'المسخ' عرض يخرج عبر الدمى عن مفهوم الاغتراب التقليدي

أسامة الحنايني: مسرح العرائس يوفر مساحة للتعبير عن العمق النفسي والوجودي للإنسان.
'المسخ' يرفع ستار الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس

يرفع عرض "المَسْخْ" (Metamorphosis) للمخرج التونسي أسامة الحنايني ستار الدورة السادسة من أيام قرطاج لفنون العرائس (الدمى) التي تنتظم هذا العام في الفترة من 1 إلى 8 فبراير/شباط المقبل محافظة على شعارها الرمزي "ماريونات، فن وحياة"، وباستخدام العرائس سيأخذ العرض الجمهور في رحلة فنية ابتكارية تسمح باستكشاف مفهوم الاغتراب في سياقات غير تقليدية.

فالعرض يقدم ترجمة فنية ومضمونية للعنوان "المسخ" الذي يعكس عمق الشعور الإنساني، فمصطلح "المسخ ما هو إلا تعبير عن التحول النفسي الداخلي الذي يعيشه الإنسان عند تعرضه لمشاكل وأزمات تنقص من إنسانيته وتشعره بالاغتراب عن نفسه وعن بيئته المحيطة"، وفق أسامة الحنايني.

ولئن بعثت أيام قرطاج لفنون العرائس لتكون نافذة مفتوحة على العالم تستقبل كل العرائسيين والمتفرجين، انطلاقا من سن الطفولة المبكرة حتى الشيخوخة، فإن هذا العرض سيكون ضمن القسم الموجه للكهول (للكبار) بوصفه شديد الارتباط بمفاهيم معقدة كالوحدة والعزلة والاغتراب.

ويجد عرض "المَسْخْ" في عالم الدمى مساحة واسعة للتعبير عن الأفكار المعقدة، حيث اختار الحنايني أن يبعث الحياة في العرائس في أولى تجاربه في الإخراج والكتابة الركحية.

وعن ذلك، يقول الحنايني في تصريح لموقع ميدل ايست اونلاين "استخدام مسرح العرائس للتعبير عن موضوع مثل الوحدة والعزلة والاغتراب يمكن أن يكون وسيلة قوية للغاية، فمسرح العرائس، بفضل طبيعته الرمزية، يتيح للفنانين إمكانية استكشاف الأفكار والمشاعر بطريقة غير مباشرة، مما يوفر مساحة للتعبير عن العمق النفسي والوجودي للإنسان".

وأضاف أن "مسرح العرائس يمكن أن يخلق عوالم غير حقيقية أو متخيلة، وهذا يسمح باستكشاف مفهوم الاغتراب في سياقات غير تقليدية. يمكن أن تمثل العرائس كائنات معزولة في عالم خيالي، مما يجعل هذه الغربة أكثر تأثيرًا على المتلقي".

وتابع أن "مسرح العرائس يمكن أن يساعد أيضا في نقل الأفكار المعقدة كالتي يحملها مشروعنا بطريقة مباشرة وفعالة. من خلال الحركات البسيطة والتفاعل بين العرائس، يمكن نقل عدة مشاعر بطريقة تلامس القلب.. كذلك هي تسمح لنا بخلق بيئة درامية خاصة حيث تكون العزلة والتفاعل مع الآخر موضوعًا مركزيًا، بينما يظل دائمًا في إطار فني يعكس عمق الشعور الإنساني".

وعرض "المَسْخْ" الذي يشارك في أدائه كل من أميمة المجادي، خلود الثابت، خلود الناعس، هيثم وناسي، أسامة الحنايني، محمد علي الكشطاني وغسان السويسي، هو عمل مقتبس عن رواية "التحول" للكاتب التشيكي اليهودي فرانز كافكا.

ووصفت هذه الرواية القصيرة التي نُشرت لأول مرة عام 1915 بأنها إحدى أفضل أعمال الخيال الشعري، فهي من أشهر أعمال القرن العشرين وأكثرها تأثيرًا، حيث تتم دراستها في العديد من الجامعات والكليًات في العالم الغربي.

وعن سبب اقتباس أسامة الحنايني لأولى أعماله الركحية من هذه الرواية، قال "قد قرأت هذا الأثر منذ زمن وعدت إليه لتقارب مواضيعه مع ما تعيشه البشرية من اختلال في التوازن النفسي الفردي والجماعي اليوم وهنا"، لافتا إلى أن "العمل غير ناطق بأي لغة، ولا يحمل نصا لكنه يحمل معاني مضمنة وهذا ما يجعل الأثر كونيا".

ويعبر عرض "المَسْخْ" وهو من إنتاج شركة كاريزما مع مشاركة المركز الوطني لفن العرائس ومسرح أوبرا تونس والمسرح الوطني، والمدعوم من قبل وزارة الشؤون الثقافية، من خلال مشاهده ومن ثم جوانبه التقنية والجمالية عن القلق الدائم والشعور بالاغتراب انطلاقا من الذات وصولا إلى نواة المجتمع الأولى، فالعالم بأسره الذي تكتسيه اغترابات لا حصر لها أدت إلى صراعات وحروب إقليمية، وفق تدوينة نشرها الممثل حسام الدين زريبي على صفحته بفيسبوك.

ويضيف "عمل يرسم للمشاهد مشاهد مأساوية متباينة أدائيا عبر ما يسمى بالتجليات 'الكفكاوية' الكبرى انطلاقا في ذلك وحسب رؤية المخرج الشاب من مفردات تفكيكية قد نستجلي معانيها بوضوح من خلال توزيعات هذا الأخير المرئية في فضاء العرض والتصورات السينوعرافية بما هي مرئي".

وأسامة الحنايني ممثل ومخرج تونسي أصيل معتمدية المحرس من محافظة صفاقس زاول تكوينه الأكاديمي بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، شارك في عدة أعمال مسرحية محترفة كممثل على غرار مسرحية "مايراوش" ومسرحية "كنت هاملت".

وقبل ساعات تفصلنا عن افتتاح الدورة السادسة من أيام قرطاج لفنون العرائس والاستعدادات تمضي على قدم وساق يتضاعف شعور الحنايني بمزيج من التحدي والمسؤولية، بسبب اختيار عرضه لحفل الافتتاح.

وقال الحنايني في تصريح لموقع ميدل ايست اونلاين "في الحقيقة الآن أحمل مشاعر مختلطة بين الحماس والقلق والتحدي. أشعر بشعور كبير من الإنجاز لأني تمكنت من تحويل أفكاري التي اختلطت بأفكار كافكا إلى عمل فني ملموس، خاصة وإن جملة المواضيع التي يقدمها الأثر قد تعكس مشاعر شخصية أو عالمية. لكن، في الوقت نفسه، قد تكون هناك مشاعر من القلق أو التوتر بسبب كونها تجربتي الأولى"، مضيفا "من الطبيعي أن أختبر شعورا بالمسؤولية، خاصة في أول تجربة، لكن هذا أيضًا قد يجلب لي فخرًا عميقًا، لأني قدمت شيئًا مبتكرًا يعكس جزءًا من تفكيري واهتماماتي. ستكون هناك لحظات من الفرح لأني شاهدت العمل يتطور أمامي، ولحظات من التحدي لأني أعلم أن هناك دائمًا مجال للتحسين والتعلم".

واختارت إدارة المهرجان عرضين تونسيين لافتتاح الدورة السادسة وختامها، وذلك لتعزيز الهوية الثقافية التونسية، وإتاحة الفرصة للجمهور لاكتشاف تجارب فنية جديدة.

والدورة السادسة التي تنطلق السبت مهداة إلى روح عبدالحق خمير الذي يعد أحد أبرز مؤسسي مسرح العرائس في تونس. كما يكرم المهرجان أربع شخصيات أخرى هي هالة بن سعد ووسيم مبروك ومختار مرزيقي وطاهر الدريدي.