تقنيات إسرائيلية جديدة في غزة تعتمد الذكاء الاصطناعي تثير جدلا أخلاقيا
واشنطن - كشف تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن استخدام إسرائيل لتقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة في حربها الأخيرة على قطاع غزة، والتي أثارت جدلاً أخلاقياً واسعاً، خاصة فيما يتعلق بحياة المدنيين. واختبرت إسرائيل مجموعة من التقنيات الجديدة، التي استخدمتها لأول مرة في ساحات القتال، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستقبل الحروب التي قد تعتمد بشكل أكبر على الخوارزميات والأنظمة الآلية بدلاً من القرارات البشرية المباشرة.
وبحسب التحقيق، قامت إسرائيل بتطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المجالات العسكرية في غزة. كان من أبرز هذه الأدوات أنظمة تحديد المواقع، التعرف على الوجوه، وتحليل المحتوى العربي. ولعبت هذه التقنيات دوراً مهماً في زيادة كفاءة العمليات العسكرية، وفي تحسين دقة استهداف الأهداف المحتملة، لكن لها تبعات أخلاقية خطيرة قد تفتح الباب أمام استخدامات أكثر تعقيداً في الحروب المستقبلية.
وأشار إلى أن إسرائيل استخدمت أداة صوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تم تطويرها من قبل مهندسي الوحدة 8200، لتحديد موقع القيادي في حركة حماس إبراهيم بياري في غزة بعد فشل الاستخبارات الإسرائيلية في تعقبه عبر شبكة الأنفاق. في 31 أكتوبر/تشرين الاول 2023، أسفرت غارة جوية تم توجيهها باستخدام هذه التقنية عن مقتل بياري، لكنها أسفرت في الوقت ذاته عن مقتل أكثر من 125 مدنياً، وفقاً لمنظمة "إيروورز" البريطانية.
ومثلت هذه الغارة نقطة تحول في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة، حيث أن الدقة الفائقة لهذه الأنظمة أسفرت عن تزايد الخسائر البشرية غير المتوقعة، وهو ما يثير التساؤلات حول الاعتبارات الأخلاقية لاستخدام هذه التقنيات في ساحات المعارك.
ومنذ تلك الغارة، واصلت إسرائيل تسريع دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية. ومن بين أبرز هذه التقنيات برامج التعرف على الوجوه، التي طُوّرت لاستخدامها في الأماكن العامة والفواصل الحدودية بين شمال وجنوب غزة، وكذلك أدوات للاختيار التلقائي للأهداف العسكرية، مما يعني أن الغارات الجوية أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الخوارزميات في تحديد الأهداف دون تدخل بشري مباشر.
من بين أبرز هذه التقنيات برامج التعرف على الوجوه
وإحدى التقنيات الأخرى التي تم تطويرها هي نموذج لغوي ضخم باللغة العربية قادر على تحليل المنشورات والمراسلات الإلكترونية بمختلف اللهجات. هذه التقنية تم استخدامها لتحليل ردود الأفعال الشعبية بعد عمليات معينة، مثل اغتيال زعيم حزب الله حسن نصرالله، حيث كان يُستخدم لتحليل المزاج العام في المنطقة وتوقع الردود الشعبية في العالم العربي.
وعلى الرغم من النجاح التقني الواضح لهذه الابتكارات، إلا أن هناك العديد من المخاطر العملية التي ظهرت خلال العمليات. وفقاً لمسؤولين إسرائيليين، أخطأت بعض الأنظمة في تحديد الأهداف بشكل دقيق، مما أدى إلى اعتقالات خاطئة وخسائر في الأرواح بين المدنيين. وفي هذا السياق، حذرت هاداس لوربر، الخبيرة في الذكاء الاصطناعي والمديرة السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، من التأثيرات السلبية لهذه التقنيات دون وجود ضوابط صارمة، قائلة "لقد غيرت الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة في الميدان، لكن دون ضوابط صارمة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة".
وفي هذا السياق، شدد أفيف شابيرا، مؤسس شركة "اكستند" المتخصصة بالطائرات المسيرة، على أهمية الموازنة بين الفاعلية والاعتبارات الأخلاقية في استخدام هذه التقنيات، حيث أشار إلى أن الخوارزميات الحديثة أصبحت قادرة على تتبع الأشخاص والأهداف المتحركة بدقة عالية، مما قد يجعل الحروب المستقبلية أكثر تعقيداً وأقل إنسانية.
وتحتل قضية المسؤولية الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب مكانة محورية في الجدل العالمي حول مستقبل الحروب. فقد أعرب مسؤولون أميركيون وأوروبيون عن قلقهم العميق من أن ما يحدث في غزة قد يمثل نموذجاً أولياً لما يمكن أن تكون عليه حروب المستقبل. في هذه الحروب، قد تلعب الخوارزميات دوراً أكبر في اتخاذ القرارات العسكرية، ما قد يؤدي إلى إخفاقات في استهداف الأهداف أو تجاهل حياة المدنيين.
ويجعل التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي من الممكن للأنظمة العسكرية في المستقبل اتخاذ قرارات قتالية دقيقة بناءً على البيانات، لكنها في الوقت ذاته تُعَرّض حياة المدنيين للخطر إذا لم تكن هناك ضوابط صارمة للتحقق من دقة الأهداف والقرارات.
ويذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل التقنيات المتطورة في الحروب. ففي الحروب السابقة، كانت إسرائيل قد طوّرت أنظمة القبة الحديدية وطائرات مسيرة هجومية، وأثبتت فعالية كبيرة في صد الصواريخ الهجومية. ولكن في حرب غزة الأخيرة لوحظ أن استخدام الذكاء الاصطناعي تجاوز الحدود التقليدية، ليصبح جزءاً أساسياً من العمليات العسكرية.