'عصمت داوستاشي ومقتنياته' رحلة فنية توثق لتجربة التشكيلي السكندري

الفنان المتخصص في النحت يرى أن المبدع الحقيقي يضيف الجديد للمسيرة الفنية ولا يسجن نفسه في أسلوب واحد يكرره.
عصمت داوستاشي: لم أستعجل في خلق شخصية فنية لي .. لقد مارست كل الاتجاهات
المعرض متحف فني ينفتح على عالم فنان احترف الرسم منذ العاشرة من عمره

لم يكن افتتاح معرض عصمت داوستاشي في الرابع من فبراير/شباط الجاري بغاليري بيكاسو ايست بالقاهرة مجرد حدث، بل كان بمثابة تكريم كبير لرمز من رموز الفنون البصرية، حيث ينقل هذا المعرض الاستثنائي زواره إلى عالم من الفن والتاريخ والسحر، ويقدم لأول مرة رحلة كاملة ترصد مراحل التطور الفني لتجربة التشكيلي السكندري.

ويتجاوز الفنان التشكيلي في معرضه الجديد الذي يحمل عنوان "عصمت داوستاشي ومقتنياته" حدود المكان والزمان، ليسافر بعشاق الفن في رحلة عبر الزمن تنقلهم إلى محطات مختلفة من تجربته، فقد تركت أعماله منذ انطلاقته الأولى عام 1962 بصمة واضحة في عالم الفنون، حيث تميزت بتنوع أساليبها وعمق رسالتها.

فالمعرض الذي يستمر إلى غاية الثامن والعشرين من فبراير/شباط الجاري يأتي تكريما لمسيرة الفنان عصمت داوستاشي الذي يُعد واحدًا من أبرز الأسماء في الساحة الفنية المصرية المعاصرة، فهذا المعرض يشكل احتفالا حقيقيا بالإبداع والإرث، بوصفه لا يضم روائع هذا الفنان فحسب، بل يضم كذلك مقتنياته، وهو ما قد يخلق حوارًا فنيًا بين الأجيال.

ويمكن اعتبار هذا المعرض الذي تم افتتاحه بحضور نخبة من الشخصيات الفنية والإعلامية البارزة وعشاق الفن، متحفا فنيا مفتوحا على عالم الفنان الذي احترف الرسم منذ العاشرة من عمره.

وعن ذلك، يقول عصمت داوستاشي في تصريح لموقع ميدل ايست اونلاين إن "لوحات هذا المعرض متحفية"، مضيفا أن الأعمال المعروضة تشكل "مختارات من أهم محتويات متحفه المتواضع في حي العجمي بالإسكندرية"، مبينا أنه اشترى أرضا في تلك المنطقة في العام 1973 عندما كانت صحراء، وبنى عليها مرسمه ومنزله الذي حوله إلى متحف لأعماله بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011.

ويضم متحف داوستاشي بالإسكندرية المدينة التي ما انفك يعبر عن عشقه لها وانشداده إليها، أكثر من ألف عمل بين تصوير ونحت وأعمال مركبه وفوتوغرافيا.

ولفت داوستاشي إلى أن المقتنيات الخاصة به والتي يضمها المعرض الحالي هي الأخرى مختارات من أصغر متحف للفن المصري الحديث الذي يضم أكثر من خمسمائة عمل من أعمال فناني مصر معظمها في حجم صغير لأنها بمرسم.

وعصمت داوستاشي وُلد في 14 مارس/آذار 1943، وتخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1967، متخصصًا في فن النحت، غير أن رحلته الفنية بدأت قبل ذلك بكثير، حيث أقام أول معرض له للرسوم الزيتية والتصوير الفوتوغرافي عام 1962، قبل أن يبدأ دراسته لفن النحت في جامعة الإسكندرية.

استهل داوستاشي مسيرته الفنية بعمل تشكيلات تجريدية مستفيدا من خبرته في الفوتوغرافيا ومستخدما الكولاج (القص واللصق)، ثم واصل الرسم لفترة ليعود بعد ذلك بأسلوب جديد ويغير اسمه من عصمت عبدالحليم إلى عصمت داوستاشي وأطلق على نفسه اسم "المستنير دادا"، فلوحاته أخذت شكلا سيرياليا يميل إلى الدادية مشحونة بالرمز والعناصر والألوان القوية.

وفي أعماله الحديثة، تطور أسلوبه نحو التصوف الديني، حيث تميزت أعماله بالجمع بين العناصر الشعبية والملاحم القديمة والعوالم الميتافيزيقية. عُرف بتغير أسلوبه المستمر واستخدامه للأشياء القديمة في تركيبات ثلاثية الأبعاد تحمل نقدًا ساخرًا للعديد من القضايا الاجتماعية. تسعى أعماله إلى تحقيق توازن بين السرديات القديمة والوعي الروحي، مع تحدي الأشكال والأساليب التقليدية بحثًا عن هوية فنية فريدة.

وكشف داوستاشي في فيديو قصير نشرته صفحة غاليري بيكاسو ايست بفيسبوك في إطار الترويج لمعرضه الجديد أنه دخل عالم الرسم منذ كان عمره عشر سنوات، وأنه ظل نحو 15 عاما يتعلم متنقلا من مدرسة فنية إلى أخرى، ومن تقنية لتقنية، ومن أسلوب إلى أسلوب آخر، إلى أن وجد في أوائل السبعينات نفسه، لغته، إشاراته، عالمه الخاص في مجموعة "الكف".

ويوضح الفنان السكندري في حديثه لموقع ميدل ايست اونلاين "أنا لم استعجل في خلق شخصية فنية لي .. لقد مارست كل الاتجاهات والمدارس الفنية منذ بدأت الرسم عام 1953 وعمري عشر سنوات تاركا رسوم الطفولة إلى علم الفن الحقيقي .. حتى وجدت نفسي أرسم لوحات الكف عام 1970 لتشكل عالمي الخاص ولغتي البصرية التي عرفت بها بعد ذلك وهكذا انطلقت في تنوع مستمر ينتمي لي".

وشدد على أن "الفنان الحقيقي يضيف الجديد للمسيرة الفنية ولا يسجن نفسه في أسلوب واحد يكرره"، قائلا "أنا ما زلت أرسم رغم ظروفي الصحية والسن" التي تناهز الحادية والثمانين، معربا عن أمله أن يقدم في "معرضه القادم أعمالا جديدة".

وتعكس رحلة عصمت داوستاشي الفنية الديناميكية التزامه بالابتكار وتأثيره الدائم على الفن المعاصر، وهو يرى أن المعارض في معظمها موجهة إلى "جمهور لم يشاهدها من قبل وخاصة شباب الفنانين"، قائلا "وهذا ما يتمناه الفنان".

وقد شارك داوستاشي في العديد من المهرجانات، وأقام أكثر من 61 معرضا منذ 1962، كما شارك في معظم المعارض الجماعية، وتقتني بعض أعماله وزارة الثقافة ومتحف كلية الفنون الجميلة ومتحف الفن المصري الحديث بالقاهرة، وحصل على العديد من الجوائز، وكانت الأولى عام 1962 في معرض اتحاد طلاب الإسكندرية عن لوحة تصوير زيتي بعنوان "في انتظار الفرج" وحصلت على المركز الأول.