منى عارف تواصل العزف على إيقاعاتها المتفردة
تواصل الكاتبة المصرية منى عارف كتابة رؤاها النقدية فيما تقرأه من أعمال إبداعية في القصة القصيرة والرواية والشعر، وذلك تحت عنوان "إيقاعات متفردة"، وبين أيدينا الجزء الخامس من مشروعها النقدي الذي حمل رؤاها في عشرة أعمال إبداعية، وقد صدر مؤخرا عن دار المفكر العربي بالقاهرة.
في مجال الرواية، تختار الناقدة رواية "الحرب في الشرق" لزين عبدالهادي، وترى أنها رواية فارقة في زمنٍ فارق، اختلطت فيه أحداث كثيرة وأخرى عادت للظهور، وتقول إنها من أمتع الروايات التي حكت عن حرب الاستنزاف والتهجير، وتحمل كثيرًا من الآلام وكثيرًا من الحنين. وتتساءل هل هذه الرواية سيرة ذاتية يا تُرى؟ أم سيرة وطنٍ أعياه القدر؟ وتجيب إنها بلا شك سيرة ذاتية خاصة جدا. وتشير إلى أن المنولوج هو الصفة الغالبة على الحكي، وجاء منولوجًا معرفيًّا خاصًّا يحمل مفردات وتركيبات سحرية.
أما رواية "الحفيدة" لفاطمة الصعيدي فتؤكد عارف أنها سيرة ذاتية تحمل البوح الفيّاض الذي جاء مليئًا بلمحاتٍ كثيرة منها: الديني والجغرافي والتاريخي والإنساني والروحي، بخلاف ما بدأت به كتابة القصص أو الروايات التي اتخذت نفس المنحنى منذ بداية القرن العشرين أو قبله. وهي تلخص رأيها في رواية "الحفيدة" في آخر سطر بقولها: "رواية ماتعة تحمل الكثير والكثير".
وتأتي رواية "ثعلب ثعلب" لأحمد فضل شبلول مزيجًا من الواقعية السحرية والخيال العلمي والتاريخي في تضفيرة مهمة وأسلوب جديد غير معتادٍ في كتابة الرواية. فهي رواية ذات ملامح غرائبية سحرية في كثير من فصولها. وقد أتاح الرمز والتناص في هذا العمل مساحة كبيرة للتأويل السياسي والاجتماعي.
أما رواية "دماء على الثوب الأبيض" لفؤاد فرغلي فترى الناقدة منى عارف أنها طلقة قوية مصوبة إلى ذاكرة السارد وإلى ذاكرة المجتمع، والروايات الجيدة هي دومًا وثيقة لزمن ما ولجيل ما، هي ذاكرة مكان بلا شك، وكأنها تذكرنا بسلبيات الثورة ومساوئها وحالة انهيار المجتمع وتفككه وما سببته ثورات الربيع العربي من انحدار وتدهور للبلاد التي قامت فيها.
رواية "غذاء في بيت الطباخة" لمحمد الفخراني، ترى الناقدة أنها كتابة فلسفية مبتكرة من نوع آخر، حيث دارت فصولها خلال خمسة أيام يقطعها فصل معنون بالحرب، حيث عمل الكاتب على أنسنة الحرب، فأصبح لها كيان وصوت وآراء تفسر كيف بدأت الحرب بين البشر، وكيف استكملت حلقات الكراهية في هذا العالم حتى صار الآخر يقتل أخاه وعينه في عينه. وتركز الرواية على الأنا والآخر، وتحكي بالحوار كمغامرة غير معروفة النتائج بين جنديين في أرض القتال، كل منهما ينتمى إلى معسكر العدو، التقيا في خندق واحد يتبادلان حديثًا. وتشير الناقدة إلى أن تلك الرواية جاءت على غرار فكرة مارتين بوبر الفيلسوف الوجودي في كتابه "أنا وأنت".
رواية "تاج شمس" لهاني القط تأخذك في رحلة لقرية هي قرية تاج الشمس، تجعلنا نتعرف على أحوال الناس وطبيعة الحياة الريفية بها، وتطرح أمامنا الكثير من التساؤلات حول الخذلان والهزيمة واليأس واختفاء الأمل، وتفتح أقواسًا لعالم أسطوري أشبه بالواقع الذي أصبحنا نعيش فيه، حيث سيطرت المصالح والمنفعة الشخصية.
في مجال المجموعات القصصية، اختارت الناقدة منى عارف مجموعة "الجندي الأخير في جيش سقنن رع" للكاتب سمير لوبا، وهي القصة الرابعة في المجموعة، تأتي بعد أن فك شامبليون طلاسم حجر رشيد، فنعرف قصة جديدة، ربما الأسماء فيها حقيقية وتاريخية، حيث تم العثور على مومياء الملك سقنن رع داخل تابوت ضخم من خشب الأرز في خبيئة الدير البحري، ومات وهو في الأربعين من عمره مصابا بكسر في الجمجمة أدى إلى موته. وترى الناقدة أن هناك مفارقة بين بطل انقطع عن الحياة المعاصرة، وعاش في أمجاد الماضي، وبطل يتذكره ويتحسر عليه، ثم يعود ليشتري على أرض الواقع علبة سجائر كليوباترا.
وتتوقف الناقدة عند المجموعة القصصية "اليوم الثامن" لشريف مليكة التي تنوعت فيها القصص والأفكار، موضحة للقارئ أنه أمام لقطات إنسانية تارة، ومشاعر فياضة مرتبكة ومركبة، "أنت في الغربة وإذا بك في قلب مصر تسمع ضجيج شوارعها وأصوات الجيران والمارة، وترى بوضوح شديد أسماء شوارع وأحياء، كاميرامان يتجول بك ومعك على الصعيد النفسي الداخلي، وعلى الصعيد الإنساني الخارجي، حيث تلمع الزاويتان بكل وضوح".
وتوضح الناقدة أن البناء الداخلي لكل قصة على حدة لا يتشابه مع الأخرى، ولكنها تتجمع في إطار فكرة واحدة، الحنين إلى الماضي والكشف عن لحظات خاصة جدا.
على صعيد آخر تحدثت الناقدة عن كتاب "زعماء وآراء" لعيسى بيومي، وتصفه بأنه كتاب شيق، يطوف بالقارئ بين بلدان العالم، في رحلة كشفٍ يتأكد فيها أن الإنسان مونتاج أفكاره، والكتاب فيه دعوة صريحة إلى السلام، يؤكد فيها الكاتب على أنه عبر التاريخ تنتصر دومًا خانة الحقيقة والحب والإيمان عن طريق الرسم البارع للشخصيات، والكتابة هنا جاءت مثيرة للجدل تحث بحماس للمعرفة وتقوم بتصدير رسالة إنسانية بحتة.
أما كتاب "الرواية رحلة الزمان والمكان" للدكتور مصطفى الفقي فهو بمثابة رحلة وسفر وجزء من ذاكرة أجيال عبرت هذا الطريق وهي تنظر إلى السماء في تبتل، عشقًا للوطن، وحبًّا لمصر وإيمانًا بأنها عصية على السقوط، لأنها الكنانة المحروسة دائمًا.