلم "سوبر تونسي" الذي عرض الموسم الرمضاني السابق من توقيع نفس المخرج وفريق العمل ذاته.

ومن المنتظر أن يلقى سيتكوم "صاحبك راجل" استحسان متابعي الشاشة الصغيرة بعد أن نجح في الاستئثار بإعجاب عشاق الفن السابع، وتدور أحداث الفيلم حول "عزوز" (يجسد دوره النجم كريم الغربي) و"مهدي" (يلعب دوره النجم ياسين بن قمرة) شرطيان مختلفان تمامًا بالشخصية والطباع، فأحدهما متهور والآخر نزيه ومخلص لعائلته، فتقودهما تلك الشراكة في العمل إلى سلسلة من الأحداث المليئة بالحركة والكوميديا.

وتبدو البرمجة الرمضانية التي يقدمها التلفزيون الرسمي التونسي لهذا العام واعدة، فهي تضم قائمة محترمة من الأعمال الدرامية والكوميدية مقارنة بشح الإنتاجات التي بلغت ذروتها باقتراح عناوين تكاد تعد باليد الواحدة خلال السنوات الأخيرة.

وما يمكن ملاحظته هذه السنة أن المنافسة لن تكون بين الأعمال المبرمجة فقط، وإنما بين المخرجين كذلك حيث تحضر عدة أعمال بتوقيع مخرجات تونسيات إلى جانب عدد من المخرجين الرجال.

ويمكن كذلك ملاحظة رهان التلفزيون الرسمي التونسي على قناته الأولى مع استمرار القطيعة مع قناته الثانية التي تخصص برمجتها الرمضانية منذ سنوات لإعادة بث أكثر المسلسلات التونسية شهرة على قلتها.

ولا تبدو ملامح البرمجة الرمضانية التونسية واضحة بعد، نظرا لغياب بعض القنوات الخاصة التي عرفت في الأعوام الماضية بتقديم بعض المسلسلات والسيتكومات على غرار قناتي "التاسعة" و"قرطاج +"، ولعل ذلك عائد إلى انطلاق عمليات تصوير جل الأعمال خلال مطلع السنة الحالية ما يعكس حجم التحديات التي يوجهها القطاع.

ورغم عودة بعض الأعمال الدرامية إلى فترات مختلفة من تاريخ تونس، فإن الإنتاجات الاجتماعية تطغى على ما سيتم عرضه خلال الموسم الرمضاني الحالي على حساب الدراما التاريخية، كما ستكون المنافسة على أشدها بين مختلف السيتكومات التي أثبتت في السنوات الأخيرة فشلها في شد المشاهدين إلا في ما ندر منها.