'قيس سعيّد.. هل أخبرنا بكلّ شيء' قراءة في استراتيجية الرئيس التونسي الاتصالية
يستهل المؤلف والصحفي التونسي عبدالسلام الزبيدي كتابه "قيس سعيّد.. هل أخبرنا بكلّ شيء قراءة اتّصالية" الصادر حديثا عن دار سوتيميديا للنشر بمقدمة يقول فيها "لقد أخبرنا قيس سعيّد بكلّ شيء، لكنّنا تأخرّنا في الفهم، وعجزنا عن القبض على اللحظة وهي تمرّ. إنّنا أمام رئيس غير نمطي، يعتصم بالقول إنّه آتٍ من خارج المنظومة، يشعر بأنّه من كوكب آخر، يفتخر بأنّه غريب كصالح في ثمود"، وهو ما قد يستفز أي قارئ كون هذه المقدمة تطرح عليه تساؤلات كثيرة بما يمكن أن يحمله مضمون الكتاب الذي تزامن نشره مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
وبين "قيس سعيد.. هل أخبرنا بكل شيء؟" و"حتّى نفهم قيس سعيّد.. قراءة اتّصالية" اختار الزبيدي العنوان الأول لكتابه الذي جمع فيه 45 مقالا منشورا له في موقع "بوّابة تونس Tunigate" بين يناير/كانون الثاني 2023 ويوليو/تموز 2024، حيث عمل على إعادة تبويبها وفق محاور الخيط الناظم بينها قراءة الاستراتيجية الاتصالية للرئيس التونسي قيس سعيد، والقيام بتحليل مضموني لخطابه.
ويتوزع الكتاب الذي يقع في 244 صفحة على سبعة فصول معنونة كالآتي "سعيّد والاستراتيجية الاتصالية.. علامات، من الوعد إلى الحصيلة.. وسيُسأل، في الانتخابات.. إنّه قوْل مختلف، في الإعلام.. مقصلة المرسوم 54، السياسة الخارجية.. مفارقات، في الاقتصاد.. حتى لا تغرق البلاد، هوامش في الأصل".
وانطلاقا من دوافع عنونته للكتاب بـ"قيس سعيّد.. هل أخبرنا بكلّ شيء قراءة اتّصالية" يؤكد عبدالسلام الزبيدي في تصريح لموقع ميدل ايست اونلاين أن اختياره للعنوان لا صلة له بالانتخابات الرئاسية بالرغم من أنّ التزامن بين موعديْ النشر والاستحقاق الانتخابي يوقع في وهْم العلاقة السببية.
وأوضح أن "الكتاب يتجاوز هذه اللحظة التاريخية لما هو أبعد وأكثر أهمية، إنّه كشف لطبيعة المشروع السياسي لرئيس غير نمطي... سِجِلّه اللغوي حربي: صواريخ ومنصّات إطلاق وحرب وتحرير وتطهير ونصر أو استشهاد. لا يتردّد في وصف البعض ممّن يرأسُهم بل وممّن انتخبوه بالجراد والمتآمرين والمجرمين والإرهابيين".
ويتضمن الكتاب سيلا من الفرضيات التي تحتاج بيان صدقها بالأدلة والبراهين، من ذلك أنّ لرئيس (رئاسة) الجمهورية استراتيجية اتصالية، وأنّ لديه سياسة في ذلك وخططا ووسائط تنفيذ، وأنّه يوجد خيط ناظم لمختلف الأنشطة، وأنّ عناصر الخطاب الرئاسي الرسمي تتنزل ضمن رؤية متكاملة لتنفيذ المشروع السياسي القاعدي وإدارة الشأن العام والتعامل مع المرحلة الانتخابية القادمة (الانتخابات الرئاسية)، وأنّ رئيس الجمهورية قيس سعيد هو الفاعل الأساسي مقارنة بقصريْ قرطاج وباردو وبالمعارضات كذلك لكنّه ليس الفاعل الوحيد، فالفاعلون المساعدون أو المؤثرون أو المحدِّدون تحجبهم شجرة رئيس الجمهورية، وفق الزبيدي.
ولفت إلى أن الفرضية الأهم كانت هي القول بأنّ قيس سعيّد قد أخبرنا بكلّ شيء، لكنّنا تأخرّنا في الفهم، وعجزنا عن القبض على اللحظة وهي تمرّ. وحتّى نفهم قيس سعيّد أدرنا الظهر لكلّ الأدوات التفسيرية التي فقدت تاريخ صلاحيتها، ورفضنا الاعتماد على الفرضيات الكسلى، لنكشف عن مقاصده من خلال ما اعتبرناها استراتيجية اتّصالية غير معلنة فكّكناها في عدد من المقالات.
وحول خروج الكتاب في هذا التوقيت بالذات إلى المكتبات، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يقول الزبيدي "في الواقع، لم يكن هاجسي عندما استقرّ في ذهني تأليف جملة مقالات عن رئيس الجمهورية قيس سعيّد هذه الانتخابات الرئاسية المفترض إجراؤها يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فعند شروعي في كتابة المقالات، وأوّلها زمانيا، 'الوظيفة القضائية وهندسة المشهد السياسي في تونس' لم تكن هذه المحطة محلّ يقين، فقد كان ما كان حولها من جدل وتشكيك و'غموض رسمي'".
وأضاف "كان الهدف الأساسي إثبات أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد صاحب مشروع ملامحه جاهزة قبل أن يفوز بانتخابات 2019، خاصة جمع كلّ السلطات في يد شخص واحد، والقطع مع مقولة تفريق السلط، والعمل على إلغاء الوسائط وفي الحد الأدنى تحييدها أو تحجيمها سواء كانت إعلاما أو منظمات وجمعيات أو أحزابا".
إلا أنه يلفت إلى أنه مع صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين للاقتراع اختلف الأمر، حيث تحول تركيزه شبه الكليّ على كل ما له علاقة بالانتخابات من فاعلين وهيئات وترتيبات، مشيرا إلى حفاظه على نفس الزاوية، أيّ الإستراتيجية الاتصالية لقيس سعيد بما هي أداة تفسيرية للفعل السياسي الرسمي أوّلا، وباعتبارها كاشفة عمّا يريد سعيد تحقيقه تلميحا وإيماءً وترميزا أو بشكل صريح ومباشر ثانيا.
وفي ما يتعلق بتركيز الكتاب على الجانب الاتصالي، يوضح عبدالسلام الزبيدي "لا فرق عندي بين الاتّصال الرسمي المؤسساتي وبين السياسة ورسائلها، فالاتصال هو بعث لرسائل، وإذا صدرت الرسالة عن رئيس البلاد أي رجل سياسة، فمن الطبيعي أن تكون الرسالة سياسية حتى وإن كان موضوعها رياضي أو اجتماعي أو فني أو داخلي أو خارجي".
ويرى أنه من ناحية أخرى، يكشف ضبط الأجندة الاتصالية لرئيس البلاد ومن قبلها الإستراتيجية ذات العلاقة، حتما وبالضرورة عن توجهات المؤسسة الرسمية والفاعل الحقيقي فيها، فضلا عن الفاعلين الذين من المفترض أنّهم محجوبون عن أعين من يرى الفعل السياسي ثمارا لإرادة شخص واحد وليس لعوامل متشابكة ظاهرة وخفيّة.
ويُعْتَبر سعيّد وفق مؤلف الكتاب فاعلا أساسيا في مؤسسة الرئاسة، لكنه ليس الفاعل الوحيد، وأنّ لديه استراتيجية اتصالية يعلن من خلالها عن خطواته القادمة وعمّا يريد إنجازه، لكن العيب في العاجزين عن فكّ الشفرات.
ويعد "قيس سعيّد.. هل أخبرنا بكلّ شيء قراءة اتّصالية" الكتاب الثالث في رصيد عبدالسلام الزبيدي بعد مؤلّفيه "تقرير الحريّات الفردية والمساواة، جدل الفضاء الافتراضي: الفايسبوك نموذجًا"، و"الميديولوجيا لدى ريجيس دوبريه، فلسفة الإنسان المبلّغ".
قيس سعيّد لديه استراتيجية اتصالية يعلن من خلالها عن خطواته القادمة وعمّا يريد إنجازه
وصرح الزبيدي لموقع ميدل ايست اونلاين أنه إلى جانب الكتب الثلاثة الصادرة له حتى الآن هناك كتاب رابع ما يزال بالمطبعة وعنوانه "الذكاء والحقيقة في علاقة الإنسان بالمدار المعلوماتي"، موضحا "هو موضوع الأطروحة التي نلت على أساسها شهادة الدكتوراه في الفلسفة".
وتابع "يمكن تقسيم الكتب الأربعة إلى قسمين، الأوّل علمي أكاديمي وفيه الكتاب المذكور أعلاه وكتاب 'الميديولوجيا لدى ريجيس دوبريه، فلسفة الإنسان المُبلّغ'، أمّا الثاني فيجمع كتابنا الحالي حول القراءة الاتصالية لخطاب سعيّد وكتابي "تقرير الحريّات الفردية والمساواة، جدل الفضاء الافتراضي:الفايسبوك نموذجًا'".
وحول الفرق بين إصداراته القديمة والإصدار الجديد، يقول "إذا كان كتاب تقرير الحريات قراءة ميديولوجية لتقريرٍ أنجزته لجنة رئاسية بتكليف من الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، فإنّ هذا الكتاب قراءة اتّصالية لاستراتيجية الرئيس الحالي"، مضيفا "الكتابان سيْرٌ على حافة الخطر، الإعلام والاتّصال مجالٌ للنظر، واستثمارٌ للمناهج الفلسفية ومقارباتها. وهما أوّلا وأخيرا شهادة على ما نحن فيه، إنّهما تأريخ للحاضر وتوثيق له، وأكثر من ذلك تحليل ونقد".
وفي مقتطفات من الكتاب، يقول الزبيدي "إنّ غياب من يسهر على رسم الاستراتيجية الاتصالية لرئاسة الجمهورية (مكتب معلن أسماء ووظائف)، ثمّ يحوّلها إلى سياسات قطاعية ثم خطط تنفيذية بوسائل عمل ومراحل تجسيد، لا يدفع إلى القوْل بأنّ 'القصر صامت'، أو أنّ منتجاته منضبطة لـ'مزاجية' الفاعل الأساسي فيه (رئيس الجمهورية قيس سعيّد)، أو أنّ الفوضى هي سيّدة الموقف، بل يدفعنا إلى التساؤل عمّن يضبط فعليّا أجندة نشاط الرئيس، ومن يحدّد مخرجاتها اتّصاليا وإعلاميّا، خاصة وأنّه يوجد في كل أنشطته وتصريحاته وخطاباته أكثر من خيط ناظم، أزعم أنّه لا يمكن تفسيرها فقط بأنّ كل مانراه هو صناعة محضة للرئيس ذاته".
ويضيف "إنّ تفكيك الاستراتيجية الاتّصالية لرئيس/ رئاسة الجمهورية، بعيدا عن الأحكام المسبقة أو المتسرّعة والفرضيّات الكسلى، يعدّ مدخلا أساسيّا لإعادة رسم المشهد السياسي في تونس، والوقوف عند الفاعلين الحقيقيين لما يحدث فيها. فقد علّمنا التاريخ أنّ للفعل السياسي واجهة ووجه آخر، وأنّ الحاكم الفرد ليس أكثر من عنوان بارز أو شجرة تُخفي وراءها ليس بالضرورة غابة بأكملها. فقد نجد بعض الشجرات أو الكائنات البشرية المحتجبة عن الأنظار. وما يخفى على الأنظار قد يكون من العوامل المساعدة تقنيا فقط أو من العوامل المؤثرة بنسب متفاوتة، وربّما أكثر من ذلك من العوامل المحدّدة".
وعبدالسلام الزبيدي من مواليد تونس 1970، وهو باحث تونسي حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس-جامعة تونس المنار عن أطروحة تحت عنوان "الذكاء والحقيقة في علاقة الإنسان بالمدار المعلوماتي"، كما أنه حاصل على ماجستير في فلسفة التنوير والحداثة عن بحث بعنوان "الميديولوجيا لدى ريجيس دوبريه".
والزبيدي كاتب صحفي له مقالات منشورة بصحف عربية ومراكز دراسات وأبحاث، إلى جانب أنه شغل مهام مدير التحرير بعدد من المؤسسات الإعلامية بينها "الشروق، الأنوار، الصريح، قناة المتوسّط، إذاعة موزاييك، وبوّابة تونس"، وتقلّد خطة مستشار اتّصال وإعلام برئاسة الحكومة التونسية، ومستشار اتصال وإعلام بوزارة الطاقة والمناجم، بالإضافة إلى أنه مؤسس شركة استشارات في مجال الاتصال.