دبلوماسية الإمارات الهادئة تؤسس للسلام بين أذربيجان وأرمينيا

أبوظبي تحتضن أول اجتماع بين رئيس وزراء أرمينيا والرئيس الأذري سيتركز على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام.
الإمارات تقترب من إنجاز دبلوماسي جديد بالتوسط بين أرمينيا وأذربيجان

أبوظبي - تقترب الإمارات من تحقيق إنجاز دبلوماسي يعزز مكانتها كوسيط إقليمي ودولي في تسوية الصراعات وتهدئة التوترات، حيث ستحتضن أبوظبي غدا الخميس أول اجتماع بين رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان والرئيس الأذري إلهام علييف سيتركز على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام بعد صراع استمر لما يقرب من أربعة عقود.

ولم يأت اختيار الإمارات كدولة مضيفة لهذا اللقاء من فراغ بل هو ثمرة الثقة العالمية التي تحظى بها أبوظبي كشريك موثوق لكل من أرمينيا وأذربيجان بفضل دبلوماسيتها الوازنة التي تعتمد على الحوار كسبيل وحيد لإنهاء الصراعات، بعيدا عن المزايدات السياسية.

ويركز رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان  على مجموعة من المقاربات الاستراتيجية لتحقيق الاستقرار والتنمية، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي والدولي، ضمن جهود لا تهدأ لإرساء السلام عبر دبلوماسية هادئة أثبتت نجاعتها في حل أكثر من أزمة إقليمية.

وترتكز مقاربات الشيخ محمد على رؤية شاملة وطموحة تضع الإنسان في جوهرها وتجمع بين التنمية الاقتصادية المستدامة والالتزام بالسلام والتعاون الدولي وتعزيز الأمن والاستقرار على كافة المستويات.

وتؤكد هذه المقاربات التي أرسى دعائمها الشيخ محمد استنادا إلى إرث الأب المؤسس الراحل الشيخ زايد، على أهمية اللجوء إلى الحوار والطرق السلمية لإنهاء الصراعات وحقن الدماء، فيما تسعى الإمارات دائما للمصالحات لتحقيق السلام العالمي وحفظ كرامة الإنسان.

وتلتزم الإمارات بتعزيز الشراكات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة عالميا وتلعب دورا رائدا في العمل الإنساني والخيري على مستوى العالم وتقدم المساعدات التنموية والإنسانية بغض النظر عن العرق أو الدين. كما تقف على مسافة واحدة بين أطراف النزاعات الإقليمية وتدفع باستمرار للحوار سبيلا لإنهاء الصراعات.

وتُحافظ الدولة الخليجية الثرية على علاقات جيدة مع كل من يريفان وباكو، بما في ذلك شراكات اقتصادية قوية، ما يوفر بيئة مواتية لتسوية الأزمة بين البلدين.

ونجحت الدبلوماسية الإماراتية في بناء سمعة كوسيط محايد، بالنظر إلى علاقاتها الجيدة مع أطراف متعددة في النزاعات، وقدرتها على توفير منصة آمنة وسرية للحوار.

وخاضت الدولتان الواقعتان في جنوب القوقاز سلسلة من الحروب منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي عندما انشقت ناغورنو قرة باغ، وهي منطقة في أذربيجان كان معظم سكانها من الأرمن في ذلك الوقت، عن باكو بدعم من أرمينيا.

وفي انفراجة كبيرة قال البلدان في مارس/آذار إنهما وضعا اللمسات الأخيرة على مسودة اتفاق للسلام. لكن لا يزال موعد توقيعه غير مؤكد. وزادت بشكل كبير أيضا، بعد فترة وجيزة من هذه الخطوة، وقائع انتهاكات وقف إطلاق النار على حدودهما المغلقة التي تنتشر عليها تعزيزات عسكرية. لكن لم يتم في الآونة الأخيرة الإبلاغ عن أي خروقات.

وسيكون الاجتماع في أبوظبي أول لقاء رسمي بين الزعيمين منذ أن اتفقا على مسودة اتفاق السلام. والتقى باشينيان، خلال زيارة نادرة إلى تركيا الشهر الماضي، بالرئيس رجب طيب أردوغان الذي قال إنه سيدعم جهود يريفان للسلام مع باكو. كما عبرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة عن آمالها في التوصل إلى حل للأزمة.

وبدأت محادثات السلام بعد أن استعادت أذربيجان السيطرة على قرة باغ في سبتمبر/أيلول 2023، مما دفع جميع الأرمن البالغ عددهم 100 ألف تقريبا إلى الفرار إلى أرمينيا.

ويأتي الاجتماع الذي تحتضنه أبوظبي غدا الخميس بعد وقت قصير من تعبير وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن أمله في التوصل إلى اتفاق سلام سريع، مما يشير إلى الاهتمام الدولي من القوى الغربية بالتوصل إلى حل.

وتمتاز الجهود الإماراتية في الوساطة بالدبلوماسية الهادئة، حيث تركز على التواصل المباشر وغير العلني بين الأطراف المتنازعة، بعيداً عن الأضواء الإعلامية، مما يتيح مساحة أكبر للمفاوضات البناءة.

ويشكل الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الإمارات في منطقة مضطربة أساساً قوياً لدورها كوسيط، كما يوفر اقتصادها القوي والمتنوع الموارد اللازمة لدعم جهود الوساطة وتقديم المساعدات الإنسانية وتوفير بيئة نموذجية لاستضافة المحادثات.

وكانت دولة الإمارات قد لعبت ولاتزال دورا نشطا ومحايدا في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، مرتكزة على سياستها القائمة على عدم الانحياز والدبلوماسية والحوار لتهدئة الأوضاع والتخفيف من التداعيات الإنسانية.

الإمارات تحظى بثقة كل من روسيا وأوكرانيا كوسيط محايد
الإمارات تحظى بثقة كل من روسيا وأوكرانيا كوسيط محايد

وبفضل دبلوماسيتها الهادئة أصبحت الإمارات وسيطا يحظى بثقة دولية عالية ومقبولا من قبل الطرفين الروسي والأوكراني، وقد نجحت في إتمام العديد من عمليات تبادل الأسرى بين طرفي الحرب حيث بلغ العدد الإجمالي للأسرى الذين تم تبادلهم بوساطة إماراتية أكثر من 3200 أسير.

وتؤكد وزارة الخارجية الإماراتية التزامها بمواصلة العمل لدعم كافة الجهود التي تهدف إلى التوصل لحل سلمي للنزاع، والتخفيف من الآثار الإنسانية الناجمة عن الأزمة، بما في ذلك ملفي الأسرى واللاجئين.

وقدمت أبوظبي مساعدات إنسانية كبيرة لأوكرانيا، بما في ذلك دعم اللاجئين الأوكرانيين في الإمارات وخارجها (مثل مولدوفا وبولندا وبلغاريا).

ويشمل الدعم تمكين الأطفال الأوكرانيين من الالتحاق بالمدارس وتوفير الدعم اللغوي والتعليمي، بالإضافة إلى خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والمادي.

وتؤكد الإمارات على أن الدبلوماسية والحوار وخفض التصعيد هي السبيل الوحيد لتجاوز الأزمة وتخفيف عواقبها الإنسانية.

وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد زار موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2024 في إطار جهود تعزيز الحوار بين الأطراف المعنية والتقى حينها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أشاد بدوره في حل القضايا الإنسانية بما في ذلك تبادل الأسرى.

وجاءت تلك الزيارة في إطار جهود الإمارات المستمرة للإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي وتعزيز التعاون مع القوى الإقليمية والدولية والتواصل مع جميع الأطراف المعنية بالأزمة في أوكرانيا.

وتؤكد الإمارات على أهمية دعم استمرار المشاورات الجادة لحل الأزمة في أوكرانيا، مشددة على أن سياستها القائمة على عدم الانحياز ومصداقيتها لدى الطرفين تجعلها وسيطًا موثوقًا به في هذه الأزمة.

وتؤمن أبوظبي بضرورة العمل ضمن الأطر الدولية والمؤسسات متعددة الأطراف القائمة على القانون الدولي وتدعو إلى استجابة جماعية والتزام مشترك بالقانون الدولي.

كما ساهمت الدبلوماسية الإماراتية بفاعلية في التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي بين إثيوبيا وإريتريا في عام 2018، منهيةً عقوداً من الصراع بين البلدين، بالإضافة الى  توسطها في الأزمة الأخيرة بين باكستان والهند والمساعدة في تخفيف التوترات بين البلدين النوويين.