نزع سلاح حزب الله ضرورة لقيام دولة لبنان
يكشف الموقف الذي أعلن عنه مؤخرا الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم فيما يتعلق بنزع سلاح الحزب وإنهاء حالة الطوارئ التي يعيشها لبنان بسبب ذلك السلاح عن حجم البلاء الذي ابتلي به لبنان. فحين يقول قاسم "سنواجه مَن يعتدي على المقاومة ويريد نزع سلاحنا وننصح بألا يلعب معنا أحد هذه اللعبة" فذلك معناه أن كل التوقعات التي كانت تحذر من أن البندقية المرفوعة باسم المقاومة يمكنها أن تستدير إلى الوراء لتوجه رصاصها إلى اللبنانيين بغض النظر عن مستوى ولائهم الوطني كانت صحيحة. كل اللبنانيين مستهدفون ويمكن أن يتعرضوا للخطر إذا ما تساءلوا عن معنى أن يستمر الحزب حاملا سلاحه في ظل متغيرات كثيرة، دولية وإقليمية ومحلية كلها تدعو إلى ضرورة أن يحظى اللبنانيون بدولة تحفظ لهم كرامتهم وتبعد عنهم شبح الفقر والإستلاب ومصادرة الحريات وتخطط لمستقبلهم على أساس حق المواطنة.
واقعيا لم يكن لبنان في حاجة إلى مقاومة تحمل السلاح قبل أن تحل الكارثة به وبالمقاومة معا. لقد أُتخم حزب الله بالسلاح القادم من إيران حتى فاض عن حاجته فصار عليه أن يقاتل في سوريا وفي العراق ليمارس دور الوكيل الإقليمي بدلا من أن ينحصر دوره في لبنان وعلى مساحة محدودة هي الجنوب اللبناني الذي لم يعد محتلا منذ عام 2000. لقد تأكد قياديو حزب الله أن هيمنة دولتهم على الدولة اللبنانية صارت بحكم الأمر الواقع، فهم الذين يعينون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وهم الذين يسنون القوانين وصار في إمكانهم طرد القضاة واللعب بالعدالة بطريقة تمنعها من المرور بالضاحية الجنوبية. كل الذين قتلهم حزب الله حُفظت قضاياهم أما انفجار مرفأ بيروت نهاية عام 2020 الذي أدى إلى محو نصف الجزء التاريخي من العاصمة اللبنانية فإن مسؤولية الحزب عنه كانت واضحة وأكدتها كل الوقائع كما أن القضاء سمى الجناة، ولكن أحدا لم يجرؤا على القبض عليهم لأنهم في حماية الحزب.
كان سلاح حزب الله هو السبب الذي أدى إلى انفجار مرفأ بيروت. وسلاح حزب الله هو السبب في أن يكون لبنان طرفا في حرب لم يقرر خوضها فلم يكن مضطرا لذلك وليست له مصلحة فيها. تلك حرب إيران التي خاضها حزب الله تحت شعار "وحدة الجبهات" الذي رفعته طهران ودفعت وكلاءها وفي مقدمتهم حزب الله لتطبيقه عمليا من أجل إزعاج إسرائيل ودفعها إلى التقرب منها. لم تكن غزة إلا موقدا رمت إيران أتباعها حطبا فيه وعينها ترنو إلى مكان آخر. كانت قيادة حزب تنفذ التعليمات الإيرانية بطريقة عمياء ولا قيمة لمصلحة لبنان لديها. "أنا جندي لدى الولي الفقيه" جملة لطالما قالها حسن نصرالله متفاخرا. لم يكن لبنان حاضرا في حسابات زعامة حزب الله وهي تقرر الدخول في حرب ضد إسرائيل، شعار "نصرة غزة". كان في إمكان لبنان أن ينصر غزة من غير أن يمر بالخراب الذي تعرض له بسبب إصرار حزب الله على أن يكون طرفا في حرب عبثية.
إذا ما جئنا إلى الوضع من نهاياته. كان لابد أن يُهزم حزب الله لكي يتنفس لبنان هواء حقيقته. ذلك لأن دولة لبنان لا يمكنها أن تستعيد وجودها في ظل هيمنة سلاح الحزب الذي احتواها بعد أن ابتلاها بالمقاومة التي هي ليست في حاجة إليها. فقد اللبنانيون دولتهم ولم يستفيدوا من المقاومة شيئا. حل عبث المقاومة وهو شأن إيراني محل قيم الدولة المدنية التي خسرت الكثير من وقتها من أجل لاشيء. الآن هُزم حزب الله وقُتلت كل قياداته العسكرية والسياسية وانقطعت سبل الإمداد الإيراني غير أن الحزب لا يزال عبارة عن كتلة بشرية ضخمة لا يجيد أفرادها القيام بأي شيء سوى استعمال السلاح. هل سيكون على الدولة اللبنانية التي تحررت لأول مرة منذ خمسين سنة من ضغوط السلاح أن تقبل بأن يستمر حملة السلاح غير القانوني في ممارسة حرفتهم الوحيدة؟
كان من الطبيعي أن يرفض رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي كان قائدا للجيش خيارا من ذلك النوع. فمجرد وصول الرجل إلى قصر بعبدا كان إيذانا بإنتهاء حقبة حزب الله. وهو ما يعني أن نزع سلاح الحزب لم يعد مجرد مطلب شعبي لبعض الفئات كما ادعى نعيم قاسم، بل هو ضرورة لقيام دولة ذات سيادة على أراضيها. دولة مستقلة اسمها لبنان.