
أزمة تهز الناشرين المصريين في الرباط الدولي للكتاب: معضلة شحن أم خلل تنظيمي؟
يُعقد معرض الرباط الدولي للكتاب الثلاثين في الفترة من 18 أبريل/نيسان إلى 27 أبريل/نيسان، ينظَم المعرض سنويا تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالمغرب، تشارك هذه الدورة من المعرض أكثر من 756 جهة عرض، موزعين بين 292 عارضا مباشرا و464 عارضا بالوكالة من 51 دولة.
نشر عدد من الناشرين المصريين على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مشكلة تتعلق بتأخر وصول الكتب رغم أنهم سلموها بالفعل في الموعد المحدد من قبل اتحاد الناشرين وشركة الشحن، وكان متوقعا أن تصل قبل بداية المعرض بوقت كاف، الأمر الذي لم يحدث.

وفي تصريح خاص لميدل إيست أون لاين أشار أحمد القرملاوي المدير التنفيذي لدار ديوان للنشر إلى أنه وحتى اليوم السادس للمعرض "لا يوجد أي تأكيد حتى الآن إن كانت الكتب ستشارك في المعرض أم لا ونحن في اليوم السادس للمعرض، حيث لا توجد آلية للناشرين لتتبع الشحنة بأنفسهم، وما إذا كان التأخير بسبب الإفراج الجمركي أم لا، كما نوَّه إلى صعوبة تقدير الخسائر حتى الآن، ذلك رغم إصدار اتحاد الناشرين بيانات متتالية إلا أننا لم نصل منها إلى شيء واضح ومحدد حتى الآن".
وأكد القرملاوي أن اختيار شركة الشحن مسؤولية اتحاد الناشرين حيث هو من يحدد الشركة بناء على مناقصة وتقديم عروض من شركات الشحن لاختيار العرض الأنسب، كما أننا لا نعرف شركة الشحن إلا قبل الشحن مباشرة، وأشار القرملاوي إلى أن "الخسائر المادية رغم صعوبة تحديدها حاليا إلا أنها كبيرة، وتشمل تذاكر السفر، والإقامة، وبدل السفر للفريق المشارك، ومصاريف الشحن، وإيجار الجناح، ولكن الجانب الأهم من الخسائر يتعلق بالسمعة؛ لأن هناك قراء في المغرب الشقيق وصلتنا رسائل هجومية منهم على صفحات التواصل الاجتماعي للدار يتساءلون عن كتب كنا قد أعلنا عن مشاركتها بالمعرض، ويبدون اندهاشهم من وجود حملات تسويقية كبيرة للكتب إلا أن الكتب نفسها لم تصل، مما يعرض الدار للخسائر المعنوية، خاصة ونحن دار نشر حديثة عمرها 3 سنوات فقط، خاصة مع الجهد الكبير الذي بذل لإخراج إصدارات جديدة ومنها كتاب "أم كلثوم"، وإعادة طبع أخرى خصيصا للمشاركة في معرض المغرب لنجيب محفوظ، ومصطفى محمود، وأحمد بهجت، ويوسف السباعي".
أضاف القرملاوي أن الجهة التي تمثلنا هي اتحاد الناشرين، وهو المسؤول عن إدارة الأزمة وتعويض الناشرين عن الخسائر، لكن لا أعتقد أن أي تعويض مادي قادر على استعادة سمعة الناشر المصري، مصر اسم كبير ويشارك عدد كبير من الناشرين المصريين في المعرض بما يمثل ربع أو ثلث المعرض، لذا فلديه قلق من اتخاذ معرض الرباط نفسه موقفا تجاه الناشرين المصريين بعد تلك الأزمة لأن غياب الكتب عن الأجنحة أثر على شكل المعرض نفسه وسمعته كمعرض دولي بدا ربعه أو ثلثه فارغا.
وعند سؤاله عن دعوى بعض الناشرين بسحب الثقة من اتحاد الناشرين، أكد القرملاوي أنه ضد هذه الدعوى وضد أن يصل رد الفعل إلى هذه الدرجة من التصعيد، دون وجود تحقيق يطلع عليه الناشرون، ووجود معلومات متاحة، وكل ما يطلبه أن يكون هناك شفافية كاملة من إدارة الاتحاد يطلع من خلالها الناشرون على الموقف بكل أبعاده وحقيقته، ودراسة كيف سيعالج ذلك في المستقبل.

بينما نشر د. أحمد السعيد مؤسس ومدير بيت الحكمة للصناعات الثقافية في مصر تطورات الموقف بشكل مستمر عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، جاء في تصريحاته تلك "إن صناعة النشر في مصر كانت دائمًا من أبرز أدوات القوى الناعمة، وركنًا أساسيًا في حضور مصر الثقافي الدولي، لا سيما في المعارض الخارجية، لكن للأسف، تدهور الوضع التنظيمي بشكل لافت، وبلغ مستوى يُعد أقرب إلى الفضيحة، وذلك في معرض الرباط الدولي للكتاب بالمغرب الشقيق، حيث افتُتح المعرض الثلاثاء بحضور وزير الثقافة المصري، وبمشاركة أكثر من 20 ناشرًا مصريًا يمثلون مصر. المفاجأة الصادمة كانت أن أجنحة الناشرين المصريين بدت فارغة تمامًا، خالية من الكتب، في مشهد مهين ومحبط وسط باقي الأجنحة النشطة لدور النشر المشاركة. والسبب؟ أن شركة الشحن التي ألزم اتحاد الناشرين المصريين الجميع بالتعامل معها، لم تصل بشحنات الكتب حتى الآن، رغم انطلاق المعرض منذ يومين. ويقال إن وصول الشحنة قد يتأخر لأيام أخرى".
وفي إشارة منه للخسائر الكبيرة التي حدثت جراء تلك الأزمة، نوّه السعيد إلى أنها:
•خسائر مادية: حيث دفع الناشرون تكلفة الأجنحة، والسفر، والإقامة، والشحن، دون أي مقابل فعلي. وقد أشار إلى أنه من المتوقع أن تصل هذه الخسائر إلى ٧ ملايين جنيه مصري.
• خسائر معنوية: من شعور بالإحباط والإهانة، لأنهم يجلسون بلا نشاط، بينما يتحرك الجميع من حولهم بنجاح.
• خسائر وطنية: المشهد محرج لمصر، التي كان يُفترض أن تكون مشاركتها نموذجًا مشرفًا في هذا المحفل الثقافي.
الأدهى من وجه نظره أن بيانات الاتحاد في هذا الصدد جاءت هزيلة، خالية من الاعتراف بالمسؤولية، أو تقديم حلول عملية، ولا تزال الوعود مؤجلة والمحاسبة غائبة، كما أكد أن شركة الشحن ليست طرفًا مباشرًا مع الناشرين، بل هي الجهة التي اختارها الاتحاد وألزم بها الجميع رسميًا. وبالتالي، فإن المسؤولية الكاملة تقع على الاتحاد وحده.
وحتى اليوم السادس لم تصل الكتب للناشرين، ويتبقى على المعرض 4 أيام فقط.. وغير محدد متى تصل الكتب..
كما نقل السعيد عدة أسئلة قال أنها تتردد على ألسنة الكثير من الناشرين والمراقبين، وبطبيعة الحال يتساءل معهم نفس الأسئلة وهي كالتالي:
1. لماذا تم شحن أربع حاويات، في حين أن المتداول بين الناشرين أن الكتب الخاصة بالناشرين الـ٣٥ المشاركين لا تتجاوز ثلاث حاويات فقط؟
2. هل تم إدراج كتب تعود لدور نشر غير مشاركة في المعرض ضمن الشحنات الرسمية؟
3. هل سافر أفراد لا يمثلون دور نشر مشاركة في المعرض؟ وإن كان الأمر كذلك، فبأي صفة؟
4. ما هي المعايير التي اعتمد عليها الاتحاد في اختيار شركة الشحن، وهل كانت سوابق هذه الشركة تؤهلها للتعامل مع حدث بهذا الحجم، خصوصًا وأن تأخّر الشحن تكرر من قبل؟
5. من يتحمل مسئولية الإضرار بسمعة الدولة المصرية في هذا المحفل الثقافي، رغم مشاركة وزير الثقافة نفسه في الافتتاح؟
6. ما الإجراءات القانونية التي يحق للناشرين المتضررين اتخاذها؟ ومن الجهة التي تتحمّل مسئولية التعويض؟
7. هل حدثت مخالفات إدارية أو قانونية أدّت إلى هذا التأخير؟ وإن وُجدت، فما هي الجهات المختصة بالمحاسبة؟
8. هل هناك تصور لعملية عودة مرتجع الكتب وتكلفته، وهل يمكن أن تتحمله شركة الشحن بالكامل ؟
ختم السعيد أسئلته قائلا: "أسئلة مشروعة، ومطالبات بالمحاسبة، ومشهد ثقافي مصري يحتاج إلى استعادة الثقة.. فهل نجد من يملك الشجاعة والشفافية لتقديم الإجابة عليها".

أما هاني عبدالله مؤسس ومدير عام دار الرواق للنشر فقد اكتفى في حديثه لميدل إيست أون لاين بالإشارة إلى أنه لا يمكن حتى الآن وضع اليد على شيء واضح ومحدد يتعلق بالأزمة، وكل ما يمكن التصريح به حاليا أنه كناشر التزم بالموعد المحدد من قبل الاتحاد وشركة الشحن لإرسال الكتب، وتابع قائلا: " وأعتقد أن هناك حاجة لوجود آليات تنظيمية وتعاقدات قوية وواضحة مع شركات الشحن تحفظ حقوق الناشرين، وتضمن مشاركتهم بشكل لائق في المعارض الدولية.".
من جانبه يرى الكاتب الصحفي والمحلل الإعلامي محمد عبدالرحمن أن الأداء الإعلامي لاتحاد الناشرين المصريين في هذه الأزمة يحمل العديد من علامات الاستفهام، حيث لم يهتم الاتحاد بتوضيح الصورة أولا بأول سواء للناشرين أو للرأي العام الذي اعتبر الأزمة بمثابة اضعاف لسوق النشر في مصر.
كما أكد عبدالرحمن أنه لم يصل للصحفيين أية بيانات حول تحركات الاتحاد لحلحلة الموضوع ولا أي تفاصيل عن السبب الحقيقي فيما حدث وذلك في الأيام الخمس الأولى للمعرض قبل أن تدفع صيحات الناشرين الاتحاد لنشر سلسلة من البيانات في نفس اليوم عبر صفحته الرسمية على فيس بوك واللافت أن البيانات حملت تواريخ متباينة وكأنها كانت مكتوبة ولم توزع !! وهو أمر يحتاج لتفسير واضح من اللجنة الإعلامية المسئولة داخل الاتحاد.

ويلفت عبدالرحمن الانتباه إلا أنه لم يكن مطلوبا فقط تحركا إعلاميا داخل مصر فور اندلاع شرارة الأزمة وإنما أيضا في الصحافة المغربية كمحاولة لحفظ ماء وجه الناشرين المصريين مما يمكن أن يتم تداوله بعد ظهور الاجنحة خاوية بهذا الشكل في التغطيات الصحفية.
بينما نشر اتحاد الناشرين المصريين بيانا عبر صفحته الرسمية لمتابعة الناشرين بما توصلوا إليه من متابعة مع شركة الشحن، صدر البيان بعد كتابة هذا التقرير، مما استوجب إضافته قبل النشر وجاء بيانهم كالتالي:
"استمراراً لمتابعة مجلس الإدارة ومنسقي المعرض لشحنة كتب الناشرين المصريين، فقد وصل باقي شحنة الطيران، ونتوقع تسليمها للناشرين في المعرض غدا بإذن الله، أما بالنسبة للشحنة البحرية الاصلية، وفقا لما ورد إلينا من مصادرنا بالمغرب ومن متابعة السادة منسقي المعرض، فسيجري تفريغ الشحنة والعمل على تسليمها غدا إن شاء الله، ومجلس الإدارة مستمر في متابعة كافة التطورات في هذا الموضوع".
وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال عدد من الناشرين المصريين المشاركين في معرض الرباط الدولي للكتاب بانتظار وصول شحنة الكتب، وحسب بيان الاتحاد من المتوقع أن يتسلم الناشرون الكتب التي وصلت جوا اليوم، وكذلك باقي الشحنة كاملة التي وصلت بحرا، ولكن يظل السؤال قائما هل وصول الكتب في اليوم السابع للمعرض "إن حدث" سيسمح بتعويض الخسائر المادية والمعنوية للناشرين المشاركين، وهل سيزيل التأثير المعنوي السلبي لصورة مصر وقواها الناعمة الذي حدث نتيجة تلك الأزمة، وماذا عن مستقبل مشاركة مصر في معرض الرباط الدولي للكتاب، وما هي الآليات التي سيتخذها الاتحاد لعدم تكرار تلك الأزمة؟، ومن سيحَاسَب على تلك الأزمة وما ترتب عليها من خسائر مادية ومعنوية وأهمهم صورة مصر في المعارض الدولية؟ وهل سيحدث تغييرا داخل الاتحاد؟ وهل سيتكرر تجربة التعاون مع نفس شركة الشحن مرة أخرى؟ وهل المناقصات التي يختار من خلالها الاتحاد شركات الشحن يكون المعيار الوحيد فيها هو من يقدم أفضل سعر؟ أم مَن أكثر التزاما بالوقت وحفظا للشحنة بحيث تصل سليمة وقبل الموعد المحدد؟ أسئلة كثيرة على هامش الأزمة ولعل الأيام القادمة تكشف ما سيتم اتخاذه من خطوات وإجراءات لتجنب تكرار ذلك في المستقبل، مع التأكيد على أهمية أن يتم إبلاغ الناشرين باسم شركة الشحن قبلها بوقت كاف ليكون لديهم فرصة للاعتراض على شركة الشحن إن وجدوا أنها غير مناسبة، أو لها سمعة سيئة سابقة مثلما حدث هذه المرة، وأن يكون لهم آلية لمتابعة الشحنة بأنفسهم وليس فقط من خلال الاتحاد، كذلك أن يشمل التعاقد مع شركة الشحن شروطا جزائية مناسبة وأن يطلع الناشرين عليها أيضا، والسؤال الآني المهم كيف سيعود مرتجع الكتب بعد نهاية المعرض؟ ومن يتحمل نفقتها؟ وبالطبع مما زاد من الأزمة هو سوء إدارتها من قبل الاتحاد حيث لم تكن هناك شفافية ووضوح في البيانات، لذا فضلا عن أهمية اتباع الاتحاد للشفافية والوضوح في البيانات الصادرة عنه، يجب كذلك أن تكون هذه البيانات أولا بأول وليست ردا على ما ينشره الناشرون الغاضبون من الأزمة ومن سوء إدارتها على حد سواء.