
ماذا يحدث في الرئاسة الجزائرية.. صراع أجنحة أم إعادة هيكلة
الجزائر – عين عبدالمجيد تبون الرئيس الجزائري الدبلوماسي السابق عمار عبة مستشارا لدى رئيس الجمهورية مكلفا بالشؤون الدبلوماسية، وفق مرسوم رئاسي صدر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، في خطوة ينظر لها محليا على أنها استمرار لبرنامج إعادة الهيكلة داخل مؤسسة الرئاسة، بينما يعتقد كثيرون أنها لا تخرج عن سياق صراع الأجنحة داخل السلطة خاصة أن قرار التعيين يأتي بعد فترة قصيرة من إعفاء محمد شفيق مصباح، المستشار الرئاسي المكلف بالشؤون السياسية والعلاقات مع الشباب والمجتمع المدني والأحزاب، من منصبه بموجب مرسوم رئاسي صدر في 10 أبريل/نيسان 2025.
وبالفعل تشير العديد من التقارير والتطورات الأخيرة إلى وجود صراع أجنحة داخل الرئاسة الجزائرية وحتى داخل المؤسسة العسكرية التي تعتبر تقليديا مركز النفوذ الأقوى في البلاد.
ويشير توقيت إقالة محمد شفيق مصباح وسياقها إلى وجود ضغوط من أطراف أخرى في السلطة مع تزايد نفوذ المؤسسة العسكرية بقيادة قائد الجيش الفريق السعيد شنقريحة الذي يبدو أنه يسير على نهج أسلافه في تحييد المقربين من الرئيس لتأمين نفوذ الجيش تماما كما حدث في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي دخل في مواجهة غير معلنة مع كبار الجنرالات المؤثرين وحاول ابعادهم عن التدخل في الشأن السياسي.
وفي تلك الفترة أبعد بوتفليقة صانع الرؤساء والذي يعتقد أنه كان الحاكم من وراء ستار الجنرال محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق والذي اعتقل في 4 مايو/ايار 2019 وحكمت عليه المحكمة العسكرية في البليدة جنوب غرب الجزائر العاصمة، في سبتمبر/أيلول 2019 بالسجن 15 عاما إلى جانب كل من سعيد بوتفليقة ومنسق الأجهزة الأمنية السابق بشير طرطاق، بتهمة التآمر على سلطة الدولة والمؤامرة ضد قائد تشكيلة عسكرية.
وكشفت تلك المحاكمات أيضا عن تصفية حسابات داخل مؤسسة الجيش بقيادة الراحل الفريق قايد صالح مع بعض الجنرالات النافذين بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لكن مسار صراع الأجنحة داخل السلطة استمر بعد تبك الفترة باعتبار أنه ينظر للنظام الحالي على أنه واجهة سياسية لنظام العسكر.
وتثير اقالة محمد شفيق مصباح مؤخرا وتعيين تبون أيضا لعمار عبة مستشارا جديدا لديه مكلفا بالشؤون الدبلوماسية، أسئلة حول ما يجري داخل مؤسسة الرئاسة ودور الجيش أيضا في تلك التغييرات.
وقد يكون تعيين تبون لعبة أيضا تفسير آخر يتعلق بعدم رضاه عن عمل الدبلوماسية بقيادة أحمد عطاف وقد تمهد الخطوة لترتيبات جديدة تشمل إبعاد الأخير من منصبه كوزير للخارجية على طريقة استبعاد سلفه رمطان لعمامرة.
لكن هذه الترتيبات المحتملة التي هي على صلة بتفكير الرئيس الجزائري وربما ميزاجياته أو مخاوفه من نفوذ الجيش داخل مؤسسة الرئاسة، لا تحجب مساعي قيادة الجيش في الدفع لإعادة ترتيب الوضع بما يؤمن استمرار دورها ونفوذها وتقويض نفوذ بعض المقربين من الرئيس تبون في قصر المرادية.
وتظهر بعض التباينات في المواقف الرسمية حول ملفات حساسة مثل العلاقة مع فرنسا، مما يعكس وجود تيارات مختلفة في طريقة إدارة السياسة الخارجية، فبينما تبدي وزارة الخارجية مواقف حادة تجاه بعض التحركات الفرنسية، قد تصدر تصريحات من الرئاسة تبدو أقل صدامية.
كما تشير بعض التقارير إلى وجود صراع حول إدارة بعض الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بينما تكمن أهمية هذه الأجهزة في جمع المعلومات والتأثير على القرارات السياسية ما يجعلها في المحصلة محل تجاذبات بين الأجنحة المختلفة.

ويضم جناح الرئاسة الدائرة المقربة من الرئيس عبدالمجيد تبون وهو الجناح الذي يسعى إلى تعزيز سلطته ونفوذه.
ويوجد كذلك جناح المؤسسة العسكرية بقيادة شنقريحة والذي يسعى للحفاظ على دوره المحوري في المشهد السياسي وقد يرى ضرورة لتغييرات في بعض المواقع القيادية.
ويوجد كذلك جناح الاستخبارات بدرجات متفاوتة من حيث التأثير والذي كان له تاريخيا، نفوذ كبير خاصة في عهد الجنرال توفيق وقد يكون هناك محاولات من أطراف مختلفة للسيطرة عليه أو التأثير فيه.
وعادة ما تكون تفاصيل الصراعات داخل أروقة السلطة في الجزائر غير معلنة بشكل واضح، لكن ثمة مؤشرات وتطورات وظواهر يمكن أن تفسر إلى حدّ ما حالة الشد والجذب أو التعيينات والإقالات والترتيبات المحتملة ومسارها وسياقاتها، بينما تبقى موازين القوى بين هذه الأجنحة غير ثابتة وقد تتغير بمرور الوقت وبحسب ما يستجد من تطورات سياسية.
ويفسر متابعون للشأن الجزائري ما يعتقدون أنه حالة لا استقرار سياسي أو اضطراب وارتباك على مستوى دوائر صناعة القرار، باستمرار صراع الأجنحة داخل الرئاسة وأن هذا الصراع يؤثر على القرارات والتطورات السياسية في البلاد، لكن يبقى من الصعب تحديد طبيعة هذا الصراع وحدته وتأثيره المستقبلي بشكل قاطع نظرا للطبيعة المغلقة للنظام السياسي الجزائري.
شنقريحة أحد أبرز صانعي القرار
ويعتبر الفريق أول السعيد شنقريحة شخصية نافذة وقوية في الجزائر ويُنظر إليه على أنه أحد أبرز صانعي القرار في البلاد. وهناك اعتقاد واسع النطاق بأن لرئيس أركان الجيش تأثير كبير على القرارات السياسية الكبرى حتى في القضايا التي تبدو مدنية.
وتُشير تقارير إلى أن المؤسسة العسكرية بقيادته، تسعى لتعزيز دورها في مختلف مفاصل الدولة. ويحظى نشاطه وتصريحاته باهتمام محلي ودولي كبير فهي غالبا ما تعكس توجهات المؤسسة العسكرية ومواقفها من القضايا الوطنية والإقليمية.
ويتمتع الرجل رغم تقدمه في السن بعلاقات قوية داخل المؤسسة العسكرية ومع مختلف الأطراف الفاعلة في السلطة. وأصبح محل اهتمام المحللين مع تصاعد نفوذه بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، خاصة مع تعيينه وزيرا منتدبا للدفاع.
وعلى غرار ما كان يوصف به الجنرال توفيق الرجل النفاذ في عهد بوتفليقة قبل اقالته وقبل محاكمته في عهد تبون، أصبح ينظر لشنقريحة بدوره، وفق بعض التقديرات، على أنه الحاكم الفعلي للجزائر.
وأعاد تصاعد نفوذه إلى دائرة الضوء علاقاته مع الرئيس تبون، وهي علاقات يُنظر لها على نطاق واسع على أنها معقدة ومفصلية في المشهد السياسي خاصة مع ما يتمتع به الرجل من نفوذ كبير ومؤثر على استقرار النظام، ما يجعل علاقاته بالرئيس تتمتع بديناميكية، ففي أحيان كثيرة يُنظر إلى تصرفات رئيس الدولة وقراراته على ضوء تلك الديناميكية.
وغذى تعيين تبون للجنرال شنقريحة في منصب وزير منتدب للدفاع زيادة على منصبه قائدا لهيئة أركان الجيش، التكهنات بشأن طبيعة العلاقة بين الرجلين، ففي حين أنك ذلك يظهر ثقة متزايدة في قائد الجيش، يخوض البعض في احتمال وجود أو نشوء توترات.