ذئاب 'غايم أوف ثرونز' تعود الى الحياة بعد الاف السنين من انقراضها
واشنطن – عاد نوع من الذئاب انقرض قبل حوالي 12,500 سنة إلى الحياة مجددًا، ليُصبح أول حيوان "يُعاد إحياؤه بنجاح" وفقًا لشركة التكنولوجيا الحيوية الاميركية "كولوسال بايوساينسز".
وأعلنت الشركة من مقرها بدالاس الإثنين أن علماءها أنشأوا ثلاث جراء من "الذئب الرهيب" باستخدام الحمض النووي القديم، وتقنيات الاستنساخ، وتحرير الجينات لتعديل جينات الذئب الرمادي، وهو أقرب أقرباء الذئب الرهيب من الكائنات الحية اليوم. والنتيجة هي نوع هجين يشبه في مظهره النوع المنقرض.
"الذئب الرهيب" (الاسم العلمي: Aenocyon dirus)، والذي ألهم ظهور الكلاب المفترسة في مسلسل "صراع العروش" على قناة HBO، كان من أشرس الحيوانات المفترسة التي جابت أميركا الشمالية قديمًا. وقد ذكرت الشركة أن هذه الذئاب كانت أكبر حجمًا من الذئب الرمادي، وتمتاز برأس أعرض قليلًا، وفراء خفيف كثيف، وفك أقوى.
ومنذ سنة 2021، تعمل كولوسال على محاولة "إحياء" الماموث، وطائر الدودو، ونمر تسمانيا، لكنها لم تكشف سابقًا عن عملها على الذئب الرهيب.
والشركة لا تقوم باستنساخ الحمض النووي المحفوظ مباشرة على طريقة "حديقة الديناصورات"، بل تقوم بتعديل جينات أقرباء الأحياء الحاليين ليبدوا ويتصرفوا مثل أسلافهم المنقرضين.
وتقول الشركة إنها نجحت في إحياء ثلاثة ذئاب رهيبة حتى الآن، وتخطط لصنع سبعة أو ثمانية. اثنان منها، "رومولوس" و"ريموس"، وُلدا في أكتوبر/تشرين الأول، والثالثة "خليسي" وُلدت في يناير/كانون الثاني، على اسم شخصية "دينيريس" من صراع العروش.
وقال بن لام، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، في بيان صحفي: "هذا الإنجاز الضخم هو أول مثال من بين عدة أمثلة قادمة تُثبت أن تقنيتنا الشاملة لإعادة الإحياء تعمل بالفعل. لقد أخذ فريقنا حمضًا نوويًا من سن عمره 13,000 سنة وجمجمة عمرها 72,000 سنة، ونجح في إنتاج جراء ذئب رهيب بصحة جيدة."
وتعيش هذه الجراء الثلاثة حاليًا في موقع تبلغ مساحته 2000 فدان، لم يُفصح عن موقعه، ويُحيط به سياج عالي بارتفاع 3 أمتار مخصص للمرافق الحيوانية، ويخضع لمراقبة مشددة تشمل حراس أمن، وطائرات بدون طيار، وكاميرات بث مباشر. وأكدت كولوسال أن هذا المرفق معتمد من الجمعية الإنسانية الأميركية ومسجّل لدى وزارة الزراعة الأميركية.
حفريات الذئب الرهيب والحمض النووي القديم
باستخدام الحمض النووي المستخرج من حفريتين، تمكن علماء كولوسال وشركاؤهم من تجميع جينومين عاليي الجودة من نوع Aenocyon dirus. وقارنوا هذه الجينومات مع جينومات كلاب معاصرة مثل الذئاب وابن آوى والثعالب لتحديد التغيرات الجينية المرتبطة بصفات الذئب الرهيب، مثل الفراء الأبيض والطويل والكثيف. وبحسب بيان الشركة، فإن الذئب الرهيب والرمادي يتشاركان في 99.5٪ من حمضهما النووي.
وقالت بيث شابيرو، كبيرة العلماء في كولوسال: نحن لا نحاول استرجاع شيء مطابق جينيًا بنسبة 100 بالمئة لنوع منقرض، بل هدفنا هو خلق نسخ وظيفية من هذه الأنواع المنقرضة. ركزنا على التغيرات التي نعرف أنها تؤدي إلى صفات محددة".
واستنادًا إلى هذا التحليل، عدّل الفريق خلايا من ذئب رمادي عبر 20 تعديلًا في 14 جينًا، ثم استنسخوا السلالات الخلوية الواعدة وزرعوها في بويضات مستخرجة من كلاب منزلية.
وتشرح شابيرو: "نأخذ هذه البويضات ونزيل نواتها، ثم نُدخل فيها نواة الخلية المعدّلة من الذئب الرمادي، وهذا هو الجنين الذي نستنسخه".
بعدها نُقلت الأجنة المتطورة إلى كلاب إناث بديلة — كلاب كبيرة من سلالات مختلطة — لتكون الأمهات الحاضنات. أجريت 8 عمليات نقل أجنة، بمتوسط 45 جنينًا في كل محاولة.
وُلدا جروان ذكران من الذئب الرهيب في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بينما وُلدت أنثى في 30 يناير/كانون الثاني 2025، وفق ما أعلنت الشركة.
وقال مات جيمس، المسؤول عن رعاية الحيوانات في كولوسال: عندما علمنا أن هناك جروًا واحدًا فقط في كل ولادة، لم يكن هذا هو السيناريو الأمثل ربما، لكنه كان مقبولًا جدًا. لم نكن نريد أن نجد أنفسنا فجأة مع 25 ذئبًا رهيبًا... كان ذلك سيكون من الصعب التعامل معه."
وأوضح أن الجراء "اعتادت على البشر" لكنها ليست أليفة. الذكران الأكبر سنًا "يستكشفان المزيد من موطنهما كل يوم" لكنهما يعودان إلى القاعدة مرتين يوميًا للتغذية. ويأمل في "تنمية القطيع" مستقبلًا.
وأضاف: "ما زلنا نلاحظ سلوكيات يافعة جدًا، فهم أكثر حذرًا وانطوائية من الذئاب الرمادية. لم نرَ حتى الآن تعبيرهم الكامل عن سلوكهم، لكن عندما تأتي موجة التستوستيرون، أعتقد أننا سنشهد سلوكيات مثيرة للاهتمام."
التحرير الجيني وإعادة الإحياء
لتحقيق هدفها، أنشأت الشركة جينومًا هجينًا باستخدام تقنية كريسبر (CRISPR) لحذف بعض الجينات الرمادية واستبدالها بجينات مرتبطة بالذئب الرهيب، وفقًا للبروفيسور لوف دالين، المتخصص في علم الجينوم التطوري في جامعة ستوكهولم ومستشار كولوسال.
وقال دالين: "لا شك أن هذه الحيوانات تحتوي على 99.9٪ من جينوم الذئب الرمادي. سيُثار جدل علمي حول عدد الجينات التي يجب تغييرها لصنع ذئب رهيب، لكن هذا في النهاية سؤال فلسفي."
وأضاف: "تحمل هذه الحيوانات جينات الذئب الرهيب، وتجعلها تبدو أشبه به من أي شيء رأيناه في الـ13 ألف سنة الماضية، وهذا أمر رائع".
ورغم أن دالين لم يشارك في تحرير الجينات أو الاستنساخ، إلا أنه وصف ما حدث بأنه "قفزة هائلة" مقارنة بما سبق في هذا المجال.
وقال: "ما فعلوه هو إحياء الشكل الظاهري للذئب الرهيب، ونحن نعلم من الجينوم أنهم على الأرجح كانوا يشبهون هذه الجراء. بالنسبة لي، هذا ذئب رهيب بالمعنى الوظيفي".
وقالت شابيرو إن النقاش حول ما إذا كانت هذه الذئاب مطابقة وراثيًا لسلفها المنقرض "يفوّت الهدف"، مؤكدة أن الفريق نجح في "إحياء الجوهر الوظيفي" للذئب الرهيب.
وأضافت: "أدرك أن المجتمع العلمي يقول: ’إنها ليست قريبة جينيًا بما يكفي من الذئب الرهيب.‘ لكن هذه التصنيفات من صنع البشر. إنها أدوات، وليست حقائق مطلقة. لقد حددنا بدقة 20 تغييرًا جينيًا، وهو عدد قليل، لكنه مكّننا من إحياء هذه الصفات الجوهرية".
إعادة الإحياء وحماية الأنواع
ومنذ تأسيسها في سبتمبر/أيلول 2021 على يد لام وعالم الجينات في جامعة هارفارد جورج تشيرش، جمعت كولوسال تمويلًا بقيمة لا تقل عن 435 مليون دولار. وتأمل الشركة بإطلاق أول عجول من الماموث الصوفي بحلول سنة 2028.
وتأمل الشركة أن تسهم تقنياتها في إنقاذ أنواع مهددة بالانقراض، إذ أعلنت الإثنين عن نجاحها في استنساخ نسلين من الذئب الأحمر، وهو النوع الأكثر تهديدًا في الولايات المتحدة، باستخدام نهج جديد أقل تدخلًا تم تطويره أثناء مشروع الذئب الرهيب.
وقال جيمس: "الذئب الأحمر مثال ممتاز على نوع يعاني من نقص في التنوع الجيني. ما يمكننا فعله هو استخدام هذه التقنية لإعادة إدخال أفراد مؤسسين يعززون هذا التنوع'.
وأكد مايكل ناب، أستاذ مساعد في جامعة أوتاغو في نيوزيلندا، أن التكنولوجيا قادرة على المساهمة في الحفاظ على الأنواع، وقال إن من الاستخدامات المحتملة أيضًا "تحرير الطفرات الضارة من تجمعات الأنواع المهددة، أو إدخال صفات جديدة تساعدها على التكيف مع التغير البيئي".
لكنه حذر من محدوديات التقنية، قائلًا: الجينات التي نُدخلها لتعزيز الفراء قد تكون لها آثار غير مرغوبة. وغالبًا، لا يكون النوع فقط هو المنقرض، بل نظامه البيئي أيضًا."
ويقول بعض منتقدي مشاريع إعادة الإحياء إن الأموال الطائلة قد تُصرف بشكل أفضل في جهود أخرى، وإن تربية هذه الكائنات الهجينة قد تشكل خطرًا على الحيوانات الحاضنة. لكن كريستوفر بريستون، أستاذ الفلسفة البيئية في جامعة مونتانا، قال إن كولوسال تبدو حريصة على رعاية الرفق بالحيوان، مستشهدًا بحجم المنشأة ودعم الجمعية الإنسانية الأميركية.
وأضاف: "لقد اتخذت كولوسال احتياطات ذكية لتفادي الآثار الجانبية غير المرغوبة للتعديلات الجينية، وحذفت التعديلات المعروفة بأنها خطرة."
ومع ذلك، يشكك بريستون في إمكانية لعب الذئاب الرهيبة دورًا بيئيًا فعليًا، وهو الهدف المعلن للشركة في حال نجحت مستقبلًا في إحياء الفيلة-الماموث.
واختتم قائلًا: "في ولايات مثل مونتانا، نحن نواجه صعوبات في الحفاظ حتى على مجموعات الذئاب الرمادية، وسط معارضة سياسية متزايدة. من الصعب تخيل أن الذئاب الرهيبة سيتم إطلاقها لتأدية دور بيئي. لذا من المهم أن نسأل: ما الدور الحقيقي الذي ستؤديه هذه الحيوانات الجديدة؟"