عندما يصبح الجوع سياسة دولة
هناك العديد من الملفات التي كلفت وتكلف النظام الايراني الكثير، ولكن ليس أي منها مثل ملفي البرنامج النووي وملف التدخلات في بلدان المنطقة، فهما الى جانب الكلفة المالية الباهظة لهما. هناك أيضا الكلفة السياسية والقانونية التي طالما كانت سببا في خلق المشاكل والازمات المختلفة والتي كانت لها آثار وتداعيات على الامن والاستقرار الاجتماعي في إيران.
التأثيرات بالغة السلبية للملفين اللذين ذكرناهما آنفا على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران، من القوة بحيث إن السلطات الايرانية لم تتمكن من التكتم والتغطية عليها بل وحتى إنها وبحكم حالة السخط والغضب الشعبي على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة جدا باتت تقدم بين الفترة والاخرى إعترافات تم إختيارها بدقة لتبرير سوء الاوضاع مع ملاحظة مهمة وهي الحرص والحذر من الربط بين الاوضاع الاقتصادية الصعبة وبين الملفين المذكورين أعلاه.
وبهذا الصدد وخلال تصريح تم بثه على قناة إيرانية رسمية في 12 أبريل 2025، قال عضو في لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان خلال جلسة حضرها رئيس المجلس محمد باقر قاليباف: "الفئات الأفقر من الشعب، من الشرائح الأولى إلى الثالثة، تعاني من نقص حاد في السعرات الحرارية، والبروتينات، والمغذيات الدقيقة… وقد أثر هذا على نمو الأطفال: في الطول والوزن وحتى القدرة على التعلم". وهذا الكلام يعود أساسا لما جاء في تقارير رسمية تؤكد معاناة أطفال كثيرون في إيران من تأخر في النمو، ضعف في المناعة، صعوبات في التعلم وحتى تشوهات في الدماغ بسبب نقص المغذيات الأساسية. ويضيف البرلماني في تصريحه "عندما نتحدث عن “الشرائح الأولى إلى الثالثة”.
نحن نتحدث عن نحو 20 إلى 30 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر المدقع، بحسب الإحصائيات غير الرسمية."، ومع الاخذ بنظر الاعتبار إن الرقم المذكور عن المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر أعلى بكثير من هذا الرقم الذي حرص البرلماني على تذييله بعبارة "بحسن الاحصائيات غير الرسمية"، وهذا يعني بأن هذا الرقم مبالغ فيه وأن الاحصائيات الرسمية أقل من ذلك بكثير، وهو كلام فيه الكثير من المغالطة والتمويه، مع ملاحظة إن هذا البرلماني أو غيره من المسؤولين في النظام الايراني يتحدثون وبصورة محددة عن بعض التأثيرات والتداعيات السيئة للسياسة الاقتصادية للنظام رغم إنه ومن الواضح جدا إن الفقر في إيران لا يعود فقط الى العقوبات وإنما هو نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية فاسدة ينتهجها النظام بإشراف وتوجيه من خامنئي، ذلك إن عائدات النفط لا تصرف على الغذاء أو الصحة أو التعليم، بل تهدر في تمويل الحروب بالمنطقة، وفي مشاريع عسكرية وأمنية لقمع الداخل، أو تسرق من قبل دوائر ضيقة مرتبطة بـ"بيت خامنئي".
بصورة عامة فإن النظام لا يعترف بمسؤوليته، بل يرسل نوابه ليتحدثوا بلغة التبرير أو لإلقاء اللوم على الخارج، من دون أن يعترفوا بأن الفقر والجوع في إيران قد أصبح سياسة دولة، ومع ذلك، فإن هذه الاعترافات ولو كانت محدودة تظهر أن النظام بدأ يشعر بالضغط الشعبي المتصاعد.