
استحضار لمجازات اللغة وجمالياتها في 'بيت الشعر' بالشارقة
نظم بيت الشعر بالشارقة مساء الثلاثاء أمسية شعرية شارك فيها شعراء: أنس الحجار من سوريا، عبدالرحمن محمد من غانا وهو من طلاب الجامعة القاسمية بالشارقة، و سيدي محمد محمد المهدي من موريتانيا، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، إضافة إلى عدد كبير من النقاد والشعراء ومحبي الشعر، الذين احتشدوا بشكل لافت في المسرح وتفاعلوا مع القصائد.
وقدمت الأمسية الشاعرة السودانية مناهل فتحي، التي أشادت بجهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في دعم اللغة العربية والمشهد الشعري.
افتتح القراءات الشاعر السوري أنس الحجار، الذي عرّف "الشاعر" برؤية خاصة، تتكئ على ما يمنحه حرفه للآخر من دهشة وسمو وجمال، متخذا من الرمز والمجاز وسيلة للوصول إلى قمة الوصف وجلال المعنى، فقال:
"يأتي المَجازُ، مُخَضَّبًا بِحنينِهِ
مِنْ شُرْفَةِ التّأويلِ لا مِنْ بابِهِ
كالبُلبُلِ الغِرّيدِ يَحمِلُ حِنطَةً
مِنْ شَوقِهِ ليَحلَّ في أصحابِهِ
وَيجيء مُعتَمِرًا بَراءَةَ لَحنِهِ
لِيَقولَ للنّاياتِ عَن أسبابِهِ
يَختارُ حِضْنَ قَصيدةٍ مَنْسِيَّةٍ
يَغفو بها مُتَدَثِّرًا بِعذابِهِ".
وللذات، قرأ الحجار قصيدة "مايا" التي حملها بالعاطفة والشجن والذكريات والتفاصيل، فجاءت حروفه مبللة بالبهاء والبهجة والأسى في آن، ومنها نختار:
"خَتْمُ المُوظّفِ في الجَوازِ فَجيعةٌ
ما من يَتيمٍ في المَطارِ سِوايا
وَسَمِعتُ أصداءَ الحَنينِ مُسائلاً:
أتَرَكتَ خلفَكَ للنّوائبِ ( مايا )؟
( مايا ) التي تَرَكَتْ بِكُلِّ قصيدةٍ
مِمّا تَخُطُّ منَ الغَرام بَقايا
( مايا ) التي منها إليكَ تَسَلَّلَتْ
ضوءًا لِتَسْبرَ ما كَتَمتَ خفايا".

بعد ذلك، قرأ الشاعر عبد الرحمن محمد، نصوصاً انزاحت معانيها إلى مضامين تتوارى تارة وتظهر تارة أخرى، لتمنح العطر للمتلقي، والمفاتيح للتأويل، ولإفريقيا قال:
"ولـــــي بين السراب هديرُ أم
يطرزُّ مجده بين الصّفـــــادِ
خَــلودٌ في خِضمّ المــوت نَضْرٌ
أنا إفريقيا زهْــــرُ البــــلادِ
وما التاريخ إلا طوع كفـــــي
وحـولي منه أمجـــادٌ تُنادي
كسـوت الأرض إبريزا وطهرا
". وحلّق في المدى برق الجيادِ
ومن نص جديد، كان لجمهور بيت الشعر حظ السبق في الاستماع إليه، وحمل النص شحنة من العاطفة الذاتية التي خالجت روحه، ففاضت حروفاً تنسل من عباءة المعنى، ومما قال:
"ما كنتُ أحسب أن الشمس داجيةٌ
حتى لمحتُ خيالا منكِ قد عبرا
بغير سهمٍ هديل الطير يعزفني
كأنه السحر في الأضلاع إن صدرا
تبسّم الليل لما جئتِ زائرةً
ورمم الهمس قلبا كان منكسرا
واخضرت الأرض بعد القحط مشرقة
كأنها لم تذق قفرا ولا كدرا".
واختتم الأمسية الشاعر الموريتاني سيدي محمد محمد المهدي، الذي تميزت حروفه بالعذوبة، وتوشحت معانيه بالرمز الشفيف المحلق في فضاء البهجة والرقة والجمال، فقد عبر حقول المجاز ليحصد من سنابل اللغة قصائد آسرة، وقرأ للروح نصا بعنوان "ضفاف النبوة" فقال:
أَظَلَّ زَمانٌ .. فاسْتَظَلَّتْ حَمامَةٌ
وَأَوْمَضَ مِنْ دُرِّ النَّبوءاتِ جِيدُهُ
وَحامَتْ بِأُفْقِ الغَارِ أَسْرابُ دَهْشَةٍ
فَشَفَّ عَلى قَدْرِ الذُّهولِ بَريدُهُ
يَقولُ لَهُ :"إِقْرَأْ".. فَيَمْتَدُّ سُلَّمٌ
إِلى كُلِّ مَعْنىً.. لِلْوُجودِ صُعودُهُ
فَصاغَ ابْتِهالاً مِنْ تَباريحِ حُزْنِهِ
وَمِنْ جُرْحِهِ المُبْتَلِّ يَنْدى وَريدُهُ".
ومن قصيدة "بلادي" التي استلهم منها قصة ابن زريق البغدادي، وهو يعبر النهر والنهر، حاملاً في قلبه "شنقيط" بتفاصيلها التي تسكنه، فقال:
"مابَيْنَ نَهْرَيْنِ قَدْ ضَاعَتْ خَرائِطُهُ
هُوَ الغَريقُ فَلاَ الجُودِيُّ يَنْفَعُهُ
"شِنْقيطُ" تَرْقُبُهُ مِنْ فَرْطِ لَهْفَتِها
كَأَنَّها النَّصُّ لَمَّا غابَ مُبدِعُهُ
يا طِفْلَةَ الماءِ ضُمِّيهِ عَلى مَهَلٍ
فَفي المَدينَةِ أُمٌّ ما سُتُرْضِعُهُ
شابَتْ خُطاهُ ..بُراقٌ ما سَيَحْمِلُهُ
إِلى العِناقِ فَهَلْ تُسْعِفْهُ أَذْرُعُهُ؟".!
وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي الشعراء المشاركين ومقدمة الأمسية.