الإمارات ترفض آلية مساعدات جديدة لغزة لانتهاكها المعايير الإنسانية
غزة - في موقف يؤكد ثبات الإمارات على مبادئها الإنسانية، أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن أبوظبي أبلغت الجانب الإسرائيلي رسميًا رفضها المشاركة في آلية المساعدات الجديدة المقترحة لقطاع غزة، والتي وصفتها بأنها لا تلبي المعايير المطلوبة ولا تراعي حقوق الإنسان الأساسية.
وبحسب ما أورده موقع "والا" العبري، فإن منسق العمليات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، الجنرال غسان عليان، قام مؤخرًا بزيارة إلى العاصمة الإماراتية، حيث التقى بعدد من المسؤولين المعنيين بملف المساعدات. ووفقًا لمصدر مطلع، فإن الوزير الإماراتي المسؤول عن الشؤون الإنسانية شدد خلال اللقاء على أن "الترتيبات الحالية غير مقبولة ولن تحظى بالدعم أو التمويل الإماراتي بأي شكل من الأشكال".
الترتيبات الحالية غير مقبولة
هذا الرفض الإماراتي يأتي في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية للقيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المساعدات إلى قطاع غزة، والتي باتت تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان محاصر. وكانت الأمم المتحدة قد أعربت مؤخرًا عن قلقها العميق إزاء تدهور الأوضاع، حيث صرح فرحان حق، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بأن "ما عرض علينا يبدو مصمماً لتقييد الإمدادات حتى آخر حبة قمح". وأضاف أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش يرفض بشكل قاطع أي آلية إنسانية لا تحترم المبادئ الإنسانية أو تُستخدم كأداة ضغط سياسي.
الإمارات، التي كانت من أوائل الدول العربية التي دعت إلى وقف فوري للحرب على غزة منذ اندلاعها في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما فتئت تؤكد على ضرورة التوصل إلى حل جذري وشامل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يقوم على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية. وتشدّد القيادة الإماراتية على أن حماية المدنيين في غزة، ووقف عمليات التهجير القسري، ومنع استخدام سلاح التجويع أو الحصار كوسيلة حرب، تمثل أولويات أخلاقية لا يمكن التهاون معها.
وخلال الأشهر الماضية، لعبت الإمارات دورًا بارزًا في تقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، حيث أنشأت مستشفيات ميدانية داخل غزة وفي مدينة العريش المصرية، كما قدمت مئات ملايين الدولارات في صورة مساعدات غذائية وطبية عاجلة. وإضافة إلى ذلك، استقبلت الإمارات آلاف الجرحى والمرضى الفلسطينيين لتلقي العلاج في مستشفياتها، في وقت كان فيه النظام الصحي في غزة ينهار تحت وطأة القصف والحصار.
ويرى مراقبون أن الموقف الإماراتي يعكس سياسة متوازنة تجمع بين الالتزام بالقضايا الإنسانية والمواقف المبدئية من جهة، واستخدام أدواتها الدبلوماسية والعلاقات الدولية من جهة أخرى. فبموجب اتفاقية السلام التي وقّعتها الإمارات مع إسرائيل في عام 2020، تحتفظ أبوظبي بقنوات تواصل مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يمكن أن يُوظف لتخفيف الضغوط على سكان غزة، والمساهمة في تيسير إدخال المساعدات بشكل مستدام، شريطة أن تكون الآلية عادلة وشفافة وتخضع للمعايير الدولية.
وفي ظل استمرار الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وتحذيرات الأمم المتحدة من أن سكان غزة باتوا يواجهون خطر المجاعة الشاملة، تبرز أهمية أن تكون آليات المساعدة بعيدة عن التجاذبات السياسية، ومبنية على مبادئ القانون الإنساني الدولي. ومن هذا المنطلق، تؤكد الإمارات أن أي مسعى إنساني حقيقي يجب أن يضمن احترام حياة المدنيين، وتوفير الحماية لهم، وتقديم المساعدات دون انتقائية أو شروط سياسية.
بينما تستمر الجهود الدبلوماسية لاحتواء الكارثة، فإن الموقف الإماراتي الرافض للمشاركة في آلية لا تحترم حقوق الإنسان قد يفتح المجال لإعادة النظر في الخطة المطروحة، وربما يدفع باتجاه إشراك أطراف دولية ومحايدة لضمان عدالة توزيع المساعدات وفعالية إيصالها، بعيدًا عن الاستخدام السياسي لها كأداة في الصراع الدائر.
في الوقت الذي تُظهر فيه بعض الدول ترددًا في اتخاذ مواقف حاسمة، تؤكد الإمارات مرة أخرى أن البعد الإنساني يجب أن يكون فوق أي اعتبار، وأن الدعم الحقيقي للفلسطينيين لا يكون فقط عبر البيانات، بل من خلال مواقف عملية وشجاعة تصون كرامة الإنسان وتحمي حقه في الحياة.