'80 باكو' الحصان الرابح في الدراما الشعبية 2025

الكاتبة غادة عبدالعال تنجح في تقديم عمل درامي شعبي ببساطة ودون تكلف.
الدراما الرمضانية في مصر بين البطولة النسائية والرجالية ومسابقات زيادة المشاهدات

الدراما الشعبية من أهم الأعمال التي يحرص المنتجون على تقديمها كل رمضان، يكاد لا يخلو موسم رمضاني من مسلسل شعبي يقدمه نجم أو نجمة من نجوم الصف الأول، وهذا العام تم تقديم خمسة أعمال شعبية، إحداها بطولة نسائية وهو "80 باكو"، والبقية من بطولات رجالية، بينها مسلسل "العتاولة" في جزئه الثاني وهو يدور حول بطل شعبي بالإسكندرية، ومسلسلات "فهد البطل"، "سيد الناس"، و"حكيم باشا" الذي تدور أحداثه في الصعيد.

نجح مسلسل "80 باكو" في أن يقدم قصة شعبية حقيقية من داخل أحد الأحياء البسيطة لبنات يعملن بكوافير هن "بوسي" والتي تقوم بدورها الفنانة الشابة هدى المفتي، حيث تحاول أن تجمع مع حبيبها "مختار" أو "تيخة" الذي يقوم بدوره الفنان الشاب خالد مختار 80 ألف جنيه ليتمكن تيخة من شقة والده، و"فاتن" التي تقوم بدورها الفنانة الشابة الصاعدة بقوة دنيا سامي والتي تعيش وحدها بالقاهرة وتعتمد على نفسها بعيدا عن أهلها الذين لا ينفقون عليها، و"عبير" التي تقوم بدورها رحمة أحمد حيث تؤدي دور الزوجة المُعَنَّفَة والتي لديها طفل وتتحمل في حياتها الزوجية مع مدمن "شابو" كل ما لا يمكن تحمله من عنف، وسرقة أموالها أو أخذها غصبا، وتحتضنهم "لولا" صاحبة الكوافير الذي تعمل به الفتيات.

في سياق اجتماعي كوميدي رومانسي تدور أحداث المسلسل، من خلال قصتي حب في مرحلة الشباب وهما قصة حب "بوسي" و"تيخة" والتي تقوم فيها بوسي بدور الفتاة الشعبية التي تسعى للزواج والخروج من بيت عمها الذي تساء فيه معاملتها ويتم استغلالها ماديا، فتسعى لتُعِين حبيبها ماديا ليتم الزواج، وقصة حب "فاتن" و"باليرمو" الذي يقوم بدوره الفنان الشاب وليد المغازي، التي تقوم فيها "فاتن" بدور أيضا فيه دعم قوي لباليرمو ولكن ليس دعما ماديا هذه المرة وإنما دعما معنويا، حيث تساعده في مواقف يعتقد هو أنها تحتاج رجولة وقوة ولكنها تستخدم فيها ذكاءها فتساعده ليعيد ماله ومال صديقه الذي استولى عليه أحد النصابين، وقصة حب ناضجة وهي قصة حب "عاصم" الذي يقوم بدوره ببراعة وإتقان حيث كان مفاجأة للجمهور الفنان القدير محمد لطفي، و "لولا" التي تقوم بدورها الفنانة المتألقة انتصار والتي تعد هي بذاتها حصانا رابحا في رمضان 2025، والذي يقدم فيه "عاصم" كل الدعم والحب والمساندة الخجولة في البداية، وهو حب ناضج يبحث عن الونس ويعرف أهمية أن يُقَدِّم لينول رضا محبوبته، ولكن في نفس الوقت تساعده الشابة "بوسي" حين تنصحه بأن المادة وحدها ليست كافية ويجب أن يعبر عن حبه لها بالوقوف بجانبها حين مرضت ودخلت العناية المركزة.

في قصتي الحب الأولتين، نجد واضحا أن كل الفتاتين لديهما طاقة ذكورية عالية، وذلك بسبب ظروفهما العائلية التي أدت لتنمية هذا الجانب من شخصياتهما، فتجد الأولى التي توفي والديها واضطرتها الظروف لأن تعمل وتتحمل مسؤوليتها ومسؤولية أختها الصغيرة، والثانية التي اضطرت لتَحَمُّل مسؤولية نفسها في ظروف مشابهة، ولا تختلف الفتاتين عن "لولا" السيدة الناضجة التي اضطرتها ظروفها هي الأخرى لتنمية الطاقة الذكورية لديها، فتتحمل مسؤوليتها ومسؤولية أختها التي اعتادت على استغلالها منذ الصغر حتى أنها جعلتها رهنت مصدر رزقها الوحيد "الكوافير" لتستطيع تزويج ابنتها، الفرق الوحيد بين القصص الثلاث هو أن "لولا" وجدت رجلا ناضجا يتحمل المسؤولية ويعرف كيف يقدم كل ما يملك لمحبوبته.

ليس تحاملا على البطلين الآخرين اللذين حاول كل منهما على قدر طاقته أن يحمي أو يقدم لمحبوبته، ولكن كانت المؤلفة غادة عبدالعال في منتهى الذكاء حين مررت رسالة لـ"بوسي" وكل "بوسي" في المجتمع، هذه الرسالة مررتها على لسان إحدى السيدات التي ذهبت "بوسي" لعمل "ماكياج" لابنتها.. وهي الجملة التي صارت "تريند" المسلسل، "فيه رسمي فيه بوسي، ما فيش رسمي مافيش بوسي"، ونبهتها إلى أن دور الرجل هو السعي للزواج من الفتاة وتذليل العقبات لذلك وليس دورها أن تساعده وتقدم له المال ليقوم بدوره، ثم على لسان أخريات أيضا، لنرى ذلك يؤثر في النهاية على قرار البطلة فينتهي المسلسل دون أن تحدد إن كانت ستعود لـ"تيخة" أم ستقبل الرجل الآخر من مستوى اجتماعي مختلف عنها ولكنه يعرف أن عليه أن يقدم للمرأة ويستثمر في العلاقة أكثر مما تقدم هي.

هذه القصة التي دارت في 15 حلقة تفوقت على كل المسلسلات ذات البطولة الرجالية وكلها 30 حلقة، اعتمد بعضها على التريند مثل "سيد الناس" من خلال بعض المشاهد التي يعرف صانع العمل والذي يجيد صناعتها ولديه المعادلة الناجحة لفعل ذلك، وبين من سعى لتصدر التريند بعقد المسابقات المادية، واستخدام اللجان الإلكترونية وهو مسلسل "فهد البطل" وبين المسلسل الذي لم يفلح في أي منهما لا صناعة تريند ولا لجان إلكترونية ومسابقات وهو مسلسل "حكيم باشا"، أما مسلسل "العتاولة" وهو يقدم هذا العام الجزء الثاني، فقد لاقى هجوما كبيرا نظرا لاستخدامه الكثير من الألفاظ الخارجة التي لا تناسب المشاهدة العائلية ولا تناسب العرض في الشهر الكريم، ولم يجد الجمهور فيه لا قصة ولا حبكة ولا ترابط أحداث، وكأنه مجموعة اسكتشات من أجل "التريند"، لم ينجح ربما في المسلسل كله سوى قصة حب "عاطف" و"شادية" والتي نجح النجم السكندري الشاب مصطفى أبوالسريع والنجمة الصاعدة مريم الجندي في تقديم القصة بشكل كوميدي ولطيف وخفيف على قلوب المشاهدين، فضلا عن النجاح الساحق لأغنية "قالت لي:لألألأ".

وهذا يؤكد أن الكتابة الجيدة هي أولى خطوات العمل الجيد، وهو الذي تفوقت فيه غادة عبدالعال في تقديم الصورة الشعبية الحقيقية والبسيطة، والتي نجحت كوثر يونس مخرجة العمل في أن تقدم الممثلين بأداء حقيقي بعيدا عن التكلف والأداء المبالغ فيه والكلام المُقَفَّى والأداء "الحنجوري" و"الزعيق" والصوت العالي، والألفاظ الخارجة، وهو الأداء الذي كان البطل في كل المسلسلات الشعبية الأخرى،  كما نجح المسلسل في أن يصبح "تريند" بشكل طبيعي دون افتعال أو صناعة "تريند" ولا "لجان إلكترونية" ولا مسابقات مدفوعة.