محمود شقير يكتب لـ'حفيدة من هناك'
القدس - صدر حديثا عن "منشورات المتوسط – إيطاليا" كتاب جديد للكاتب الفلسطيني محمود شقير بعنوان "حفيدة من هناك".
ولشدة هول التجربة الغزاوية ومن شدة وضوحها، فإن محمود شقير هنا لم يكن بحاجة إلى لغة خاصة، أو إلى تعابير تنطوي على مجازات شعرية صعبة التفسير أو معقدة، بل كانت لغته ملائمة للكارثة الإنسانية واستطاعت نقلها ببساطة وبدقة، فالقارئ سيعرف عبر كل مقطع وكل جملة ماذا فعلت الحرب بغزة وبأهلها جميعاً، فقد بدت المقاطع مشهدية ومرسومة بقلب الجدّ الذي فقد حفيدته.
ويتضمن الكتاب الذي جاء في 144 صفحة من القطع الوسط، مقاطع أغلبها تظهر على شكل لواعج يبثها الكاتب لحفيدته التي تعيش في غزة وسط الحرب والدمار وفي قلب الخطر. تلك الـ"حفيدة من هناك" يبدو أنها غير موجودة إلا في خيال الكاتب، أو أن قصة ما تكمن خلفها:
"قلتُ لجَدِّتِها وهي تغلي قهوةَ الصَّباح:
- لنا حفيدةٌ في رَفَحَ، وقبلَ ساعةٍ هاتفَتْني وقالت: سَلِّمْ على جَدَّتي.
نظرتِ الجَدَّةُ إليَّ في فضولٍ وتساءلت:
- حفيدةٌ في رَفَح! متى كان ذلك؟!
قلتُ:
- منذُ ابتدأتْ هذه الحرب.
سبقتُها إلى الصالةِ، وشغَّلتُ التلفازَ، وكانتِ الحربُ تأكل
الأخضرَ واليابسَ، ولا تستثني أحداً هناك.
جاءتِ الجَدَّةُ بصينيَّةٍ عليها بكرجِ القهوةِ وثلاثةِ فناجين.
صبَّتِ القهوةَ فيها، ثمَّ قالت:
- هذا الفنجانُ الثالثُ لحفيدتِنا التي في رَفَح.
قد يكون شقير أراد أن يخاطب أطفال غزة عامة عبر حفيدته تلك، ففي الحروب يموت الأطفال أولاً، بقذيفة أو بتعب أو ببرد أو بجوع ...:
منذُ ابتدأتِ الحربُ وحفيدَتي تمشي حافيةً على بلاطِ البيت.
قالت: سأذهبُ إلى السوقِ رَغْمَ المخاطرِ الكامنةِ هناك
سأذهبُ، وليكنْ ما يكون
فقد مللتُ، نعم، مللتُ.
ذهبتْ إلى السوق
لعلَّها تجدُ شبشباً تنتعلُهُ داخلَ البيتِ وفي محيطِ البيت.
فلم تجدْ سوى شبشبٍ نمرتُهُ أكبرُ مِنْ نمرةِ قدمَيْها.
اشترتْهُ وعادتْ به إلى البيتِ قبلَ قصفِ الحيِّ بخمسِ دقائقَ أو سبع.
صدر الكتاب ضمن سلسلة "براءات" التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
ومحمود شقير واحد من كبار الكاتب الفلسطينيين، من مواليد مدينة القدس 1941. خريج فلسفة وعلم اجتماع من جامعة دمشق 1965. ترأس شقير تحرير عدة صحف ومجلات عربية كصحيفة الطليعة المقدسية، مجلة دفاتر ثقافية، مجلة صوت الوطن وصحيفة الجهاد المقدسية. يكتب القصة والرواية للكبار وللفتيات والفتيان. أصدر أكثر من خمسة وأربعين كتاباً، وكتب مسلسلات تلفزيونية طويلة، وعدة مسرحيات.
وتُرجمت العديد من قصصه إلى اللغات الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الصينية، المنغولية، والتشيكية. حائز على جائزة محمود درويش للحرية والإبداع 2011، وجائزة القدس للثقافة والإبداع 2015، وجائزة دولة فلسطين في الآداب 2019، وجائزة فلسطين العالمية في الآداب 2023. تنقل بين بيروت وعمّان وبراغ، ويقيم حالياً في مدينة القدس.
تؤسس المتوسط وهي دار نشر مستقلة ذات موقف جذري، ديناميكية في اختياراتها وآليات عملها انطلاقاً من موقفها ذلك. وتنشط منشورات المتوسط في البلدان العربية وتنشر الكتب في مجالات الأدب والفكر والثقافة عامة.