كيف نجعل هويتنا الكويتية قوية بما يكفي لاحتواء الآخر؟

تتحمل الحكومة الكويتية المسؤولية الأكبر في تعزيز قيم التنوع ومكافحة العنصرية، فهي تملك أدوات التأثير في الرأي العام وصياغة السياسات.

على خلفية قرار الحكومة الكويتية سحب الجنسية من النساء اللواتي اكتسبنها عن طريق الزواج من مواطنين، برزت على وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة من العنصرية المقيتة، لم تخلوا من تبادل الشتائم والاساءات اللفظية.

لكن العنصرية ليست مجرد شتائم تُتبادل على منصات التواصل الاجتماعي، بل هي "خيانة للوطن" قبل أن تكون جريمة أخلاقية. فما جرى عبر منصات التواصل كشف عن وباء اجتماعي عنوانه "النرجسية العرقية" التي تختزل الوطن في فئة واحدة، وتُقصي الآخر لمجرد اختلافه.

تنذر هذه الممارسات بخطر داهم ينبغي على الحكومة ان تلجمه، فهي ليست مجرد انتهاكات عابرة، بل هي "قنبلة موقوتة" تهدد كيان الوطن قبل أن تُدرج في لوائح المخالفات العنصرية. فمخاطر العنصرية تتشابه مع مخاطر النزاعات المذهبية، وكلاهما سلاح قذر يهدد نسيج الوطن.

إن تشجيع التنوع في مؤسسات الدولة، بدءًا من المدارس والجامعات وصولًا إلى الوظائف الحكومية، لا يعد مسألة أخلاقية أو اجتماعية فقط، وانما ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة.

لذا تتحمل الحكومة المسؤولية الأكبر في تعزيز قيم التنوع ومكافحة العنصرية، فهي تملك أدوات التأثير في الرأي العام وصياغة السياسات؛ ولكن:

1- لا يكفي تجريم العنصرية قانونا؛ بل يجب أن تصبح محاربة العنصرية قضية رأي عام، والسؤال: لماذا لا تُنشأ "نيابة مختصة بجرائم الكراهية"؟ لماذا لا يُحاسب المسؤولون عن خطاب التمييز امام وسائل الاعلام؟

2- لا يكفي تعزيز التوعية عبر المناهج التعليمية، بل يجب دمج قيم التعايش في كل المواد، والسؤال: لماذا لا يتم تدريب المعلمين على أساليب التعامل مع التنوع في الصفوف الدراسية؟، لماذا لا يتم دعم إنتاج أفلام تربوية تعرض الآثار النفسية والاقتصادية للتمييز؟

3- لا يكفي تشجيع التنوع في المؤسسات الحكومية والخاصة، بل يجب "تحويل التنوع إلى ثقافة مؤسسية دائمة"، والسؤال: لماذا لا تتبنى الحكومة "حملات إعلامية جريئة" تدعم التوعية المستدامة لمخاطر العنصرية؟، لماذا لا يتم اعتماد استراتيجية القيادة بالقدوة لتعزيز سلوك مكافحة التمييز؟

4- لا يكفي تقديم الدعم المالي لمؤسسات المجتمع المدني، بل يجب بناء شراكات بين الحكومة وهذه المؤسسات، والسؤال: لماذا لا تقوم مشاريع مشتركة لرصد جرائم الكراهية؟ لماذا لا تصمم حملات توعوية تستهدف المناطق الأكثر عرضة للتمييز؟

التجارب العالمية تثبت ان "قبول التنوع" هو الفيصل بين الأمم المتقدمة والمتخلِفة. فالمجتمعات التي تعتبر الاختلاف ثروة تستثمره في التنمية وتصل إلى مصاف الدول المتقدمة، بينما تلك التي تنغلق على نفسها تظل اسيرة الصراعات.

لذا فان السؤال المستحق ليس: "كيف نحمي هويتنا من الآخر؟"، بل "كيف نجعلها قوية بما يكفي لاحتواء الآخر؟"، وهذا هو الفارق الحضاري بين مجتمعات تكتفي بالركون إلى تراثها وكأنه نصب تذكاري، وأخرى تبني مستقبلها على أسسٍ من الانفتاح الواعي، حيث تصبح التعددية مصدرَ قوة، والتفاعل مع المختلف فرصةً للتجدد.